ارشيف من : 2005-2008
الرواية الإسرائيلية للمواجهات الأخيرة:التضخيم الإعلامي المكشوف يسقط أمام حقيقة الرد النوعي للمقاومة
يحيى دبوق
لم تخرج التعليقات الإسرائيلية الابتدائية بما خص مواجهة يوم الأحد الماضي مع المقاومة الإسلامية اثر الاعتداءات الإسرائيلية المختلفة على لبنان، عن الطبيعة الاعتيادية للتعليق الإسرائيلي من جهة بث مادة إعلامية تحاول جبر ما تحطم من قدرة ردع لديه في مقابل لبنان.. ولكن هذه التعليقات تميزت بأنها بلغت مدى من التضخيم غير المسبوق لخسائر المقاومة والتركيز على حجم الضربات الإسرائيلية وعمقها ومقدارها وعددها. وبلغ هذا التضخيم مداه مع الزعم بأن ما يزيد عن 15 "قتيلا" سقطوا، إضافة إلى عدد كبير من المفقودين والجرحى!
وعلى الرغم من الميل التضخيمي الابتدائي من قبل الجيش الإسرائيلي ومصادره في اليوم الأول للاعتداءات، عادت المسائل إلى حجمها الحقيقي، واستبان المراسلون العسكريون حجم المعركة وحقيقتها، وهو ما انعكس على تقاريرهم التي حفل بها الإعلام الإسرائيلي لاحقا، وتحديدا في اليوم الثاني للاعتداءات ولردود المقاومة عليها.
كان اهتمام المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إظهار أن "إسرائيل" غير معنية بالتصعيد، برغم كل الاعتداءات الابتدائية التي قامت بها، بدءاً بجريمة اغتيال الأخوين مجذوب في مدينة صيدا وصولا إلى القصف الجوي للعمق اللبناني في الناعمة والسلطان يعقوب.. علما بأنه لم يغب عن المحللين الإسرائيليين التركيز الاستثنائي على معاني وحساسية قصف قاعدة المراقبة الجوية التابع لسلاح الجو الإسرائيلي في جبل ميرون شمالي فلسطين المحتلة.
وحمّل الخبير في الشأن السوري واللبناني "ايال سيزر" في صحيفة "معاريف" معلقا على المواجهات، "إسرائيل" بصورة غير مباشرة المسؤولية عن بدء المواجهة، ورأى أن "المسألة تتعلق بتوسيع مفرط للأحداث المتكررة على الحدود الشمالية تحصل مرة كل عدة أشهر.. أحيانا يبادر إليها حزب الله وأحيانا منظمة تخريبية فلسطينية. أما في الحالة الحاضرة فمن الممكن أن تكون إسرائيل هي التي أطلقت الطلقة الأولى إذا كانت بالفعل تقف وراء تصفية مسؤول الجهاد الإسلامي في صيدا يوم الجمعة الماضي".
تابع سيزر يقول: "ليس لأحد من الأطراف مصلحة، وبالتأكيد لإسرائيل ولحزب الله، بالوصول إلى تصادم واسع النطاق على الحدود يؤدي إلى إصابات كبيرة على جانبي الحدود.. مع ذلك فالطرفان غير معنيين بإبقاء الكلمة الأخيرة للطرف الآخر.. وبالنتيجة مواجهات حذرة وموجهة.. وفي إطارها يحذر الطرفان أن لا يضرب أحدهما الآخر بشكل قوي ومؤلم أكثر من الموزون".. وهو ما يفسر "إسراع الطرفين لإعادة الهدوء إلى الحدود والإعلان عن انتصارهما".
أضاف سيزر: "طوال السنوات الست التي مرت على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، يعمل كل من إسرائيل وحزب الله للإبقاء على الهدوء النسبي، من خلال تبادل ضربات مدروسة وحذرة.. وحزب الله أقام مقابل إسرائيل توازن رعب يسمح له بتحديها مرة تلو الأخرى.. إلا أن هذا الهدوء النسبي من غير المؤكد أنه سينجح في المرة القادمة.. وستبقى الآمال في إسرائيل هي في أن تتحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية وتسيطر على الحدود.. لكن المسألة تتعلق بأمل عبثي".
ورأى المعلق السياسي في صحيفة "معاريف" "بن كسبيت" أن ما أسماه "المشاكسات" بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله على الحدود "خطيرة، وهي تشبه مقاربة شعلة الكبريت إلى حاوية مليئة بالمواد الاشتعالية.. الحدود هشة جدا، وقذيفة واحدة تسقط على عدة أمتار من الهدف من شأنها أن تشعل كل المحيط". وركز على أن الصواريخ "التي استهدفت جبل ميرون سقطت على إسرائيل كالصاعقة في وضح النهار، وأنهم ـ حزب الله ـ خرقوا قواعد اللعبة.. الجميع يحاول جباية الثمن من الآخر، والجميع يحاول جبي الثمن الأكبر، إلى أن يتوقف العزف، ثم يعودون إلى أماكنهم.. هذه هي اللعبة على الحدود الشمالية، حيث الهدوء فيها هش ووهمي، والطرفان يجلسان على رمية حجر ويمارسان لعبة من يُخضع الثاني أولا".
واختار "أليكس فيشمان" المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سلوك اتجاه التضخيم، محاولا إظهار بطولات وقدرات إسرائيلية وخسائر وهمية في الجانب اللبناني، في محاكاة واضحة للرواية الابتدائية الإسرائيلية.. فزعم أنه "حتى مساء يوم أمس (الاثنين) أُعلن عن وقوع 12 قتيلا وعشرات الجرحى وعدد من المفقودين في الجانب اللبناني"!!.. "طوال ساعتين من إطلاق نار المدفعية المركزة على أهداف تابعة لحزب الله وعلى امتداد الجبهة بكاملها، وبكميات ونوعيات من التي يعرف الجيش الإسرائيلي توجيهها إلى المواقع اللبنانية، فإن هذه النيران فعلت فعلها.. ومع أن الإعلام العربي نقل تقارير عن وقوع قتيلين أحدهما من حزب الله ومسلح فلسطيني، إلا أنه حتى مساء اليوم نفسه أُعلن عن وقوع 12 قتيلا وعشرات الجرحى وعدد من المفقودين في الجانب اللبناني"!.
وحول قصف قاعدة سلاح الجو الإسرائيلي (قاعدة المراقبة) في جبل ميرون، رأى فيشمان أنه "في الساعة الرابعة والنصف صباحا تلقت وحدة الإشراف والقيادة ضربة من صواريخ أطلقت من المنطقة التابعة لحزب الله في الجنوب اللبناني.. وتقول الأوساط العسكرية إن إطلاق الصواريخ جرى بمهنية عالية، وبذلك كان لا بد من تركيز الرد لتدمير المواقع التي أُنشئت مؤخرا فيما يُعرف بمثلث حزب الله إيران وسوريا.. وإسرائيل لا تنسى أن إصابة موقع قيادة تابع لسلاح الجو الإسرائيلي يُعتبر إنذارا واضحا على قدرة حزب الله في إصابة الأهداف التي يريدها".
وبث معلق الشؤون العسكرية في التلفزيون الإسرائيلي (ألون بن دافيد ـ القناة العاشرة)، تقريرا قال فيه "إن الجيش الإسرائيلي انجر إلى التبجح بالنتائج.. لكن في ما يتعلق بحزب الله فمن الأصح تعديل التصريحات والتعبيرات.. فحزب الله سيعود للعمل قريبا، وكنا قد تلقينا عينة صغيرة من قدراته.. فمن أطلق صلية الصواريخ من ميس الجبل في جنوب لبنان على وحدة التحكم الجوّي في جبل "ميرون"، كان يعرف إلى أين يقصف، وأيضا كيف يصيب الهدف. وفي المحصلة فإن 13.000 صاروخ منتشرة في لبنان يمكن لها أن تصيب كل الأهداف الاستراتيجية في إسرائيل.. إن من يحدد حاليا كيف ومتى تدار المواجهة في الشمال هو حزب الله, وهو لم يقل بعد كلمته الأخيرة".
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018