ارشيف من : 2005-2008
أحلام إسرائيلية وردية لمرحلة ما بعد تقرير ميليس!
الانتقاد/ تحت المجهر ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005
تجد "إسرائيل" نفسها مضطرة إلى الانكفاء رسمياً وعدم التعليق والإعراب المتواصل عن الغبطة لما تضمنه تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الحريري ديتليف ميليس، وإن لم تتمكن من الالتزام بذلك بشكل كامل، لحجم الإغراء والفائدة المقروءة من قبلها.. ويعود ذلك الانكفاء (عن التعليق) تلبية لمطالب متكررة من قبل الإدارة الأميركية، وهو ما دفع وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الطلب من بعثاتها الدبلوماسية عدم التعليق على التقرير، حرصاً منها، وفقا لصحيفة هآرتس، على عدم الظهور بمظهر المشارك فيه.
وبرغم ذلك، لم تستطع "إسرائيل" أن تمسك نفسها طويلاً عن التعليق خصوصاً المعلقين والمحللين الأكثر ارتباطا بمؤسسات القرار السياسي والأمني، ما أظهر الدلالات والتداعيات المؤملة أميركياً وإسرائيلياً من التقرير.. سواء توصيفا أو استشرافا للمسارات التي يُعمل عليها في مرحلة ما بعد التقرير وإمكانية تحققها، وخاصة أن وجهة التوظيف هي في مواجهة سوريا ولبنان بما يمثلانه من موقعي الممانعة والمقاومة في العالم العربي.
من أبرز أصداء تقرير ميليس في الداخل الإسرائيلي، برز الرهان الكبير على تداعياته حيث وصل النقاش إلى حد البحث في مصير النظام السوري، ومحاولة البحث عن إجابة تتعلق بأي من الحالتين، بقاء النظام أو إسقاطه، هو الأكثر سوءاً لـ"إسرائيل"، حيث تتعدد الآراء في المؤسسة السياسية ـ الأمنية، وتتعارض التقديرات إزاء طابع النظام البديل عن النظام الحالي.
وفي هذا المجال اعتبرت مصادر سياسية إسرائيلية أن "اختفاء نظام الأسد هو نعمة كبيرة لـ"إسرائيل" لأنه لا يمكن أن يكون هناك نظام أسوأ من النظام الحالي".
بينما حذر مصدر امني رفيع المستوى من "إمكانية قيام نظام في سوريا اكثر خطورة من قبل الأخوان المسلمين والمتطرفين، الذين يمكن لهم أن يتعاونوا مع تنظيم القاعدة".
وبحسب كلام هذا المسؤول الأمني فمن الممنوع تجاهل حالة الهدوء السائدة في هضبة الجولان "فأي نظام آخر بديل عن النظام القائم، قد يغير الواقع الحالي، وبالتالي فإن السعي لتغيير النظام في سوريا سيكون أكثر خطورة".
بين هذين الرأيين والتقديرين، يذهب تيار آخر في المؤسسة السياسية ـ الأمنية، إلى أن الواقع الحالي الذي تتعرض فيه سوريا "لضغط دولي ثقيل، هو أفضل من أي نظام آخر"، يعارضه آخرون انطلاقا من أن ذلك سينعكس ايجابيا (لمصلحة إسرائيل) على الساحة اللبنانية عبر كبح حزب الله وحراس الثورة!
هذه الأماني والسيناريوهات تُظهر "إسرائيل" وكأنها أصبحت المتحكم بمجرى الأحداث بشكل مطلق، وأنه لم يعد أمامها سوى تحديد ما هو الأنسب والأصلح لها، وهو فخ سبق أن وقع فيه الإسرائيلي، بالإضافة إلى آخرين، مرات ومرات خلال احتدام المعركة في المراحل السابقة مع المقاومة في لبنان وفلسطين.
وفي سياق النقاشات المتعلقة بالتقرير وتداعياته والإمكانيات المتوافرة للاعبين المعنيين فيه، وجد معظم النقاش الإسرائيلي أن الخيارات الأميركية في الذهاب بعيدا نحو تحقيق الأماني والطموحات هي خيارات غير مطلقة ومقيدة.
إذ كتبت سمدار بيري في صحيفة يديعوت احرونوت "أن جهود الإدارة الأميركية، حسب التجربة العراقية، في تحديد لائحة من بين زعماء المعارضة السورية لن تفلح، إذ ليس من بين هؤلاء زعيم حقيقي. وبالتالي فإن الإدارة الأميركية عالقة مع بشار". وهو ما وافق عليه جاكي حوغي أيضاً في معاريف، إذ رأى انه "عندما نقف لمحاكمة بشار الأسد يجب أن ننظر بالمرآة المنعكسة من دمشق.. فمن الأفضل أن تكون الصورة لطبيب عيون متقلب، على أن تكون لشيخ يعرف جيداً ما يريده".
صحيفة هآرتس من جهتها التي ناقشت الدوافع الاميركية التي تقف في خلفية مواجهة سوريا، رأت أن "استنتاجات لجنتي التحقيق (ميليس ولارسن) ليست سوى دلالة على محاولة أخرى لملاءمة سياسة سوريا مع تطلعات الولايات المتحدة، ولا سيما في كل ما يتعلق بالتعاون السوري في الحرب على العراق"، وهو ما ذهب إليه جاكي حوغي في معاريف، خلال مناقشته للدوافع الاميركية: "يطالب الأميركيون بالمستحيل من الأسد.. ويريدونه أن يخون حزب الله وأن يتخلى عن الفصائل الفلسطينية والمساعدة في إقامة عراق ديمقراطي خاضع للنفوذ الأميركي..".
الأكثر دلالة من جميع المعلقين الإسرائيليين، كان تعليق تسفي برئيل في صحيفة هآرتس، الذي اعتبر انه "من قبل مقتل الحريري حُددت سوريا كهدف مفضل للإدارة الأميركية... فلو كانت سوريا مشاركة في الجهود الحربية الأميركية، وسمحت بمرور القوات الأميركية عبر أراضيها نحو العراق إبان الحرب، لما كان ليخطر ببال أحد تشكيل لجنة تحقيق في قتل رئيس وزراء لبناني أو تطبيق القرار 1559"...
جهاد حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018