ارشيف من : 2005-2008
أسئلة عن "الثمن" مقابل "نوايا" الدعم: مؤتمر نيويورك... تأجيج السجال الاقتصادي ـ السياسي
الانتقاد/ محليات- 1128- 23 أيلول/ سبتمبر 2005
موجة واسعة من ردود الفعل المحلية واجهت "مناخ" المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في نيويورك الاثنين الماضي تحت عنوان "مساعدة لبنان" بدعوة من الولايات المتحدة.
وطرحت الأوساط المتابعة والقوى السياسية المختلفة العديد من التساؤلات حول الأبعاد السياسية لهذا المؤتمر، وربط المساعدات المفترضة (الديون) بتخلي لبنان عن ثوابته الوطنية وتنفيذ ما تبقى من بنود القرار 1559 خصوصاً نزع سلاح المقاومة، وهو الأمر الذي ظهر جلياً من خلال ما عبرت عنه بصراحة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس وورد في البيان الختامي للمؤتمر.
وطرحت قوى سياسية رئيسية العديد من الهواجس والتساؤلات حول هذا المؤتمر وأثمانه السياسية.
وكان البارز من بينها طلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط توضيحات من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة حول "آفاق المؤتمر" وتذكيره "بأن الرئيس الشهيد رفيق الحريري حمى المقاومة في موازاة مبادرات اقتصادية ضخمة قام بها سواء في مؤتمر باريس واحد أو في مؤتمر باريس اثنين، وهو لم يخضع لأي شروط سياسية في مقابل هذه المؤتمرات الاقتصادية".
كذلك برزت هواجس وتساؤلات عبر عنها كل من حزب الله وحركة أمل والعديد من الأطراف الأخرى.
عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن علق في حديث لـ"الانتقاد" على نتائج المؤتمر بالقول: "نحن نعتقد أنه دائماً هناك علاقة ما موجودة بين البرامج والخطط والمواقف السياسية وبين المواضيع الاقتصادية، خاصة عندما يتعلق الموضوع بالولايات المتحدة الاميركية التي لطالما حجبت المساعدات عن لبنان وعن كثير من دول العالم التي لم تتفق معها في السياسة، لذلك من الطبيعي والبديهي أن يسأل السياسي والمراقب والصحافي والمواطن العادي عن الثمن السياسي الذي يمكن أن تطلبه الولايات المتحدة الاميركية فيما يتعلق بلبنان والمنطقة مقابل هذه المساعدات التي تبدو الولايات المتحدة أنها متحمسة لها، علماً أن هذا المؤتمر الذي عقد في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة هو اعلان نوايا، وقد قال الرئيس فؤاد السنيورة انه ليس هناك أي وعود سوف تنتج عن هذا المؤتمر سوى اعلان نوايا، وعن اتفاق على عقد مؤتمر في بيروت في أواخر هذا العام، وفي المؤتمر نفسه كان هناك كلمات لوزيرة الخارجية الاميركية ووزير الخارجية الفرنسي والأمين العام للأمم المتحدة، الذين لم يخفوا مطالبتهم بتنفيذ القرار 1559، وهناك كلام واضح في "ضمان الأمن والاستقرار"، والمقصود ضمان أمن واستقرار "اسرائيل" طبعاً، وعندما تتحدث كونداليزا رايس وكوفي انان والوزير الفرنسي بهذه الصراحة في هذا المؤتمر، فلا يعود هناك كثير من الضرورة للنقاش حول المغازي السياسية لهذا المؤتمر وقبله وبعده، ولذلك الحديث عن مساعدات اقتصادية والتزامات اميركية وفرنسية من دون مطالب سياسية يكون حديثاً تبسيطياً لا ينبغي النظر اليه بتسرع وبساطة.
وعن موقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي مثل لبنان في المؤتمر والذي قيلت امامه المواقف الاميركية والفرنسية حول القرار 1559 وعما اذا كانت هناك ملاحظات على أدائه ودوره في المؤتمر؟
يقول النائب الحاج حسن: طبعاً، يعني ما بين البيان الوزاري والبيان الصادر عن هذا المؤتمر هناك اسئلة طرحها العديد من السياسيين اللبنانيين، وليس فقط في أوساط محددة حول الالتزامات السياسية ودفتر الشروط السياسي الذي يمكن أن يكون قد طلب من الحكومة اللبنانية في نيويورك، ولذلك نحن منذ الآن نقول انه علينا ان لا نكون تسطيحيين، ونطالب رئيس الحكومة بتوضيح هذه الأمور وهذه المواقف وهذه القضايا.
بالتأكيد قلنا قبل هذا المؤتمر ونقول بعده إن اميركا لا تعطي شيئاً بالمجان، وهي لديها جدول أعمال سياسي، وهي منحازة بالكامل الى "اسرائيل" في المنطقة، وتبنيها للقرار 1559 كان قبل القرار وبعده كمطالب، ومن هنا أهمية الوعي والالتزام بالثوابت الوطنية حتى لا ننزلق في متاهات تريد لنا اميركا أن ننزلق اليها، وحتى لا نجر الوطن الى مطبات جديدة تريد اميركا ان تجرنا اليها.
ويوضح النائب الحاج حسن بأننا لا نعارض مجيء مساعدات الى لبنان، ولسنا نعارض الاصلاح الذي يلتزم جملة من الثوابت السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اطار اصلاح الادارة واصلاح الاقتصاد من دون إضرار بالطبقات الفقيرة، ولسنا نعارض ان يحاول لبنان تنشيط الاقتصاد على الاطلاق، هذا كلام سخيف ومردود، لكن لن يكون احد ساذجاً الى حد أن يصدق وعوداً اميركية كاذبة وفضفاضة، ويسقط في فخ تلبية المطالب الاميركية ليستفيق فيما بعد على أنه لم يحصل لا على المطالب ولا على الاصلاحات وعلى المساعدات، ويكون قد نفذ ما تريده "اسرائيل" واميركا. لذلك نحن لسنا عقبة في وجه المساعدات والاصلاحات التي تكون دون أثمان سياسية اذا استطاع أحد أن يحصل على مساعدات من دون أثمان سياسية.
وتوقف الحاج حسن عند التحضيرات التي سبقت المؤتمر وعدم مناقشته في مجلس الوزراء فقال: "هذا الأمر من مزايا النظام اللبناني القديم الجديد. دائماً كان هناك استفراد في القرار من هنا او هناك، وهذا استمرار لمنهجية ما، نحن كنا دائماً نحذر من نتائجها في السياسة والاقتصاد وغير ذلك".
وتابع: "اما اذا كان المقصود هو التزامات سياسية معينة قد أعطيت أو قد تعطى في يوم من الأيام، فهذا أمر يجب النظر اليه ومناقشته بروية وبهدوء من دون تسرع حتى نرى النتائج. نحن نسأل الآن ولا نتهم، ومن حقنا أن نسأل ونشدد على اسئلتنا من أجل مصلحة البلد، وليس من اجل مصلحة فئة، والمصلحة تستدعي هذه الأسئلة عن الأثمان السياسية ودفتر الشروط السياسي الذي لم تخفه رايس وأنان ووزير الخارجية الفرنسي دوست بلازي".
وختم الحاج حسن كلما تمسكنا بعناصر الوحدة الوطنية والحوار والالتزام بالثوابت الوطنية لن تستطيع الولايات المتحدة ان تفعل شيئاً.
من جانبه عضو كتلة المقاومة والتنمية النائب علي حسن خليل اعتبر "ان المؤتمر لم يتعدّ مسألة اعلان نوايا حول مساعدة لبنان، واذا كانت بشكلها المجرد البعيد عن الغايات السياسية والتوظيف السياسي فهذا أمر نرحب به، لكن المهم هو مدى تنفيذ مثل هكذا تعهدات التي تكررت أكثر من مرة ولم تترجم فعلياً على أرض الواقع. وعن الخلط الذي حصل بين السياسي والاقتصادي من قبل المشاركين في المؤتمر وخصوصاً تشديد الاميركيين والفرنسيين على تطبيق ما تبقى من فقرات القرار 1559، قال النائب خليل في حديث لـ"لانتقاد": اللبنانيون أكدوا من خلال البيان الوزاري وعلى أكثر من مستوى تمسكهم بالثوابت الوطنية وعدم انجرارهم وراء ما يرسم في الخارج لجهة تطبيق قرارات ستؤدي بالتأكيد الى انقسام داخلي لبناني، والى الاضرار بموقف وموقع وقوة لبنان.
أضاف: اليوم بقدر ما يكون هناك تلاق مع المصلحة الوطنية المرسومة من قبلنا كلبنانيين لا مانع، لكن لا شك أن هناك بعض الخلفيات السياسية، انما مستوى الوعي والتقدير عند اللبنانيين اصبح في مرحلة يستطيع معها ان يميز بين ما هو مصلحة للبنان وما هو اضعاف لقوة هذا البلد.
وحول الموقف الذي كان اطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري وربط فيه أهمية الاستثمارات وتوفير الأمن في البلد، وانهما متلازمان، قال النائب خليل: موقفنا واضح، وعلى الحكومة مسؤوليات أساسية، هناك اولويات يجب التركيز عليها قبل التوجه للخارج، هي مسألة بناء الثقة بالاستقرار الداخلي والاستقرار الأمني، بالأخص هذا الأمر يجب أن يكون هناك تركيز عليه. مضيفاً أن بيان الرئيس بري هو بمثابة حث للحكومة للقيام بواجباتها من دون اي خلفيات سياسية، هذا جزء اساسي من صلب عملنا وعمل رئيس المجلس كرئيس لكتلة سياسية ونيابية.
وعما اذا كان هناك تهميش لدور مجلس النواب بشأن التحضيرات للمؤتمر الاقتصادي قال ان هذا الأمر بالنسبة الينا ليس مشكلة، لكن من حق الحكومة أن تقوم بما هو مطلوب منها، ولكن من حق المجلس النيابي ان يراقب ويتابع، وأن يسجل موقفاً عندما يرى حاجة لذلك، وهو ما تم.
وأكد النائب خليل، ان مجلس النواب عند التزاماته، والرئيس بري كما التزم بعقد جلسات تشريعية ورقابية سيقوم بهذا الأمر، وأتوقع في وقت قريب أن يكون هناك جلسة لمناقشة الحكومة في أكثر من موضوع (يتوقع عقد جلسة أسئلة للحكومة يوم الثلاثاء المقبل).
أحد الخبراء الاقتصاديين وفي معرض تقويمه لمؤتمر نيويورك يعتبر أنه لا يوجد شيء اسمه مساعدات، انما ما قد يحصل عليه لبنان هو دين إضافي على الدين الموجود. وقال ان المساعدات التي قد يحصل عليها لبنان في المؤتمر المقبل ستكون أيضاً ديوناً على لبنان كما حصل غداة مؤتمر باريس ـ 2. يجب ان لا نفهم كلمة مساعدة بشكل خاطئ، المساعدة هي دين، وهي ديون جديدة تعطى للبنان لكي يمول برامجه الاصلاحية. وتمنى الخبير الاقتصادي لو أن لبنان طلب اعفاءه من الديون التي اعطيت له في مؤتمر باريس 2 البالغة اربعة مليارات ونصف المليار بفائدة خمسة بالمئة، مضيفاً أن طلب الحكومة شطب ديون باريس 2 مسألة أساسية شرط ان تترافق مع اصلاحات جدية تتناول اعادة النظر بالسياسة الضريبية والانفاق العام وسياسة الادارات الرسمية ومسألة سلوك وممارسة المحاصصة في الحكم وتوزيع المنافع وايرادات الخزينة. وقال ان حصول لبنان على ديون اضافية سيصاعد من وتيرة الدين العام ما سيشكل خطراً كبيراً على الوضع الاقتصادي برمته.
على أي حال فإنه من المتوقع أن تستمر ردود الفعل على مؤتمر نيويورك الاقتصادي التمهيدي في الأيام والأسابيع المقبلة من قبل العديد من الأطراف، نظراً الى الغموض الذي يكتنفه على أكثر من صعيد في الوسائل والغايات.
هلال السلمان
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018