ارشيف من : 2005-2008
مجزرة صبرا وشاتيلا في الذكرى 23: محاولات لمحاصرة الذاكرة دولياً واغتيال الشهداء سياسياً
الانتقاد/ محليات- 1128- 23 أيلول/ سبتمبر 2005
بصيغة الخوف من فقدان شيء عزيز سأل الصحافي الإيطالي المشارك في إحياء الذكرى الثالثة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا ستيفانو كاريني "هل سنتمكن العام المقبل من إحياء هذه الذكرى هنا"؟
طبعاً تجاوز كاريني حدود السؤال ليعبر في الحقيقة عما يختلج في صدره ورفاقه الأوروبيين والأميركيين الذين اعتادوا أن يأتوا إلى لبنان لإحياء هذه الذكرى من هواجس.
فالسؤال لم يكن بريئاً بالمعنى الإيجابي، فالسائل صحفي يتابع التطورات والأحداث وما أكثرها في لبنان والمنطقة والعالم. وإن أصيب البعض بالدهشة من هذا السؤال، لكنه في الواقع يستحق التوقف عنده والتساؤل مع كاريني أيضا هل سيأتي يوم وننسى مجازر صبرا وشاتيلا وكل المجازر التي ارتكبها شارون وما زال، وما يمكن أن يرتكبه مستقبلاً!
لعل هذا السؤال الذي أطلقه كاريني هو نتيجة تطورات عدة تزامنت مع ذكرى الإحياء محلياً وإقليمياً، لا بل إن بعض هذه التطورات كان ذا دلالات رمزية أشد وطأة من وقع المجزرة معنوياً وسياسياً، ولا يمكن إلا التوقف عندها مطولاً حتى لا يُغتال شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا مرة أخرى وتحديداً في الوقت الذي كانت الاستعدادات تجري لإحياء ذكرى هؤلاء الشهداء من اللبنانيين والفلسطينيين.
أول هذه التطورات، استضافة الأمم المتحدة لجزار صبرا وشاتيلا أرييل شارون واعتلاؤه منبرها كـ"رجل سلام" وفق توصيف راعيه الرئيس الأميركي جورج بوش, ومسارعة بعض الأنظمة العربية والإسلامية إلى مصافحته وتطبيع العلاقات مع كيانه، وتبييض سجل هذا الرجل الذي أدانه في حينه حتى القضاء الإسرائيلي، وكأن المطلوب أن يكافأ على انسحابه من غزة بمحو الذاكرة المليئة بالمجازر التي ارتكبها، وما يمكن أن يرتكبه لاحقاً!
ثانياً: قبل ثلاثة أيام من 16 أيلول/ سبتمبر، فجأة عاد إلى الساحة المحلية حزب "حراس الأرز" ليعلن معاودة نشاطه السياسي متسلحاً بترسانة من الشعارات القديمة التي فعلت فعلها يوم ارتكاب المجزرة، لا سيما تلك المتعلقة بالفلسطينيين، ودعوة اللبنانيين لقتل الفلسطينيين، و"الاعتزاز" بهذه الدعوات والمشاركة بارتكاب المجزرة على لسان رئيسه إتيان صقر الملقب بأبي أرز والمحكوم بالإعدام غيابياً لتعامله مع العدو الصهيوني.
وهذه العودة لم تكن لتحصل لولا المتغيرات التي شهدتها الساحة اللبنانية، واستشعار هذه المجموعة قابلية دولية لإعادة انتاج هذه الشعارات المقيتة والعنصرية بما يتوافق مع مشروع الهيمنة على المنطقة أميركياً وصهيونياً.
ثالثاً: إقدام السلطات الفرنسية على منع وفد فرنسي كان على أهبة السفر للالتحاق بوفود أخرى أميركية وأوروبية جاءت إلى لبنان للمشاركة في إحياء ذكرى المجزرة.
فالتبرير الفرنسي "لقمع" الوفد ومنعه من التوجه إلى لبنان، وإن ارتدى رداء الهاجس الأمني والتخوف على أعضاء الوفد من اعتداءات غير محددة، فهو لم يقنع أحداً حتى أعضاء الوفد حسب اللجنة المنظمة لفعاليات إحياء ذكرى المجزرة التي استغربت القرار الفرنسي في الوقت الذي جاءت وفود غربية أميركية وأوروبية بشكل طبيعي إلى لبنان، وفي الوقت الذي تتحرك البعثات الفرنسية في لبنان بكل حرية ومن دون حذر.
واعتبرت اللجنة المنظمة أن تذرع السلطات الفرنسية بأسباب أمنية هو تغطية لاستجابة الحكومة الفرنسية لضغط اللوبيات اليهودية، وخاصة ان الوفد الفرنسي كان من أكبر الوفود المشاركة، وهو يضم عدداً من النواب والشخصيات السياسية المهمة.
هذه التطورات المتزامنة شكلت الأرضية التي بنى عليها كاريني ـ وربما الكثير من اللبنانيين والفلسطينيين ـ السؤال حول إمكانية الإحياء في العام المقبل، وخصوصاً أن التعاطي مع إحياء الذكرى هذا العام مؤشر دال على كيفية التعاطي الدولي والإقليمي مع الملف الفلسطيني بكافة تشعباته، حيث ان الاتجاه الدولي يقوم على عدة خطوات أبرزها:
ـ بعد محاصرة قوى المقاومة، تأتي محاولة محو الذاكرة وطمس الحقائق وقلب الصورة بحيث يبدو المجرم بطلاً والعكس.
ـ قمع ومنع الفئات والجماعات الغربية التي تساند الشعب الفلسطيني، وتدين الممارسات الإسرائيلية.
ـ إلهاء الشعوب العربية كافة بتعميم ثقافة الحرية والديمقراطية والانفتاح، وإغراق الشعوب العربية في الحديث الرومانسي عن الإصلاح في المنطقة، وتجاوز المآسي والمجازر كونها من الماضي، فيما المطلوب التطلع إلى المستقبل!
ليس من المبالغة القول إن هذه الأحداث هي مجزرة سياسية جديدة بحق شهداء صبرا وشاتيلا وغيرهم من شهداء المجازر الإسرائيلية وأعوانهم، وهي تتم بمباركة الأمم المتحدة وتوقيع القوى الدولية صاحبة المشاريع المشبوهة وأتباعها من بعض الجماعات سواء في لبنان أو بعض الدول العربية، وكأن التاريخ يعيد نفسه!
مروان عبد الساتر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018