ارشيف من : 2005-2008
عوامل عجلت "التوحيد" وسقوط رهانات فرضتها التغييرات:"التسوية" بين "القيادة" و"القاعدة" تعيد انتاج الكتائب
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1127 ـ 16 أيلول /سبتمبر 2005
شهدت الساحة المسيحية الأسبوع الماضي حدثاً لافتاً لا يمكن فصله عن ما تشهده هذه الساحة من متغيرات على الساحة اللبنانية، بدءاً من عودة رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون إلى بيروت من منفاه الباريسي، وصولاً إلى إطلاق سراح زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع. وتمثل هذا الحدث بالوصول إلى تسوية سياسية بين حزب الكتائب الذي يترأسه كريم بقرادوني، والقاعدة الكتائبية التي يترأسها الرئيس أمين الجميل الذي وطئت قدماه لأول مرة منذ العام 1992 المقر المركزي للكتائب في الصيفي، واجتمع بالهيئة السياسية للحزب التي سبق أن شكّلها المكتب السياسي للحزب عقب المبادرة التي أطلقها بقرادوني في 16 آب/ أغسطس الماضي لتوحيد الحزب، وبالتالي إعادة تثبيت قوة ثالثة لها طموحاتها المستقبلية وتأثيرها على الساحتين المسيحية واللبنانية.
ومن نافل القول ان ثمة معطيات أوجبت على الطرفين الأخذ بها قبل أن يضعا المدماك الأول في معركة توحيد الحزب الذي تتنازعه الانقسامات، التي انتجت ضعفاً على الساحة المسيحية شعبياً وسياسياً، وظهرت بشكل واضح في الانتخابات النيابية، وعوضها بعض التحالفات مع القوى السياسية على الساحة المحلية.
ومن الواضح أن القيادة الحالية استشعرت مدى خطورة هذا الانقسام في ظل المتغيرات المذكورة، والتسرب الكتائبي الذي بدأ باتجاه التيارات الأخرى المنتعشة في هذه المرحلة، والتي تحاول استقطاب الشارع، خصوصاً في هذه المرحلة حيث بدأ الاستحقاق الرئاسي يشكل أحد عناوين الاستقطاب.
وما سرّع باتجاه عقد المصالحة بين القيادة الكتائبية و"القاعدة الكتائبية" على حد قول المصادر أن بقرادوني وجد أن الرهان على الرئيس اميل لحود في ظل الحملة الأخيرة عليه بات غير مجدٍ سياسياً، وأنه بات بحاجة إلى خيار سياسي جديد يتمثّل بفتح كوة في جدار المصالحة مع الطرف الكتائبي الآخر.
هذه المراجعة السياسية لبقرادوني أُضيف إليها ـ على حد قول المصادر ـ عامل آخر تمثل بوجود خوف مشترك لدى بقرادوني والجميل بشأن جعجع وعون، إذ أن الجميل وجد نفسه مهمشاً مسيحياً، وهذا ما بينّته الانتخابات النيابية الأخيرة، إذ لم يكن بمقدور الأخير الإتيان بنجله بيار نائباً ووزيراً لولا القيام بعملية استرضاء كبيرة وتنازلات للحلفاء السياسيين في جبل لبنان، وكذا الحال بالنسبة إلى بقرادوني الذي هو مدين اليوم إلى حزب الله كونه أتى بالنائب نادر سكر على لائحته.
وإذا كان البعض من الكتائبيين يجدون في التسوية الثنائية محاولة لإعادة الاعتبار إلى الكتائب، وبداية لجعلها قوة ثالثة على الساحة المسيحية، فإن هناك أيضاً من يعتبر أن المصالحة منقوصة وغير واضحة المعالم وغير مفهومة الأبعاد، وبالتالي هي جاءت بمثابة انقلاب على ثوابت الحزب.
ويقول رئيس حزب الكتائب السابق منير الحاج لـ"الانتقاد" ـ يصنّف في دائرة المعارضين للمصالحة ـ "ما يحصل اليوم ليس توحيد الحزب، بل صفقة منفردة حتّمتها ظروف هاتين الشخصيتين، فبقرادوني محشور في الزاوية مسيحياً وكتائبياً، وبالتالي هو يريد أن يحفظ ماء وجهة من خلال القول انه يريد توحيد الحزب لأجل تعويمه من جديد، أما أمين الجميل فهمّه أن يضع اليد على الكتائب، ضارباً بعرض الحائط كل الأطراف الأخرى، لأن ليس من مصلحته أن يضم إلى صفوفه ما يسمى اليوم بالمعارضة الكتائبية لئلا يشاركونه في القرار السياسي".
على أي حال البعض يعتبر أن لجوء بقرادوني إلى مبادرة التوحيد إنما ينطوي على مناورة سياسية الهدف منها تجاوز الأزمة القضائية التي وضعت فيها الكتائب، والإيحاء بأنه لا يقف عقبة أمام توحيد الكتائب، وربما هذا ما دفع بقرادوني إلى المسارعة بمد اليد باتجاه الجميل الذي سارع هو الآخر إلى اقتناص الفرصة ونزوله إلى المقر الصيفي والاجتماع مع أعضاء هيئة المكتب السياسي.
ويضع نائب الرئيس الأول لحزب الكتائب رشاد سلامة الكلام الآنف ذكره في خانة الاستنتاجات السياسية الخاطئة، وكمحاولة لتشويه المبادرة التي اصطدمت في المرات السابقة ببعض الأنانيات، ويقول إنه نتيجة للمراجعات التي أجرتها كل من القيادة الحالية و"القاعدة الكتائبية" كان أمامنا أحد خيارين: إما البقاء على التشرذم، وإما أن نتوحد.
أما الفرضية التي تقول إن بقرادوني مهمش كتائبياً، والجميل مسيحياً، فليست إلا ضرباً من ضروب الخيال على حد قول سلامة "ذلك أن بقرادوني بمقدوره أن يضمن مجدداً إعادة انتخابه على رأس الحزب، والرئيس الجميل لم يجد نفسه يوماً ضعيفاً مسيحياً نظراً لشبكة العلاقات التي يقيمها مع مختلف القوى المسيحية والإسلامية".
ويتابع سلامة "أما الحديث عن أن التفاهم بين القيادتين هو "ضربة المعلم" كما تشير بعض التحليلات بهدف قطع الطريق أمام جعجع الذي عينه على الحزب، يبقى هو الآخر مجرد ادعاء كاذب لا صحة له "لأن الأخير منشغل اليوم بتنظيم حزبه، وبالتالي ليس لدينا أي هاجس تجاهه كما يدعي البعض. ما نستطيع قوله هو أننا أردنا أن نقدّم للساحة المسيحية خياراً ثالثاً يتميّز بالاعتدال والانفتاح".
ويؤكد سلامة في معرض نفيه استثناء بعض الأطراف المعارضة من المصالحة بـ "أن الدعوة وجهت إلى الجميع، إلا أن الفرق بين هذا الفريق وفريق الجميل، هو أن الأخير كانت لديه السرعة والشجاعة لقبول المبادرة، فيما هؤلاء كانوا مترددين، ولم يقرأوا الدعوة جيداً".
والسؤال المحوري الذي يجري الحديث عنه الآن، هو أي خطاب ودور سياسي ستعتمده "الكتائب" في المرحلة المقبلة، فيُطمئن سلامة بأن "الكتائب لن تعتمد الخطاب الفئوي الذي اشترطه علينا البعض من أجل الدخول في المصالحة، بل نحن بصدد وضع وثيقة سياسية تحافظ أولا على الثوابت العقائدية للحزب، واتخاذ الموقف من كل ما هو مطروح على الساحة الداخلية لا سيما فيما يتعلق بالقرار الدولي 1559 والاستحقاق الرئاسي والمقاومة ودورها، فضلاً عن تحديد رؤية مستقبلية لعمل هذا الحزب".
حسين عواد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018