ارشيف من : 2005-2008

معاودة النشاط السياسي في نظارات التوقيف :طروحات "حراس الارز" تؤجج مخاوف اللبنانيين من التطرف

معاودة النشاط السياسي في نظارات التوقيف :طروحات "حراس الارز" تؤجج مخاوف اللبنانيين من التطرف

الانتقاد/ تعليقات ـ العدد 1127 ـ 16 أيلول / سبتمبر 2005‏

"لبنان ليس جزءاً من العالم العربي" ... "لم تأت العروبة على لبنان إلا بالضرر"، "العروبة فكرة متخلفة لم تجلب الى لبنان سوى الكوارث"..."السوري أسوأ من الاسرائيلي"... "على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً"..."لن يبقى فلسطيني على ارض لبنان"... "ان إلغاء اتفاق 17 ايار هو غلطة العمر" ...لا خلاص للبنان إلا بالعودة إلى ذاتنا اللبنانية"... هذه عينة من الأفكار والبرامج أعاد طرحها حزب "حراس الأرز" أو ما يسمى الحركة القومية اللبنانية في مؤتمر صحافي عقدته "هيئته القيادية" بعد خلوة للمناصرين تمهيداً لمعاودة نشاطه السياسي، بعد زوال "القسرية" التي غيبته عن الساحة اللبنانية طوال خمسة عشر عاماً نتيجة "الاحتلال السوري" كما جاء في المؤتمر!‏

عودة "حراس الأرز" إلى العمل في الساحة المسيحية بأفكاره وطروحاته المتطرفة القائمة على العنصرية والتمييز ومعاداة العروبة والتنكر لهوية لبنان، أعادت إلى ذاكرة اللبنانيين ذكريات أليمة، وخصوصاً أن إعلان قيام هذا الحزب عام 1975 ارتبط ببداية الحرب الأهلية المشؤومة، وثمة من يتخوف من أن تكون معاودة النشاط السياسي لهذا الحزب وبأفكاره وطروحاته إياها التي لم تتغير بعد ثلاثين عاماً مؤشراً على إمكانية عودة هذه الحرب أو على الأقل الأفكار والطروحات الحاضنة لإمكانية اندلاعها من جديد، خصوصاً في ظل الانقسام الحالي والاحتقان الطائفي واختلاف الرؤى حول القضايا الرئيسية المتعلقة بهوية لبنان وعروبته ودوره ووظيفته وموقعه في الصراع مع العدو.‏

وثمة من يجادل بأن هذه العودة وبهذه الطريقة، إنما هي العودة إلى البداية، لا سيما أن التوقيت السياسي لمعاودة النشاط لا يمكن عزله عن التطورات السياسية التي شهدتها الساحة اللبنانية خلال العام الحالي والأشهر القليلة من العام الذي سبقه، وتحديداً منذ صدور القرار الدولي 1559 ثم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان، وما أعقبه من تطورات.‏

والتنظيم المذكور ليس إلا حفنة من الأفراد، زعيمهم اتيان صقر المكنى بـ"أبي أرز" محكوم عليه بعدة أحكام غيابية متنوعة في سنوات مختلفة بجرائم التعامل مع العدو الصهيوني وعملائه، وقادتهم حبيب يونس أحد أعضاء الهيئة القيادية التي وقعت على البيان الذي تُلي في المؤتمر الصحافي، حوكم بجرم التعامل مع العدو، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات خففت إلى خمسة عشر شهراً، وجوزيف الخوري طوق بُرئ من تهمة التعامل للشك وعدم كفاية الدليل. وعلى الرغم من ذلك إلا أن أفكارهم وطروحاتهم وبرامجهم كانت محل إدانة في الماضي والحاضر، إلا أن ما يجدر التوقف عنده هو الحاضنة التي أنتجت هذه الأفكار والأجواء التي شجعت على انتعاشها لا سيما في هذه المرحلة، وفي هذا المجال لا بد من التوقف عند بعض الأحداث التي أشارت إلى نمو هذه النزعة، وسبق لـ"الانتقاد" أن أشارت إليها في تحقيقات سابقة في أعداد عدة منها:‏

ـ أجواء العداء للعروبة في ذروة احتدام التظاهرات المتلاحقة ضد سوريا، والمزج المتعمد بين سوريا والعروبة.‏

ـ التشكيك بهوية لبنان وانتمائه العربي في الكواليس والمجالس الخاصة والتركيز على الهوية اللبنانية، واعتماد تعريف غامض للهوية اللبنانية باعتبار لبنان ذا وجهين، الأول عربي والآخر يطل على البحر!‏

ـ التحريض على سوريا، إذ أخذ أشكالاً متعددة بدءاً من التحريض على الوجود السوري في لبنان، ثم انتقل إلى "اللهجة" السورية، والتعليق عليها في لافتات تظاهرة 14 آذار، وانجرار معظم الخطباء في تلك التظاهرة إلى تأجيج هذه المشاعر التي سرعان ما تحولت استهدافاً للعمال السوريين في العديد من المناطق، واستهدافاً لكل ما هو "غريب".‏

ـ مساهمة العديد من وسائل الإعلام والفضائيات الغارقة في اللبنانية في التحريض وتأجيج المشاعر الطائفية و"القوموية" اللبنانية، والتركيز" على "النوعية" و"النخبوية" لدى فئات معينة، ونزعها عن فئات "خالفت" الاجماع الوطني حسب تعبيرهم.‏

ـ التعبير أكثر من مرة وعلى لسان أقطاب سياسيين وروحيين عن رغبة قوية بالاستفادة من الأجواء والضغوط الدولية لتحقيق "السيادة والحرية والاستقلال" بما يتوافق ومفهوم الانعزال عن المحيط العربي، وغض الطرف عن التعامل "مع الجار" على الحدود الجنوبية!‏

وثمة وقائع أخرى يمكن التوقف عندها في ما يتعلق بملف العملاء، وجعل جريمة التعامل مع العدو الصهيوني وكأنها "جنحة" يمكن التغاضي عنها، لا بل يمكن لمرتكبيها إذا ما تغيرت الظروف والمعادلات أن يفتخروا بها، وهذا ما ظهر بشكل واضح في المؤتمر الصحافي لحراس الأرز، ومن هذه الوقائع:‏

ـ المحاكمات للمتعاملين مع العدو التي اتسمت بالتساهل، واعتماد الأحكام المخففة إلى أقصى الحدود.‏

ـ الحملات السياسية المتعددة للدفاع عن العملاء، وتحميل مسؤولية عمالتهم لإهمال الدولة، وتبرير هذه الظروف.‏

ـ المطالبة بالعفو عن العملاء الفارين مع الاحتلال إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، واعتبارهم "أهلنا اللاجئين هناك"، والواجب يفرض علينا إعادتهم من دون محاكمة أو مساءلة، وربما يأتي يوم يطالب البعض بالعفو عن انطوان لحد عبر مرسوم خاص!‏

ـ تبني البعض القرار 1559 جهاراً، والمطالبة بتنفيذه، واعتبار سلاح المقاومة سلاحاً لفئة معينة، وإدخاله في الحسابات الداخلية!‏

هذا فضلاً عن العوامل الدولية وتغيير المعدلات والتوازنات الداخلية التي وفرت لهذه الطروحات أرضية خصبة للنمو والقدرة لرفع الصوت والمطالبة بها، وبحضور وسائل الإعلام، على الرغم من أنها تخالف القانون وتخضع للمساءلة القانونية كونها تتعارض مع ميثاق الوفاق الوطني "اتفاق الطائف"، والمواثيق الانسانية، وتعرض علاقات لبنان مع أشقائه إلى الخطر، وتحرض على الإرهاب والقتل.‏

وقد أحسن القضاء اللبناني بالمبادرة إلى وضع الملف بعهدته من خلال توقيف موقّعي البيان حبيب يونس وجوزيف الخوري طوق والمحامي ناجي عودة بعد التحقيق معهم، وتوسيع التحقيق ليشمل آخرين من حملة المبادئ نفسها، والادعاء عليهم بإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، والحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة، وتعريض لبنان لخطر أعمال عدائية ما لم تظهر في التحقيق أية معطيات أخرى وجديدة عن استمرار تواصل هذا الفريق الحزبي في الاتصال بالعدو الإسرائيلي، وهو يعني إحالتهم إلى القضاء العسكري.‏

يبقى أن معالجة هذه الأفكار بعهدة ومسؤولية العقلاء من السياسيين الذين لا بد لهم من وقفة مراجعة لكل الأداء السياسي الذي شهدته المرحلة الماضية، وشكل أرضية خصبة لنمو مثل هذا الأفكار التي جعلت لبنان في يوم من الأيام يدفع ثمناً غالياً، وربما ما زال يدفعه!‏

سعد حميه‏

2006-10-30