ارشيف من : 2005-2008

الوصاية باتت على الزراعة أيضاً : المواطن مجدداً في أتون ارتفاع سعر المحروقات وربطة الخبز

الوصاية باتت على الزراعة أيضاً : المواطن مجدداً في أتون ارتفاع سعر المحروقات وربطة الخبز

الانتقاد / تحقيقات ـ العدد 1130 ـ 7 تشرين الاول/ اوكتوبر 2005‏‏

لا يكاد المواطن يخرج من دوامة حتى يدخل في أخرى، وكأن حياته باتت متاهة لا يمكن الخروج منها. تبدأ هذه الدوامة من الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات وخصوصاً المازوت، فيطال هذا الارتفاع كل فئات المجتمع بدءاً من المزارع فالصناعي فأصحاب الأفران، وأخيراً المواطن العادي الذي لن يقدر على توفير الدفء لأولاده، حيث تساوى سعر صفيحة المازوت مع سعر صفيحة البنزين في بداية موسم الشتاء!‏‏

مناطق البقاع والمناطق الجبلية بدأت تتهيب الصقيع، وتكاد تنكشف أزمة حقيقية إذا ما انعكس ارتفاع المازوت على سعر الخبز وغيره من السلع التي ترتبط بارتفاع أسعار المحروقات!‏‏

يكاد هذا الواقع يسيطر على الجميع.. ما إن تقترب من أبي حسن وهو أب لسبعة أطفال لم يكمل تسجيلهم في المدارس، حتى يتغير لونه وتهرب الكلمات من بين شفتيه عندما تسأله عن استعداداته للشتاء، وتحديداً "المازوتات".. يسأل عن الحل من دون جدوى، فصفيحة المازوت بزّت صفيحة البنزين وأصبحت أكثر من عشرين ألف ليرة.. ويمكن الحبل على الجرار!‏‏

أبو حسن يعمل مياوماً ولا يكاد يحصل حتى على الحد الأدنى للأجور، ويقول: "الطعام ليس مشكلة، فالمعدة تستر ما يملؤها، لكن الأطفال الذين يصبرون على نوعية الطعام هل يصبرون على برد الشتاء!..‏‏

ما يفكر فيه أبو حسن هو هاجس آلاف المواطنين وعوائلهم في البقاع والجبل، وما يزيده هماً الحديث عن إمكانية ارتفاع سعر ربطة الخبز أو تخفيض وزنها، ما يعني مشكلة أخرى ستواجه المواطنين.‏‏

ويبدو أن زمن تثبيت سعر ربطة الخبز أصبح من الماضي، وما كان يُعرف بالخط الأحمر قد انهار، خصوصاً أنه إذا لم يمس السعر يكون الحل بتخفيض الوزن! وهو ما جرى اللجوء إليه في المرة السابقة عند ارتفاع سعر صفيحة البنزين.‏‏

ويبدو أن نقابة أصحاب الأفران أصبحت أمام مشكلة معقدة نتيجة الارتفاع الجنوني لأسعار المازوت، ورفع الدعم عن القمح وما يلحق من أكياس نايلون وغيره، لذلك لم يعد أمام أصحاب الأفران سوى العمل على رفع سعر ربطة الخبز او تخفيض وزنها، وبالتالي عدد أرغفتها بما يتناسب مع الزيادة على المواد الاولية.‏‏

وكأن هذا المواطن لا يكفيه هم المازوت والمدارس والكتاب المدرسي في موسم الشتاء، حتى جاءه همّ آخر لفصل الصيف، وهو القرار (44) القاضي برفع الدعم عن القمح والشمندر السكري! لا بل إن وزير الاقتصاد سامي حداد المعنية وزارته بمكتب الحبوب والشمندر، قد نصح المزارعين بعدم العمل على قاعدة أن هناك دعماً لزراعة القمح في السنة المقبلة، وأن الحكومة ماضية في القرار إلى الأخير، وأن "معاليه" سيقدم استقالته إذا ما اضطر للتراجع عن القرار!!‏‏

لماذا هذا الإصرار على هذا القرار؟‏‏

يقول رئيس اللقاء الوطني للهيئات الزراعية في لبنان ورئيس اتحاد نقابات المزارعين في لبنان "إنماء" جهاد بلوق: "ان الموضوع شديد الخطورة، لأنه سينسحب على ملف التبغ، وربما على ملفات أخرى.. لا بل قد يتجاوز الاعتبارات المتعلقة بقطاع الزراعة ليطال مشاريع معينة استجابة للشروط الدولية التي وضعها البنك الدولي، والقاضية بأن ترفع الدولة كل أنواع الدعم.. وسيأتي وقت ليس فيه أي دعم لأي زراعة من قبل الدولة"..‏‏

وتابع: "إن الدعم الذي كان يقدم ما هو إلا عملية ضخ للأوكسجين في الجسم الزراعي المنهار أصلاً.. وبالقرارات المجحفة والظالمة يريدون قتل الزراعة والمزارعين"..‏‏

ويبدو أن القضية تتجاوز القرار (44) لتصل إلى الزراعة ككل، وهو ما يشير إليه بلوق عندما يدعو الجميع لكي "يكون لديهم القناعة بأن لا وجود للبنان من دون زراعة، ولا كرامة للوطن اذا كان المزارع يعيش الفقر والاستجداء".‏‏

ويضيف بلوق: "في ما يخص مادة المازوت كانت كلفة الإنتاج عالية جداً وأكثر من أي دولة مجاورة عندما كانت الصفيحة بـ(7500) ليرة وكانت المطالبة بتخفيض السعر، أما الآن وقد وصل سعرها الى عشرين ألف ليرة فكلفة الإنتاج ستكون مضاعفة مرات، والمشكلة لا تكمن هنا فقط، بل الخطورة الأكبر هي موضوع التدفئة التي تطال جميع شرائح المجتمع، وخصوصاً متوسطي وفقراء الحال في لبنان".‏‏

وسأل بلوق: "بما أن الحد الأدنى للأجور هو أقل من أربعمئة ألف ليرة والاستهلاك الشهري لمادة المازوت بالحد الأدنى أكثر من أربعمئة ألف ليرة، ومع عدم وجود بدائل مثل الحطب او الغاز التي وصل سعر قارورته الى ثمانية عشر ألف ليرة، نسأل كيف يستطيع أن يمضي الفقير والمستضعف والمزارع الشتاء القارس في البقاع والجبل خصوصاً!".‏‏

وطالب بلوق الدولة بالتراجع عن القرار (44) وتثبيت سعر صفيحة المازوت بما لا يتجاوز (12000) ليرة للصفيحة، لأنه لا طاقة لأحد على تحمل تبعات تلك القرارات المرتجلة. وأشار بلوق إلى أنه إذا ما استمر الوضع على هذا المنوال فثمة خطوات ستقوم بها النقابات، وقال: "نحن منذ صدور القرار بادرنا كلقاء وطني للهيئات الزراعية في لبنان لتشكيل لجنة مركزية ولجان فرعية في كل محافظة، وقررنا ان نقوم باعتصام مفتوح في الثالث عشر من الشهر الحالي في ساحة رياض الصلح، ابتداءً من الساعة 11.00 صباحاً، على أن يسبقه اعتصامات في كل المحافظات استعداداً ليوم 13 تشرين الأول. ونحن ندعو المزارعين والمواطنين الى عدم الاستهتار والتهاون في الأمر، لأنه إذا مر القرار فعلى الزراعة والفقراء السلام.‏‏

تحقيق عصام البستاني‏‏

2006-10-30