ارشيف من : 2005-2008
حلول "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم" تجمد إضراب الأفران ولا تلغي أسبابه :"ريجيم" ربطة الخبز للحفاظ على رشاقة الحكومة المالية!
مئة غرام نقص وزن ربطة خبز الفقير.. عدد الأرغفة بقي كما هو إرضاء للمواطن، لأن نقص الأرغفة يظهر المشكلة. الأفران كسبت مئة غرام لتجاوز بعض الأعباء.. الحكومة لم تدفع شيئاً من جيبها ولم يترتب عليها أي أعباء مالية لحل الأزمة.. وهنا بيت القصيد.
اصطدمت المفاوضات بين وزارة الاقتصاد واتحاد نقابات الأفران بالحائط المسدود بعد تقديم اقتراحات عدة من قبل أصحاب الأفران، منها تخفيض الوزن أو زيادة السعر أو دعم المازوت أو دعم الطحين!
الحكومة شطبت من قاموسها الرعائي أي كلمة دعم، فالورقة الإصلاحية ورد فيها بنود عدة تتحدث عن رفع الدعم عن السلع الحيوية، لذلك فالحديث عن دعم المازوت أو الطحين أمر مرفوض!
زيادة سعر ربطة الخبز سيثير المواطنين وربما يتسبب بأزمة الحكومة بغنى عنها، خصوصاً بعد تظاهرة العاشر من أيار احتجاجاً على التعاقد الوظيفي وزيادة الضرائب ورفع الدعم عن بعض السلع الحيوية.
لم يبق لحل الأزمة سوى تخفيض الوزن، وهكذا كان.. مرة جديدة يدفع المواطن من جيبه ومن لقمة عيش أطفاله! لا ضير عند وزير الاقتصاد في تحرير سعر ربطة الخبز لإنصاف أصحاب الأفران وتلبية مطالبهم المحقة، وإذا لم يقبل مجلس الوزراء بذلك فهو لن يتردد في تقديم استقالته، لأنه غير مقتنع بتقديم الدعم لمن يملك "الفيراري" و"الشبح" و"الغواصات"!.. وكأن هؤلاء يأكلون الخبز!
المريب في هذا الأداء حيال الأزمة الحالية هو الخلفية التي تبدو واضحة كعين الشمس، وهي رغبة الحكومة الجامحة في تكريس بنود الورقة الإصلاحية عملياً في التعاطي مع الأزمات مستقبلاً، وأزمة الخبز حالياً ربما تكون واحدة منها..
ثمة سؤال قد تجيب عنه الحكومة مستقبلاً وهو: ماذا ستفعل عند زوال مفعول تخفيض الوزن لدى أصحاب الأفران وارتفاع أسعار المحروقات مجدداً، هل ستقدم على دعم المازوت والطحين؟ وهل ستتمكن من فرض "ريجيم" جديد على ربطة الخبز لتحافظ على رشاقتها المالية؟ وهل سيتحمل المواطن تخفيضاً جديداً أو زيادة جديدة في سعر ربطة الخبز؟
تجددت الأزمة القديمة بين أصحاب الأفران والمخابز من جهة ووزارة الاقتصاد من جهة أخرى على خلفية ارتفاع تكلفة المواد الداخلة في صناعة الرغيف من السكر والمازوت والنايلون وخلافه.
خيار الإضراب كان متقدماً على ما سواه بعد وصول المفاوضات بين وزير الاقتصاد سامي حداد واتحاد الأفران إلى حائط مسدود، لكن الساعات الأخيرة التي سبقت موعد الإضراب المقرر يوم الأربعاء، حملت حلولاً جزئية لأصحاب الأفران فتراجعوا عن الإضراب.
الحل تمثل بتخفيض وزن ربطة الخبز من 1400غرام إلى 1300 غرام، والإبقاء على سعرها، أي 1500 ليرة لبنانية.
قبيل ساعات من التوصل لحلول جزئية بين وزارة الاقتصاد واتحاد الأفران، عاش اللبنانيون القلق من إضراب الأفران، وشهدت عدة مناطق ترجمة لهذا القلق من خلال الإقبال الكثيف على الأفران خوفاً من انقطاع الخبز.
لعل مشهد المواطنين أمام الأفران أعاد إلى أذهان اللبنانيين معاناة الحرب بالتجمع أمام أبواب الأفران على وقع تساقط القذائف! لكن التجمع هذه المرة وفي زمن السلم كاد يذهب بحسنات السلم مع استمرار الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على المواطن، خصوصاً في لقمة عيشه التي دخلت دائرة تخفيض الوزن لإجبار المواطن على "ريجيم" يبدأ من رغيف الخبز الذي لم يعد يشبع المواطن!
أسباب الأزمة لم تعد خافية على أحد، وهي ليست جديدة، وسبق أن تحركت في أوقات سابقة، وهي كما يصفها رئيس اتحاد نقابات الأفران في لبنان كاظم إبراهيم "أزمة قديمة متجددة"، وردّ أسبابها إلى"ارتفاع المواد الأولية التي تدخل في صناعة الرغيف وهي: المحروقات، السكر، النايلون، الخميرة، وصندوق الضمان الاجتماعي و..".
ويتابع إبراهيم: "جرياً على العادة، أي عندما يطرأ أي ارتفاع على المواد المصنّعة للرغيف ويتخطى حدّه المقبول، نلجأ كاتحاد أفران ومخابز إلى وزارة الاقتصاد التي هي بالنسبة الينا المرجع الأول والأخير للوقوف على ما يمكن معالجته، وبقدر ما تكون مطالبنا محقة نحصل عليها بشكل كلي أو جزئي على الأقل، وذلك بهدف الاستمرار في تأمين الرغيف للمواطن".
ويذكر رئيس اتحاد نقابات الأفران بأن "أزمة الرغيف الحالية لم تكن وليدة ساعتها، بل تعود إلى ما يقرب تسعة أشهر تقريباً.. يومها نوقشت مع الوزير مروان حمادة، وكان يومها وزيراً للاقتصاد. غير أن التطورات السياسية التي رافقت البلاد واستقالة حمادة حينها من منصبه نحّت الموضوع برمته جانباً بعدما كان الأخير قد استمهلهم فترة أسبوعين لتقديم الحلول، لكون الحكومة اللبنانية موعودة بدعم مالي من دول التعاون الخليجي. ثم جاء الوزير الحالي سامي حدّاد وتابعنا معه من النقطة التي توصلنا إليها مع حمادة، وبقينا في حوار مستمر معه فترة تجاوزت الشهر تقريباً، وكان يعدنا خيراً ويُعلن أمامنا أننا أصحاب حق وعلينا إنصافكم.. وفي آخر لقاء معه أعلن صراحة أنه سيحرر الرغيف! أي ترك الخيار لنا في تحديد سعر ربطة الخبز، فأجبناه بأن هذا القرار كبير جداً، ومن الصعب تحقيقه في الوقت الحاضر، ولا نعرف إلى أين سيأخذنا! إلا أن الوزير أعلن انه سيعمل وفق قناعته، وأنه سيطرح هذا الأمر على مجلس الوزراء.. بيد أن التطورات السياسية التي رافقت أعمال مجلس الوزراء عقب الزيارة التي قام بها الوفد الرسمي اللبناني إلى الخرطوم وما تلاها من خلافات حادة بين رئيس الجمهورية اميل لحود وقوى الأكثرية النيابية أرجأت الموضوع حتى إشعار آخر".
يتابع إبراهيم روايته مع حداد قبل أن يتراجع هذا الأخير ـ الذي كان صرح أمام وفد من اتحاد نقابات الأفران أنه مصر على المضي في مشروع تحرير الرغيف ـ بالقول: "إن الوزير أسرّ لنا بأنه اذا لم يوافق مجلس الوزراء على طرحه فهو مستعد لأن يقدم استقالته وأن يذهب إلى بيته، لأنه لا يرى مبرراً في أن يدعم من يستقلّون سيارات "الفيراري" و "الشبح" و"الغواصات " ويبنون أبنية فخمة! فقلنا له إن هؤلاء ليسوا كل الشعب اللبناني! إنما الذين يقعون تحت خط الفقر، ماذا عنهم؟ قال: سأتدبر أمرهم عبر إعطائهم "بونات" لابتياع الخبز! قلنا له: وهل تريد من ثلث الشعب اللبناني أن ينتقل يومياً إلى وزارة الاقتصاد للاستحصال على البونات؟! قال بالحرف الواحد: هذا شغلي.. وخرجنا".
ويضيف إبراهيم: "إن مجلس الوزراء لم يكن ليوافق على طرح الوزير، وعندما تمت مراجعته دعانا إلى فعل أي شيء، وتحديداً الإضراب المفتوح، والاعتصام في مبنى الوزارة، وإذا أردتم تحطيمها فافعلوا ما تريدون! أنا لن أعطيكم أي شيء برغم أن مطالبكم محقة!". إلا أن إبراهيم اعتبر أن استخفاف الوزير بدعوة اتحاد الأفران والمخابز للإضراب نابع من سوء تقدير لما آل إليه واقع الأفران في لبنان.
ويشير إبراهيم إلى أن وزارة الاقتصاد لم تكن بوارد حل معضلة الأفران والخسائر التي تتكبدها جراء ارتفاع تكلفة المواد الأولية الداخلة في صناعة الرغيف، بدليل أن وزيرها قد أعلن صراحة لإحدى الوسائل الإعلامية أنه ليس مضطراً في كل مرة أن يلبي متطلبات أي قطاع اقتصادي يطالب بحل لمعضلته، "ساعتئذ لا يعود هناك مسؤولون في البلد وتصبح القضية كباشاً".
ويقدم إبراهيم قراءة سريعة يبين فيها ارتفاع تكلفة الرغيف تبعاً لارتفاع تكلفة السلع الداخلة في صناعته ويقول: "السكر ارتفع من 250 ألف ليرة إلى 915 ألف ليرة للطن الواحد.. النايلون من مليون و500 ألف ليرة إلى مليون و950 ألف ليرة.. المازوت من 7 آلاف ليرة إلى 20 ألف و500 ليرة للصفيحة الواحدة.. فاتورة الضمان من 200 ليرة لطن الطحين الواحد إلى 30 ألف ليرة!..
ويقدم إبراهيم اقتراحاً من المقترحات التي سبق أن طرحها على الوزير ولم يسر فيها قبل الوصول إلى حلول وسطية، وهذا الاقتراح يقوم إما على زيادة سعر ربطة الخبز، أو على تخفيف وزن الربطة التي تقدر اليوم بـ1400غرام، أو دعم مادة المازوت أو دعم الطحين.
بشارة
الأمين العام لاتحاد أصحاب الأفران أنيس بشارة يقول لـ"الانتقاد" إن الحل الذي جرى التوصل إليه مع وزير الاقتصاد وقضى بتخفيض وزن ربطة الخبز إلى 1300 غرام "لا يشكل الحل الأمثل، إنما جاء على قاعدة "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم".. معتبراً أن حق أصحاب الأفران يكمن في رفع سعر ربطة الخبز مئتي ليرة على الأقل، باعتبار أن تكلفة الإنتاج زادت عما كانت عليه في الفترة السابقة نتيجة الارتفاع العالمي الذي طرأ على مادة المحروقات، وما تلاها من ارتفاع في المواد الأخرى الداخلة في صناعة الرغيف لا سيما مادة النايلون، و"لكن نحن في ظل هذه الأوضاع التي تعيشها البلاد آثرنا على أنفسنا وارتضينا بهذا الحل مقدمةً للخروج من الأزمة التي يعيشها هذا القطاع".
ويتابع بشارة: "غير أن هذا الحل مرهون ببقاء سعر مادة المازوت على حاله، أي عشرين ألف ليرة، ملمحاً إلى أن اتحاد نقابات الأفران قد يلجأ إلى الإضراب المفتوح إذا ما ارتفع سعر صفيحة المازوت إلى 25 ألف ليرة!
وقال: "إن اتحاد الأفران لا يهوى الإضرابات.. نحن نريد أن نشتغل وأن نطعم عيالنا، وأن نخرج وطننا من هذه ألازمة".
ويشير بشارة إلى أن "الوزير تراجع تحت ضغط الإقبال الكثيف الذي شهدته المناطق اللبنانية على الأفران، والاتصالات السياسية والروحية التي تحركت في الساعات الأخيرة لتلافي الإضراب وما يمكن أن يتركه من تأثيرات سلبية على الحكومة.
ولفت إلى "أن الوزير لا يملك صورة حقيقة عن الواقع المزري التي تعيشه الأفران في لبنان، وهو يظن أن الأعباء التي تتكبدها الأفران في الضاحية الجنوبية هي غير تلك في المناطق الأخرى!.
حسين عواد
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1162 ـ 19 أيار/مايو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018