ارشيف من : 2005-2008
الخريبة: الإهمال الرسمي "طمرها" عقوداً.. ومكافأتها مطمر للنفايات!!
الانتقاد/ تحقيق محليات- 1129- 30 ايلول 2005
لقي الاقتراح المقدم من مجلس الإنماء والإعمار بنقل نفايات العاصمة والجبل الى البقاع واستحداث مطمر لها في خراج بلدة الخريبة في المنطقة التي تتوسط قرى حام وبريتال وحورتعلا والخريبة، استنكاراً واسعاً لدى أهالي المنطقة واستهجاناً، خصوصاً أن هذه المنطقة بالذات لم تكن حتى اليوم موضوعة على جدول الإنماء الرسمي، مع ما تعانيه من إهمال وحرمان وافتقار لأدنى مقومات الحياة الإنسانية.
فبرغم الطيبة القروية والغيرة والكرم والصبر الذي يتحلى به أبناء هذه المنطقة، لكنهم رأوا أنه لا يمكن لأحد أن يستغبي فقراءهم وفلاحيهم الذين يسترزقون من هذه الأرض.
بعد أن قُدم الاقتراح "الحل" الذي اعتبر مقدمة لمشكلة نفايات العاصمة وجبل لبنان من دون مراجعة او تنسيق أو أخذ رأي أصحاب الأرض أو رؤساء البلديات أو المخاتير أو النواب، باشر مجلس الإنماء والإعمار بوضع المخططات لإنشاء المطمر ـ المكب مستعيناً بالمروحيات، في حين كان الناس يظنون ان يداً كريمة ستُمد الى جرود المنطقة فتحرّجها وتعبد طرقاتها وتشق أخرى وتحافظ على إرث بيئي يمتد مئات السنين، ومقاصد لسياحة بيئية ودينية تتمثل بمقامات لأولياء وصالحين يقصدها المؤمنون للتبرك.
"الانتقاد" زارت المنطقة وعاينت مسرح "جريمة" يمكن أن تقع فيما لو نُفذ المشروع المقترح، إذ إن المنطقة المفترض اقامة المشروع فيها هي منطقة تمتد بين الوادي وسفح الجبل الذي تنتشر فيه أحراج من أشجار السنديان واللزاب والملول وغيرها، كما تنتشر أشجار المشمش واللوزيات في واديها. وبين هذه البساتين وتلك الأحراج يرتاح مقام لأحد الصالحين يسميه الأهالي بالنبي "سريج"، الذي يعظّمه المؤمنون ويقدمون له النذور ويرون منه كرامات، ما يزيد في قداسة هذه الأرض لدى الأهالي، فضلاً عن أنها مصدر رزقهم الوحيد، فهم يعتاشون من حبوب تلك الأرض وثمارها وحطبها.
وفي جولة على قرى وأهالي تلك المنطقة التقينا في بلدة الخريبة رئيس بلديتها محمود عباس الذي رفض بشكل قاطع امكانية حصول مثل هذا المكب، واعتبر اقامة ذلك المكب فعلاً غبياً من حيث الضرر البيئي الذي يمكن أن يحدثه، فضلاً عن الإضرار بالثروة المائية.
وقال: "هذه المنطقة كنا نسعى لدى المعنيين لتطويرها وتحويلها الى محميّة وتسجيلها في مديرية الآثار، فهي تحوي أشجاراً حرجية تمتد الى أكثر ن خمسمئة عام، وفيها مقام لأحد الأولياء "النبي سريج"، وكنا نسعى لإيصال طريق اليه.. كنا نراهم يأتون بالمروحيات، فظننا ان تنمية للمنطقة ستحصل، لكننا فوجئنا بالاقتراح "الحل" لمشاكل المناطق الأخرى على حساب منطقتنا! وكنا ننتظر من الدولة ان تطلّ علينا بمشاريعها الإنمائية لتطوير هذه البلدة وغيرها، ولكن للأسف يعملون بعقلية ظالمة، ونحن اذ نرفض هذا الموضوع نناشد رئيس مجلس الوزراء والوزراء أن يرفضوا هذا المشروع، وندعو المقترحين للتراجع، لأننا لن نسمح بتنفيذ ذلك ولو كلفنا الأمر ما كلف".
ويتفق الحاج حسن عباس مراد من بلدة حام مع ما طرحه رئيس بلدية الخريبة ويضيف: "ان هذه المنطقة الجردية هي منطقة خزانات مياه جوفية تتغذى منها آبار السفوح الغربية للسلسلة الشرقية وآبار السهل، ووجود مطمر بهذا الشكل وفي هذا المكان يهدد المياه الجوفية بالتلوث، وهذا الضرر يعود على أهالي البقاع بشكل عام، بل يتعدى الأمر ليصل الى كل المواطنين. وبالطبع لن نسمح بإنجاز هذا المشروع وليس لدينا ما نخسره".
اما رئيس بلدية النبي شيت السيد عبد اللطيف الموسوي فيقول: "إن بلدة الخريبة هي من القرى التي تحد بلدة النبي شيت، والطريق الرئيسي الذي يمر الى هذه البلدة يمر في نطاق بلديتنا، وعلى هذا الأساس لن نسمح تحت أي ظرف بأن يقام في بلدة الخريبة مكب للنفايات، خاصة أن هذه البلدة تقع في أعالي الجبال الشرقية وتشتهر بهوائها النقي وأشجارها المثمرة.. بلدية النبي شيت لن تسمح لأحد بأن يقيم مكباً للنفايات في هذه البلدة، وأعتقد أن هذا المشروع وُلد ميتاً، وخاصة بعد أن رفض إقامته سماحة الأمين العام لحزب الله الذي لن يسمح بمشاريع كهذه للمنطقة".
وأضاف: "نحن ننتظر من مجلس الإنماء والإعمار ومن الحكومة اللبنانية ان تقيم المشاريع الإنمائية والإعمارية والتنموية لحاجة المنطقة اليها، لا أن يقام مكب للنفايات في مناطقنا.. ولتسعَ كل منطقة لحل مشكلة نفاياتها، وعلى هذا الأساس المشروع مرفوض رفضاً قاطعاً، ولن نسمح به تحت أي ظرف".
أما الحاج عبد الهادي مفلح عضو بلدية الخريبة فأكد "رفض المشروع بشكل قاطع تحت أي ظرف"، ودعا "الدولة والحكومة الى عدم الموافقة على مشروع كهذا، لأن ضرره لا يقتصر على بلدة الخريبة فقط، وهو اساءة الى المنطقة والبيئة، فضلاً عن أن هذه المنطقة تحتوي أشجاراً مثمرة وأخرى حرجية معمّرة، وهذه المنطقة ليست صالحة لذلك قطعاً، لأنها منطقة تكثر فيها المقامات الدينية، ومنها مقام "النبي سريج" و"النبي إسماعيل".
واستغرب مفلح "غياب الدولة عن انماء المنطقة وتذكرها بهذا المكب"! داعياً "الى حل مشكلة النفايات على مستوى الأقضية أو المحافظات، وكل منطقة تحل مشكلة نفاياتها بما يتناسب مع وضعها، وسنحارب هذا الموضوع بكل ما أوتينا من قوة".
من جانبه اعتبر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور علي المقداد "ان موقفنا واضح جداً، وقد عبّر عنه سماحة السيد بأننا لن نجعل منطقة البقاع مكباً لنفايات لبنان".
وأضاف: "بدلاً من ان نُقدّم للمنطقة مصانع تحمي أهلها من البطالة والفقر، وبدل أن تقدم مدارس لحماية الناس من الجهل والأمية، وبدل أن تقدم مستشفيات لحماية الناس من الأمراض، نفاجأ بطروحات كهذه.. إننا سنحارب هذا الأمر بكل ما أوتينا من قوة وفي كل الميادين، إن من خلال مجلس النواب أو من خلال مجلس الوزراء أو من خلال التحرك الشعبي الذي سنتقدمه لمنع هذا المشروع..
وتابع المقداد: "لن تمر هذه الصفقة، علماً بأنه أكثر من مرة جرى الاتصال مع وزير البيئة وتحدثت معه على أساس ان يكون لكل محافظة مطمرها، وتناقشنا بالأمر وكان مقتنعاً بذلك، وهذا بديهي، لكننا لا ندري ماذا حصل حتى قُدم هذا الطرح.. ونعود للتأكيد ان هذا الأمر لن يحدث ولن نسمح به".
تحقيق وتصوير عصام البستاني
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018