ارشيف من : 2005-2008
الحملة الإسرائيلية على اليونيفيل:مزيد من الضغوط على لبنان لتنفيذ المطلب الإسرائيلي المدوَّل
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1127 ـ 16 أيلول / سبتمبر 2005
كشفت صحيفة "هآرتس" (11/9/2005) عن مساعٍ إسرائيلية لتقليص حجم قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، والحجة التي تتوسّلها "إسرائيل" في سبيل ذلك هي أن مساهمة "اليونيفيل" في الأمن والاستقرار معدومة، وهي تتعاون مع حزب الله. وحسب الصحيفة التي نقلت عن مصدر أسمته بالسياسي، فإن "الدبلوماسية الإسرائيلية تستند في مساعيها مع الولايات المتحدة وفرنسا في أن قوات الطوارئ تجري محادثات مع حزب الله، وان في العديد من المناطق على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية هناك مواقع وأبراج مراقبة لحزب الله قريبة من مواقع القوة الدولية".
وتضيف الصحيفة (ودوما نقلا عن المصدر السياسي)، أن " انتشار القوة الدولية يشكل ذريعة للحكومة اللبنانية لعدم نشر قواتها على الحدود"، وان "القوات الدولية تساوي بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله الذي هو منظمة إرهابية، لدى تعرض تقاريرها لخروقات وقف إطلاق النار بين الجانبين".. وتنقل عن نفس المصدر أن الانتهاكات الإسرائيلية هي في الأساس طلعات جوية "محدودة وغير جوهرية".
ما أوردته صحيفة هآرتس، إضافة إلى استحضار المساعي الإسرائيلية المتواصلة في الحرب الإسرائيلية غير العسكرية في وجه المقاومة، يستوجب إيراد جملة من الملاحظات:
- لا يمكن فصل المساعي الإسرائيلية المشار اليها عن القرارات "الدولية" المرتبطة بالمقاومة وسلاحها، بل هي (المساعي) جزء من الأساليب التي تحاول أن تساهم في إيجاد ظروف وأجواء تشكل أرضية لدفع الأوضاع باتجاه تحقيق الأهداف السياسية لهذه القرارات. ومن البديهي مباشرة قراءة هذه المطالب (بما يتعلق بقوات الطوارئ العاملة في لبنان)، بأنها جزء من النشاط الذي تقوم به الدبلوماسية الإسرائيلية على صعيد القرارين 1559 و1614 باتجاه استكمال ظروف إنجاحهما. لكن مع إدراك أن الولايات المتحدة قد طلبت من "إسرائيل" رسميا، وعبر سفيرها في تل أبيب دان كارتسر، بالابتعاد عن الواجهة والتزام الصمت، يمكن الجزم بأن ما نقلته صحيفة "هآرتس" بهذا الخصوص، ليس سوى تمظهر إعلامي بسيط من فيضٍ النشاط الإسرائيلي المكتوم إعلاميا بمجمله.
- على الرغم من أن الخطوة المتقدمة (إسرائيليا) التي أُحرزت بإصدار القرار 1614 خلال التمديد الأخير لمهمة قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، كونه تضمن دعوة إلى نشر الجيش اللبناني على طول الخط الأزرق ومنع المقاومة من التصدي لأي اعتداء إسرائيلي أو متابعة تحرير مزارع شبعا، إلا أن "إسرائيل" لم تعد ترضى بإصدار القرارات وتريد خطوات عملية باتجاه تنفيذها، بما يتماشى مع التفسير والمطلب الإسرائيليين لخطوة نشر الجيش اللبناني على الحدود، بأن يكون ظهره إلى العدو ووجهه إلى المقاومة، وهو ما نشرته صحيفة هآرتس أيضا عن نفس المصدر السياسي المذكور، حيث اعتبر "أن القرار 1614 يمثل تطوراً إيجابياً جداً"، لكن "إسرائيل" "لم تعد تكتفي بذلك، بل تريد تغييرا يُلمس ميدانيا، وليس فقط عبر إصدار قرارات مجلس الأمن".
- بروز المسعى الإسرائيلي الرافض لمساواة الخروقات الإسرائيلية اليومية بردود المقاومة عليها، حيث اعتبر ممثلو "الدبلوماسية" الإسرائيلية الذين اتصلوا بكل من فرنسا والولايات المتحدة أن "هذه الخروقات محدودة وليست جوهرية". وكأن مفهوم السيادة اللبنانية غير معني بالخروقات الإسرائيلية، باعتبارها سيادة لبنانية "منقوصة"، وعليه نفهم من منطوق التبرير انه لو لم يكن هناك مقاومة متحفزة للتصدي لأي خروقات برية، لكان الإسرائيلي قد اقدم على هذا النوع من الخروقات تحت حجة "انها محدودة وليست جوهرية"، كون قواته لم تدخل سوى إلى هذه القرية او تلك.
السؤال الأهم الذي يرد كانعكاس تلقائي ابتدائي للخبر، هو في أي سياق يمكن فهم المسعى الإسرائيلي بتقليص القوات الدولية، والحديث عن أن انتشار هذه القوات على الحدود يشكل مبررا للحكومة اللبنانية بعدم نشر جيشها في الجنوب؟
ابتداءً، ومنعاً لحضور أية أوهام، فإن هذه المطالبة غير ذات صلة بأي مخطط عدواني واسع على لبنان، لأن التجربة أثبتت مرارا وتكرارا أن وجود أو عدم وجود هذه القوات سيان عندما تقرر "إسرائيل" شن عدوانها، والشواهد على ذلك اكثر من أن تذكر (..اجتياح 1982، عدوان تموز 1993، عدوان نيسان 1996 والكثير من الاعتداءات الأخرى..)، وبالتالي فإن أي محاولة للربط بهذا الاتجاه، ليست سوى تهويل نفسي يفتقد إلى أي أساس واقعي.
بناءً عليه، ينبغي النظر إلى المسألة كحالة منفصلة عن سياقات التحضير لعدوان إسرائيلي، في حال وجوده أساسا، وتدخل في إطار الدفع باتجاه تطبيق قراري مجلس الأمن المشار إليهما، علماً أن الضابطة الأساسية والوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها لردع العدو أو الحد من اعتداءاته، تبقى وحدها للمقاومة ولفاعليتها.
والأولى أن ينظر إلى المساعي الإسرائيلية من وراء هذه المطالب كجزء من مسار يُراد منه المزيد من الحشر، والضغط على الحكومة اللبنانية باتجاه تنفيذ المطلب الإسرائيلي المدوَّل، والمتمثل بوقوف الجيش اللبناني بين المقاومة وقواته (العدو)، فضلاً عن مساعيها ومحاولاتها (العقيمة) لتأمين الشروط والظروف لتنفيذ البنود المتعلقة بالمقاومة في القرار 1559.
علي حيدر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018