ارشيف من : 2005-2008

القوات: هجمة ودية نحو الأكثرية.. وتهجم حاد على "الخصم الخارجي"

القوات: هجمة ودية نحو الأكثرية.. وتهجم حاد على "الخصم الخارجي"

تحركت مسيرة "القوات اللبنانية" خلال الفترة الماضية باتجاه المزيد من التلاحم مع"الأكثرية" التي كان لها الدور الأكبر في حصولها على مواقع وزارية ونيابية في التشكيلة الجديدة للحكم في لبنان.‏

ولكن هذا السير المعبَّر عنه بالكثير من الإشارات الإعلامية والسياسية اللافتة، لم يستطع أن يخفي حقيقتين تحاولان الاحتماء بالصورة المفعمة بالحيوية والتفاؤل التي تحاول القوات ترويجها عن نفسها:‏

الحقيقة الأولى تكمن في عدم قدرة القوات على زحزحة خطابها الحقيقي بعيداً عن الثوابت الأساسية التي قامت عليها، والتي تستهوي الجمهور الذي تعمل على إعادة استقطابه بعد تشتته في أكثر من اتجاه، أكثره يميل في مسار مختلف عن المسار الذي تقول القوات إنها تسير فيه.‏

والحقيقة الثانية تتمثل في عدم نجاح خروج قائد القوات سمير جعجع بإحداث صدمة إيجابية للواقع القواتي الداخلي، بما يضمن إزالة الكثير من خطوط الخلل ـ وحتى التداعي ـ التي تظهر في البناء القواتي الذي يرى البعض أنه يواجه خطر الانهيار.‏

بين إصرار جعجع وزوجته النائب ستريدا على توجيه تهنئتهما الشخصية للمسلمين في لبنان بحلول شهر رمضان المبارك، وتشديد كتلة نواب القوات على توجيه التهنئة نفسها في وقت متزامن تقريباً، ما يشي بأن هناك رسالة مطلوب أن تصل إلى من يعنيهم الأمر، من الذين يفترض أن يكونوا قد أصبحوا في الضفة نفسها مع القواتيين، بعد أن قضوا فترة طويلة قابعين في الضفة الأخرى.. المعادية.‏

فالتهنئة موجهة ـ بتميّزها ـ إلى الجمهور المسلم الذي شارك مع القوات في "انتفاضة 14 آذار"، والذي أدلى بأصواته بكثافة إلى المرشحين القواتيين وأوصلهم إلى ساحة النجمة، حارماً آخرين لم يحظوا بأصوات هذا الجمهور من تحقيق الهدف نفسه.‏

وبقدر ما تبدو هذه التهنئة "واجبة"، فإنها تحمل في طياتها أكثر من الرغبة في توجيه الشكر، لتصل إلى حد تأكيد البقاء في الخط نفسه مع الأكثرية، وهذا ما عاد جعجع نفسه إلى التعبير عنه في خطابه الذي وجهه إلى القواتيين في أوستراليا، والذي تحدث فيه عن رغبة "الخصم" في تفريق الأكثرية وتشتيت وحدتها، مصمماً على منع حصول هذا الأمر.‏

واختيار لفظة "الخصم" للدلالة على من أوضح كل صفاته في خطابه، دليل آخر على تغيّر في اللهجة دون تغيّر في مضمون الكلمات.‏

فبعد شعار "اعرف عدوّك.. السوري عدوّك" الذي ساد طول سنوات الحرب والسنوات التي تلتها، تأتي لفظة الخصم مخففة للتعبير عن الطرف نفسه الذي لم يترك صفة سيئة أو نية مؤامرتية إلا وألصقها به.‏

هذه المعادلة "تخفيف اللهجة والتمسك بالثوابت"، برزت بشكل أكبر وأكثر وضوحاً خلال التوجه إلى الأكثرية نفسها التي تمنى جعجع البقاء معها من أجل "تضميد جراحنا وجراح الوطن وترسيخ إيماننا بلبنان معافى آمناً واحداً سيداً حراً مستقلاً"، كما جاء في بيان التهنئة بشهر رمضان المبارك الصادر عن جعجع وزوجته.‏

إلا أن هذا التمسك بالثوابت جاء من طرف آخر غير جعجع، وعلى لسان النائب جورج عدوان الذي كان يتحدث على طريقة "يا قاتل يا مقتول" عندما طُرح موضوع رئاسة الجمهورية، مشدداً على "أننا نحن ـ المسيحيين ـ من يملك الكلمة الرئيسية في اختيار رئيس الجمهورية، وللآخرين دور في الموافقة على هذا الاختيار".‏

هذا الموقف "المتشدد" ـ الذي ينبع من صلب فكر القوات ونظرتها إلى لبنان ـ أثار صدمة الفريق المتحالف مع القوات قبل أن يصدم الفريق الذي يعاديها، أو على الأقل يقف على مسافة منها، من دون أن تنفع بعض المحاولات التي بُذلت من أجل التنبيه إلى أن عدوان لا يمثل الرأي القواتي بكل نقائه، وأن اختياره نائباً عن القوات لم يدخله في قلب البوتقة القواتية، برغم رضا سمير جعجع الكامل عنه.‏

وهنا تبرز الحقيقة الثانية حول بقاء الداخل القواتي على هشاشته برغم خروج جعجع منذ أشهر من السجن.‏

وفي حين تتناقض المعلومات عن موعد عودة قائد القوات من "منفاه الصحي والأمني.. والسياسي" في الخارج، وبين "تأكيدات" العودة القريبة جداً وشائعات أن لا عودة نهائياً إلى لبنان، فإن ما يتسرب عن خلافات قواتية مستفحلة أمر لم تعد محاولات منع الإعلام ـ بالتمني ـ من نشر أخباره تفلح في كتمانه.‏

وتتعدد هذه الخلافات وتتنوع، ويدخل فيها أطراف ويخرج منها أطراف بشكل يجعل عملية رتق ما انفتق عصيّة على أمهر "الخياطين"، حتى لو كان تعلم الصبر في السجن أكثر من أحد عشر عاماً.‏

وهكذا تبدو سياسة الهجمة الودية نحو "الأكثرية" والهجوم الحادّ نحو "الخصم الخارجي"، التي يستخدم فيها الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب بشكل فعّال ومكثف، الوسيلة القواتية الأنسب لتمرير هذه المرحلة، عسى أن يأتي ما يبلسم جروح الداخل، ويسمح لحقيقة الموقف القواتي بالظهور.. دون "رتوش".‏

محمود ريّا‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1131 ـ14 تشرين الاول/ اكتوبر2005‏

2006-10-30