ارشيف من : 2005-2008

التعليم الرسمي في الضاحية الجنوبية: انعدام القدرة على استيعاب الطلاب.. ازدحام الصفوف.. داء الدوامين

التعليم الرسمي في الضاحية الجنوبية: انعدام القدرة على استيعاب الطلاب.. ازدحام الصفوف.. داء الدوامين

الانتقاد/ تحقيق محليات- 1129- 30 ايلول/ سبتمبر 2005‏

مع بداية كل عام دراسي تقفز مشاكل المدرسة الرسمية إلى الواجهة وتتجدد الصرخة في وادٍ ويتردد رجع الصدى وهماً وسراباً، وتبقى المشكلة على ما هي عليه عاماً بعد عام.. تتكرر المشكلة ووعود الحل أو الالتفاف عليها، ولكن تبقى المشكلة الأساسية انعدام رؤية متكاملة للتعليم الرسمي والنهوض به ضمن خطة متكاملة محددة زمنياً، وإلا فما معنى تكرار المشاكل نفسها سنوياً والحديث عنها مرة بعد أخرى؟!‏

وإذا كانت مشاكل التعليم الخاص تنحصر بارتفاع الأقساط والكتب القرطاسية، فإن التعليم الرسمي له أيضاً مشاكله، لكنها من سنخ آخر، لعل أبرزها عدم قدرة هذه المدارس على استيعاب الطلاب وازدحام الصفوف ورداءة البناء المدرسي، إن لم نقل انعدامه وعدم ملاءمته الشروط الفنية لمواصفات المدرسة النموذجية وتجهيز المختبرات. وهذه المشاكل لا تقتصر على منطقة معينة، وإن كانت تتفاوت بين منطقة وأخرى، لكنها في بعض المناطق تأخذ منحى كارثياً عندما تتجمع في بؤرة صغيرة جغرافياً وكبيرة ديموغرافياً كما هي الحال في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.‏

الواضح أن واقع التعليم الرسمي في الضاحية الجنوبية يعاني من مشاكل كبيرة ومستعصية على الحل حتى الآن، وأهمها عدم القدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب الذين يفرون من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية التي أصبحت ملاذاً وحيداً للفقراء في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع أقساط المدارس الخاصة.‏

الواقع التعليمي‏

وفي نظرة إجمالية إلى أعداد الطلاب في هذه المنطقة، نجد أن عدد طلاب الضاحية وفق آخر إحصائية للتعبئة التربوية في حزب الله يصل إلى 180 ألف طالب موزعين بين 45% في التعليم العام و55% في التعليم الخاص. وهذا الواقع يستدعي الحديث عن أصول ثلاثة مرتبطة بواقع التعليم العام في الضاحية، حيث يصل عدد سكانها إلى 450 ألف نسمة تقريباً وهي: البناء والتجهيزات والمعلمون.‏

تبين إحصائية أعدتها وزارة التربية مؤخراً أن عدد المدارس الرسمية في ساحل المتن الجنوبي هو 35، بما فيها الشياح الأولى والعمروسية.. مدرستان تعملان بدوام واحد، و17 مدرسة تعمل بنظام الدوامين، فيصبح العدد 34، تضم ثلاثاً وثلاثين مدرسة ابتدائية وتكميلية، وثانوية واحدة.‏

وتملك الدولة من هذه المدارس بناءً واحداً فقط، بينما هناك ثمانية عشر بناءً مستأجراً، بينها عشرة أبنية صالحة كبناء مدرسي، فيما الباقي غير صالح!‏

وفي إحصائية أعدتها التعبئة التربوية العام الماضي، تبين أن المدرسة الرسمية في هذه المنطقة لا تستوعب أكثر من 22% من إجمالي عدد الطلاب الموجودين فيها، مقابل 77% يرتادون المدرسة الخاصة. علماً بأن عدد الطلاب يتزايد في كل عام بسبب الأوضاع الاقتصادية الضيقة التي يعاني منها الأهالي، لا سيما ذوي الدخل المحدود.‏

وانطلاقاً من هذا الواقع، من الطبيعي أن تتجدد مشكلة الاستيعاب كل عام، وأن يترجم هذا الأمر حرماناً لمئات العائلات من التعليم الرسمي.. لا بل إن الأهالي غالباً ما يلجأون إلى بذل جهود مضنية لتأمين مقعد شاغر في هذه المدارس التي تضطر مكرهة إلى قبول هؤلاء الطلاب وعدم حرمانهم من التسجيل، ولكن هذا الحل هو الآخر يتسبب بمشكلة أخرى، إذ يصل عدد الطلاب في بعض الأحيان في بعض الصفوف إلى 40 طالباً. علماً بأن العدد المطلوب تربوياً هو ما بين 25 و 30 طالباً. وإذا لم يوفق الأهل بمقعد في المدرسة الرسمية يضطر هؤلاء للجوء إلى المدارس الخاصة المجانية، فيقعون في فخ المستوى التعليمي الرديء.‏

مشكلة تستولد أخرى‏

وتستولد مشكلة الاستيعاب مشكلة أخرى يشكو منها مدراء المدارس والطلاب على حد سواء، وتتلخص بـ"داء الدوامين"، وهو ما ظهر واضحاً خلال جولة لـ"الانتقاد" على مدارس الضاحية الجنوبية.‏

ويقول في هذا الإطار مدير مدرسة الليلكي المختلطة أحمد عبود: إن نظام الدوامين قبل الظهر وبعده في عدد من المدارس يؤثر سلباً على إنتاجية الطالب والمعلم في آن معاً، خصوصاً بالنسبة الى الطلاب في مرحلة التعليم الأساس، وهو برأيي جريمة تربوية، إذ كيف يمكن أن يكون مستوى الطالب التعليمي جيداً إذا كانت حصة التدريس فقط 45 دقيقة بدل من 60، وهو أمر نلجأ إليه قسراً نتيجة الدوامين. أضف إلى مشكلة الكادر التعليمي، اذ إن القسم الأكبر من المعلمين متعاقدون وغير كفوئين، ومعظمهم يُرسَل لنا "بالواسطة" لاعتبارات سياسية! حتى ان مناقلات المعلمين في الملاك لا تتوخى مصلحة المدرسة! تصّور مدرستي بحاجة إلى معلمين من ذوي الثقافة الإنكليزية، بينما يرسلون إلينا حاملي الثقافة الفرنسية!‏

متابعة ووعود‏

هذا الواقع المرير كان محل متابعة واهتمام من التعبئة التربوية وفق ما يقول مسؤولها الحاج يوسف مرعي، الذي يشير إلى أن "التعبئة التربوية" دأبت بالتعاون مع فعاليات المنطقة على السعي لدى المعنيين في وزارة التربية لإيجاد حل جذري عبر بناء مجمع مدرسي حديث، غير أن الجهود اصطدمت دوماً بواقع "اختلقته" الوزارة، وهو عدم وجود قطعة أرض لإشادة البناء المدرسي، وأن القروض الموجودة في عهدة الدولة لا تلحظ استملاك أراضٍ لبناء المدارس! علماً بأن الحكومة أيام الرئيس رفيق الحريري كانت بصدد استملاك ما يقرب 30 قطعة أرض في بيروت قبل أن يقع الخلاف بين أركان الحكم.‏

ولفت مرعي إلى أنه أمام هذا الواقع عملنا على تأمين قطعة أرض في منطقة العمروسية حيث وُضع الحجر الأساس برعاية عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات، وحتى الساعة لم "يُضرب ضربة واحدة في المشروع"!‏

ويتابع مرعي: إن النائب بهية الحريري أبدت في اجتماع معها مؤخراً استعدادها للمساهمة في تعزيز المدرسة الرسمية في الضاحية الجنوبية. وفي لقاء آخر مع وزير التربية خالد قباني وبلديات الضاحية، بحضور عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمار، قُدم اقتراح إلى وزير التربية لترتيب الوضع القانوني لأحد العقارات البالغة مساحته 22 ألف م2 ضمن منطقة "أليسار" في الأوزاعي ليُشاد عليه مجمع مدرسي، غير أن هذا الاقتراح ما زال قيد الدرس من قبل الوزير.‏

وفي هذا الإطار يقول عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمار: إن الكتلة تأخذ موضوع التعليم الرسمي في الضاحية الجنوبية على محمل الجد، حيث ان عدد مدارس الضاحية لا يستطيع أن يلبي احتياجات ثلث حاجة الضاحية الجنوبية من هذا القطاع. من هنا كان لا بد من التحرك على كل الاتجاهات، وقد تحركنا تجاه مجلس الإنماء والإعمار للاستفادة من بعض القروض التي كانت مخصصة لإنشاء مدارس في الضاحية، واستطعنا حتى الآن أن نؤمن مدرسة في منطقة العمروسية بعد إخلاء الأرض من الشاغلين، وسيُعمل بها قريباً. كما أن وزير التربية الحالي عرض علينا أنه لدى تأمين قطعة أرض من قبل بلديات الضاحية فسيعمل على بناء عدد من المدارس فيها. كما لفتنا أيضاً الوزير إلى أنه يمكن الاستفادة من الأبنية الجديدة للمدارس الرسمية القائمة حالياً عبر إضافة بعض الطوابق عليها. ونسعى حالياً إلى استئجار أبنية جديدة ضمن المواصفات المطلوبة إذا ما توافرت في الأبنية الحديثة. كما أثرنا مع الوزير موضوع قطعة الأرض الواقعة في أرض بلدية برج البراجنة، وتقدر بـ22 ألف متر مربع على أساس أن تُستثنى بمرسوم من قبل مجلس الإنماء والإعمار لكونها تحت وصاية "أليسار"، ليصار بعدها إلى إنشاء مجمع مدرسي.‏

أما بشأن البناء المدرسي الذي هو بمعظمه مستأجر من قبل الدولة وبأكلاف عالية، فيشير عمار إلى أن هذه المعضلة لا يتحمل مسؤوليتها وزير التربية الحالي، لكنه يؤكد في المقابل أن هذا القطاع لم يلقَ أي اهتمام رسمي منذ عقود، وكان خالياً دائماً وأبداً من لغة التخطيط والتصميم والرؤية التي تفترض أن تكون الحاكمة في تنشيط وتفعيل القطاع التربوي، لا سيما الرسمي.‏

وأضاف: نحن كررنا مراراً أنه لو جرى الاستفادة من كل هذه الإيجارات التي تكلف الدولة أكلافاً باهظة، لكنا شيدنا عشرات المدارس، ولكن للأسف دائماً يجري التعاطي مع هذا الموضوع بلغة "خبزنا كفاف يومنا". إن هذا التعاطي لا يعالج أزمات ومحن هذا القطاع التربوي الذي هو ثروة أساسية لأي أمة ووطن.‏

وبرغم هذه المشاكل تبقى المدرسة الرسمية الملاذ الأخير لذوي الدخل المحدود، غير أنه في هذا الزمن الرديء نجد أن هناك من لا يقدر على دفع رسم التسجيل، وهو ما لمسته "الانتقاد" وسمعته من الأهالي على أبواب المدارس في بلد العلم والنور! فماذا نقول!‏

حسين عواد‏

تقديمات التعبئة التربوية للعام 2004 ـ 2005‏

كما كل عام وسعياً منها للتخفيف من وطأة الضائقة الاقتصادية والمعيشية عن كاهل المستضعفين، خاصة على أعتاب بداية العام الدراسي، دأبت الأقسام التربوية في التعبئة التربوية في حزب الله في المناطق على تقديم المساعدات التربوية والمنح المدرسية على مختلف المستويات.‏

ويمكن تلخيص هذه التقديمات للعام الدراسي 2004 ـ 2005 على الشكل التالي:‏

1 ـ استفاد من مختلف التقديمات في جميع المناطق ما يقارب 27 ألف طالب، حيث بلغت التقديمات في مختلف المجالات أكثر من 3 ملايين دولار.‏

2 ـ العدد الأكبر من الطلاب المستفيدين من مختلف المنح (مدرسية مهنية وجامعية) كان في منطقة بيروت (8157 طالباً).‏

3 ـ زادت تقديمات مكتبة الإعارة بنسبة 6% عن العام الماضي، مع زيادة في الأكلاف المالية بنسبة 19.21%، في حين بلغت نسبة التوفير على الطلاب 60%، كما زادت المنح المدرسية 2.5%، والمنح المهنية 4.9%.‏

2006-10-30