ارشيف من : 2005-2008

رؤية العدو لواقع الجبهة مع لبنان: جبهة غير مستقرة مفتوحة على كافة الاحتمالات

رؤية العدو لواقع الجبهة مع لبنان: جبهة غير مستقرة مفتوحة على كافة الاحتمالات

شكلت مراسم تسلم اللواء "اودي ادام" منصبه قائداً جديداً للجبهة الشمالية في جيش العدو الصهيوني ـ خلفا للواء بني غينتس ـ مناسبة لمواقف ورؤى لخصت إلى حد ما رؤية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية للوضع على الحدود مع لبنان، وعلاقتها بالداخل الفلسطيني وبتطورات الوضع الداخلي في لبنان، من منظور إسرائيلي، (على الأقل ما أرادوا أن يعلنوه بأنه نظرتهم) وخاصة أن المعبِّر عن هذه المواقف هو رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال "دان حلوتس"، وهو ما يستوجب التوقف عند بعض ما قيل في محاولة لتسليط الأضواء على بعض النقاط التي ذُكرت:‏

لا يخفى أن طبيعة المناسبة ومستوى القيادات العسكرية الحاضرة والمتكلمة يستوجب أن يتخلل الكلمات مقاربة استراتيجية للوضع على "الجبهة الشمالية" والتوجيهات العامة فيما يخص هذه المنطقة.‏

- يبدو من كلام حلوتس ان توصيف الجيش الإسرائيلي للوضع على الحدود مع لبنان، هو أنه جبهة غير مستقرة مفتوحة على كافة الاحتمالات، على الأقل من ناحية نظرية، ما يستدعي، عسكرياً، البقاء في حالة جهوزية لمواجهة أي مستجد غير متوقع. وقد ظهر ذلك جليا من خلال تحذيره من التوهم الذي قد يتسرب إلى النفوس نتيجة حالة الهدوء التي تسود هذه المنطقة. وهو أمر يلجأ إليه أي جيش يعيش حالة من الصراع منعا للاسترخاء.‏

- تقع هذه المنطقة في مرتبة تلي ساحة المواجهة الداخلية في فلسطين، ضمن سلّم أولويات الجيش الإسرائيلي: "ان قيادة الشمال لم تعد في مركز النشاط العملياتي للجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة حيث استأثرت محاربة الارهاب الفلسطيني بالاهتمام الميداني في الجبهات الأخرى"، موضحا السبب لذلك بقوله انه "... من أجل التركيز على الجبهات الأخرى (الداخل الفلسطيني)". هذه الحقيقة تُظهر بوضوح مدى الانعكاس الإيجابي الذي أدته وتؤديه المقاومة داخل فلسطين على الساحة اللبنانية من ناحية الاستقرار الأمني، وإن بمنسوب معين. كونها تُضيِّق خيارات العدو وتحدِّدها بقنوات محددة.‏

- أيضا يظهر من كلام حلوتس اهتمام ملحوظ بمدى انعكاس التطورات التي تشهدها الساحة الداخلية اللبنانية، وفي مواجهة سوريا، على الكيان الإسرائيلي من بوابة الحدود مع لبنان. وخاصة ان ما يجري يجسد الرهان الإسرائيلي الاستراتيجي المتبقي أمامه لإسقاط خيار المقاومة بعدما اقتنعت القيادتان السياسية والعسكرية بعدم إمكانية إسقاطها عبر الاصطدام المباشر معها. وفي هذا الإطار هناك تخوف وترقب إسرائيليان من أن تؤدي أية تطورات غير محسوبة أو ضغوط (اميركية)... إلى انعكاسات سلبية على العدو "فتحت السطح الأمور تتفاعل... والحلبة الشمالية بمقوماتها المختلفة في سوريا ولبنان تبحث عن متنفسات للضغوط الداخلية والخارجية، وعلى قيادة الجبهة ان تتنبه وتتأهب لمواجهة غير متوقعة...".‏

الا ان اللافت في هذا السياق أن "حلوتس" أعلن بأن الوجهة الإسرائيلية على هذه الجبهة "ليست التصعيد، ولكن علينا الاستعداد لاحتمال كهذا"، وهو أمر يستوجب التوقف عنده:‏

- سبق لحلوتس ان ذكر بأن أولوية هذه الجبهة تقع في المرتبة التي تلي مواجهة المقاومة في فلسطين، وهو أمر ينبغي أن يكون حاضرا لدى محاولة تشخيص مجموعة العوامل التي تقيد حركة العدو من دون ان يخدش ذلك من قدرة ردع المقاومة في لبنان، لأن "إسرائيل" قادرة من الناحية العملية على شن اكثر من حرب على اكثر من جبهة في آن معا، وقد فعلت ذلك سابقا... ولكن بما انها تعرف بأنها لن تكون في هذه الحرب مجرد مبادر، وإنما أيضا متلقٍ ـ بكم ونوع ـ قد يغير من كل الحسابات ويضطرها إلى ان تعيش حالة من الاضطراب في تحديد الأولويات... فبالتالي لديها أكثر من سبب للامتناع عن شن اعتداءات واسعة كما فعلت خلال عقود ماضية.‏

- إن إسرائيل في الوقت الذي تعلن فيه أن وجهتها ليست التصعيد، نجد أن طائراتها تخرق الأجواء اللبنانية في كل يوم، وفي حال الرد على هذه الخروقات "تُتهم" المقاومة بأنها تعمل على التصعيد... ويخطف الجيش الإسرائيلي مواطنين لبنانيين، وفي حال الرد على عمليات الخطف هذه "تُتهم" المقاومة بأنها تعمل على التصعيد... ويُطلق قذائفه ونيرانه على الأراضي اللبنانية، وفي حال الرد على الاعتداءات هذه "تُتهم" المقاومة بأنها تعمل على التصعيد... ويستمر احتلالها لمزارع شبعا، وان مارست المقاومة واجبها في السعي لتحريرها "تُتهم" المقاومة بأنها تعمل على التصعيد...‏

كل ذلك ويعتبر رئيس اركان جيش العدو ان "إسرائيل" لا تريد التصعيد، وبالتالي يتضح أن المعنى الذي تقصده "إسرائيل" بأنها لا تهدف إلى التصعيد، وهو ان من حقها ممارسة ما تريد من خروقات واعتداءات من دون ان يكون للمقاومة الحق في الدفاع، وإلا وُضعت في خانة من يريد تحريك هذه الجبهة لحسابات هنا أو هناك، وبالتأكيد هناك من هو جاهز للعزف على هذه النغمة.‏

جهاد حيدر‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1131 ـ14 تشرين الاول/ اكتوبر2005‏

2006-10-30