ارشيف من : 2005-2008

المؤتمر الاقتصادي لدعم لبنان في نيويورك:مدخل جديد للضغط عبر الاقتصاد

المؤتمر الاقتصادي لدعم لبنان في نيويورك:مدخل جديد للضغط عبر الاقتصاد

الانتقاد/ مقالات ـ العدد1127 ـ 16 أيلول / سبتمبر 2005‏

ينعقد في نيويورك يوم الاثنين المقبل مؤتمر اقتصادي يهدف الى "دعم لبنان" بدعوة من الولايات المتحدة الاميركية، وتشارك فيه اضافة الى بريطانيا وفرنسا وروسيا، ثلاث دول عربية هي مصر والسعودية والكويت، بمشاركة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات الدولية.‏

وينعقد هذا المؤتمر على مستوى وزراء الخارجية، ويشارك فيه عن الجانب اللبناني رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي يغادر الى نيويورك اليوم على رأس وفد يضم وزير المال جهاد أزعور ووزير الاقتصاد سامي حداد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وينضم الى الوفد هناك وزير الخارجية فوزي صلوخ الموجود ضمن الوفد الذي ترأسه رئيس الجمهورية العماد إميل لحود للمشاركة في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة.‏

بعض الأوساط السياسية والاقتصادية طرح العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول توقيت المؤتمر، والأهداف التي يصبو اليها، والنتائج التي يمكن أن يخرج بها، وطريقة الإعلان عن عقده، ومسألة التحضير له، وغيرها من الأسئلة التي تحتاج الى إجابات في الأيام والأسابيع المقبلة.‏

وتلفت الأوساط المتابعة الى نقاط عدة:‏

أولاً: ان الإعلان عن عقد هذا المؤتمر جاء مفاجئاً، وهو تم على عجل من قبل واشنطن التي لم تنسق في خطوطه العريضة مع لبنان. وفي هذا السياق علمت "الانتقاد" من مصادر متابعة أن طريقة الدعوة اليه كانت عبر اتصال هاتفي أجرته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بوزير الخارجية فوزي صلوخ بعد وصوله الى نيويورك ضمن الوفد الرئاسي اللبناني، فاتصل الأخير برئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووضعه في أجواء الاتصال الذي تلقاه من رايس. وعلى هذا الأساس بدأت التحضيرات العاجلة من قبل الجانب اللبناني لهذا المؤتمر.‏

ثانياً: تشير الأوساط الى أن لبنان لم يكن قد تحضر لمثل هذا المؤتمر ولم يعدّ ورقة اقتصادية لوضعها على الطاولة في نيويورك يناقش على أساسها المساعدات المطلوبة من المجتمع الدولي. وفي هذا الإطار فإن مجلس الوزراء ـ وهو المؤسسة الدستورية المعنية بمناقشة هذه الورقة ـ لم يناقش بل لم يتطرق الى هذا الموضوع من أساسه، وهو لم يتبلغ مسألة عقده أصلاً.. وهذه مسألة سيكون لها تداعيات من حيث المواقف لدى العديد من القوى السياسية. وترى هذه الأوساط أنه ليس كافياً الإعلان عن أن الورقة الاقتصادية اللبنانية هي ما ورد في البيان الوزاري، لأن ما ورد في البيان ليس سوى خطوط عامّة وعريضة.‏

ثالثاً: من الملاحظات التي توردها الأوساط، أن الدعوة الى هذا المؤتمر الاقتصادي جاءت بعدما فشلت الحملة الكبيرة، الداخلية والخارجية، لثني رئيس الجمهورية العماد إميل لحود عن السفر الى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة، وأن هذه الدعوة وُجهت الى الرئيس السنيورة للتوجه الى نيويورك بعدما كان حسم أمره بعدم الذهاب الى هناك في عداد الوفد الذي يرأسه رئيس الجمهورية! أي إن الدعوة جاءت تعويضاً عن عدم ذهاب السنيورة مع الرئيس لحود، وقد لمّح رئيس الحكومة الى هذه الناحية في حديث صحافي. كما تجدر الإشارة هنا الى ان الولايات المتحدة حددت موعد عقد المؤتمر في الوقت نفسه الذي سيكون رئيس الجمهورية يلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.‏

رابعاً: تتخوف الأوساط إياها من الأبعاد السياسية لهذا المؤتمر، ومحاولة الولايات المتحدة ربط أي مساعدات مالية أو اقتصادية من المجتمع الدولي ببرنامج ضغوطها على لبنان المستمرة منذ سنوات، وهي تهدف الى دفعه للتخلي عن ثوابته الوطنية، خصوصاً خيار المقاومة ضد الاحتلال عبر القرار 1559. ومن هنا تلفت الأوساط الى مشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في هذا المؤتمر الاقتصادي، مشيرة الى أن الدول المشاركة في المؤتمر كان قد جال عليها المنسق الدولي المكلف تطبيق القرار 1559 تيري رود لارسن، ما يرجّح شبهة الأبعاد السياسية.‏

هذا البعد السياسي أكد وجوده الناطق باسم الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتيي، الذي أعلن أن المؤتمر الدولي لدعم لبنان في نيويورك لن يقتصر النقاش فيه على البعد الاقتصادي. وعندما سُئل عن ربط المساعدات الاقتصادية بتطبيق القرار 1559، كرر القول إن فرنسا تؤيد التطبيق الكامل لكل القرارات الدولية. مشيراً الى أن "هذا الشرط لا يزال سارياً"، أي شرط ربط المساعدات بتطبيق هذه القرارات.‏

وتستبعد المصادر حصول لبنان على أي مساعدات مالية أو اقتصادية اذا لم يستجب للمطالب الأميركية والفرنسية بالتخلي عن عناصر القوة التي يمتلكها. وتذكّر المصادر بمؤتمر أصدقاء لبنان الذي عقد في واشنطن، والذي انتهى الى سراب بعدما رفض لبنان الرضوخ للمطالب الأميركية حينها.‏

وتتخوف المصادر من أن تكون الولايات المتحدة تحاول مرة جديدة الدخول في ضغوطها على لبنان عبر نافذة الوضع الاقتصادي المتداعي منذ سنوات، فتقوم برمي وعود معسولة في مؤتمر نيويورك للبنان بشأن مساعدته اقتصادياً ومالياً، إنما مع وقف التنفيذ، بانتظار أن يرضخ لبنان للمطالب الأميركية. وهنا تتوقع المصادر موقفاً سياسياً واضحاً في نيويورك برفض لبنان أي محاولة لربط تلقيه مساعدات مالية واقتصادية بتخليه عن ثوابته الوطنية.. لكن التوقعات تشير الى أن الحملة الأميركية ستستمر في هذا الاتجاه في المرحلة المقبلة عبر بعض الأبواق الداخلية.‏

هلال السلمان‏

2006-10-30