ارشيف من : 2005-2008
عوامل عدة أملت تأجيل فتحها:معركة الرئاسة رهينة الوقت ورفض الأطراف المعنية
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1126 ـ 9 أيلول / سبتمبر 2005
عاد الهدوء ليسيطر على ملف الرئاسة الأولى بعد أن وصلت حمى التراشق الى ذروتها بعد الإعلان عن إعتقال القادة الأمنيين الأربعة بشبهة التورط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ساد انطباع أن ساعة الصفر قد حانت للانقضاض على رئيس الجمهورية خصوصاً بعد المواقف التي أطلقها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط لدى وصوله إلى باريس، ولكن سرعان ما تبدد هذا الانطباع بمواقف أطلقها أيضاً جنبلاط بعد لقائه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في حارة حريك.
ليست المرة الأولى التي يتم فيها فتح معركة الرئاسة، كما أنها ليست المرة الأولى التي تهدأ فيها المعركة بسرعة، وإن كانت المناوشات ما زالت مستمرة. لكن يبدو أن جميع الأطراف المعنية بهذا الإستحقاق تفضل الآن عدم طرحه على نار حامية كما أراد جنبلاط، إنما التأني حتى لا تكون خطوة في الفراغ أو المجهول، ولا سيما أن هناك معطيات تشير إلى خلاف على شخصية الرئيس المقبل بين أفرقاء 14 آذار.
"فالأمور ليست جاهزة بعد، وما زال من المبكر البحث بهذا الملف"، كلام معلن من أكثر من طرف، ولا سيما أن التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري ما زال في بدايته، وأن المتهمين يمكن أن يبرأوا مما نسب إليهم. ويذهب البعض إلى القول ان رئيس الجمهورية لا يتحمل أي مسؤولية قانونية حتى لو جرّم الموقوفون من دون أن ينفي مسؤوليته الأخلاقية والسياسية باعتبار أن عددا منهم كان مقرباً منه، لا سيما قائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان.
وبانتظار ما سيحمله ميليس من مفاجآت في تحقيقه على الجبهة السورية، ثمة معطيات أدت إلى تراجع التراشق، وخاصة أن جنبلاط كان اصطدم منذ اغتيال الحريري بعقبة بكركي التي لم توافق حينها على إخراج لحود لاعتبارات عدة. ولعل فشل جنبلاط ـ الذي سافر على عجل إلى فرنسا عشية التوقيفات حيث التقى رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري ـ في صياغة موقف موحد يعبر عن قرار الأكثرية النيابية في هذا الشأن هدأ من اندفاعه, إذ إنه لم يجد حماسة عند الحريري في التغيير في هذه المرحلة، وأن الأخير طرح أمامه إسمين على الأقل للرئاسة إذا ما حان وقتها، الأمر الذي "نقّز" جنبلاط الذي عاد إلى المختارة ليلغي المؤتمر الصحافي الذي كان أعلن عنه سابقاً.
أما العوامل التي طوت البحث في المطالبة بالتغيير الرئاسي فهي:
أولاً: رفض رئيس الجمهورية فكرة الإستقالة، وتأكيده إكمال ولايته الدستورية حتى نهايتها, فهذا الموقف قطع الطريق أمام خروج لحود بشكل هادئ من القصر، ما جعل مهمة الراغبين في التغيير أكثر صعوبة، إذ أنه بحسب الدستور لا يمكن إقالة الرئيس إلا في حالة الخيانة العظمى، وهي ليست متوافرة حتى الآن.
ثانياً: عدم تجاوب الكتلة المسيحية التي ينتمي اليها الرئيس مع ما طرحه جنبلاط, فبالإضافة إلى موقف النائب ميشال عون وكتلته المعروف، فإن البطريرك الماروني نصر الله صفير يفضل التريث في التعاطي مع هذا الملف ريثما تنتهي التحقيقات ليبنى على الشيء مقتضاه. وعلى رأس الأسباب التي تجعل هذه الكتلة غير متجاوبة مع ما طرحه جنبلاط هو عدم قبولها أو قدرتها على تحمل إقالة رئيس الجمهورية المسيحي والماروني بتهمة أنه قتل رئيس الوزراء المسلم, هذا فضلاً عن كونها ستكون سابقة من شأنها أن تنال من هيبة هذا المنصب. والأهم طبعاً أن هذه الكتلة ستجد صعوبة بالغة في الإتفاق على هوية الرئيس الجديد بسبب تنوعها واختلافاتها من جهة, ومن جهة أخرى لحسابات متصلة بمدى مشاركة الطوائف الأخرى في قرار تحديد الرئيس المقبل.
ثالثاً: الكتلة الشيعية المتمثلة بحزب الله وحركة أمل لها اعتباراتها الخاصة المتصلة بالعلاقة مع لحود من جهة، ومن جهة أخرى بهواجسها الكبرى المتصلة بالقرار 1559، وإلى أي مدى يمكن أن يذهب اليه الوضع في البلد, وبالتالي هي تتصرف بهدوء وحكمة لئلا تخطو أي خطوة ناقصة، وهي لا ترى مصلحة الآن في توظيف التحقيقات سياسياً في الداخل، لأن هناك من يعمل على توظيفها باتجاهات أخرى تتصل بتطبيق القرار 1559.
رابعاً: لم يلحظ وليد جنبلاط اندفاعاً من فريق الأغلبية النيابية، وخاصة من سعد الحريري تجاه العمل لإسقاط رئيس الجمهورية كما كان يريد هو, هذا فضلاً عن طرح بعض الأسماء من قبل الحريري لم تجد رضى وقبولاً لدى جنبلاط.
هذه المعطيات قرأها جنبلاط ولمسها أيضاً، وقرر بالتالي التراجع عن طرق هذا الملف, لكنه كان بحاجة إلى مناسبة لإظهار موقفه الجديد, فجاء لقاؤه مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليعلن بعده موقفه من أن لحود ليس متهماً، وطالما هو كذلك فإنه باق في بعبدا. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار العلاقة بين الرجلين التي يحكمها الاحترام المتبادل والمودة والتقدير ولا سيما أن جنبلاط يثق برؤية السيد للأمور ووجهة نظره، فإن السيد نصر الله وضع أمام جنبلاط العديد من المعطيات التي كان أكد عليها سواء في خطابه في المهرجان الذي اقامه عن أرواح شهداء جسر الأئمة أو خلال لقاءات إعلامية، التي تتطلب عدم الإستعجال في استغلال ملف التحقيقات لمآرب سياسية لم يحن وقتها بعد, ولا سيما أن جهات خارجية عينها على تطبيق القرار 1559 وإدانة سوريا، وليس على إسقاط لحود بخلاف ما يرمي إليه جنبلاط.
ويضاف إلى ذلك أن جنبلاط راودته بعض الشكوك من "حلفائه" ما دفعه إلى طرح شروط تعجيزية إذا صح التعبير في شخصية الرئيس المقبل, ففضلا عن ضرورة أن يكون الرئيس الجديد مع المقاومة والطائف، فقد وضع جنبلاط شرطا يجب توافره في الرئيس وهو أن يكون مع العلاقات المميزة مع سوريا، ومع تلازم المسارين في وقت لم يعد أحد يتكلم عن المسارين فكيف عن تلازمهما.
طبعاً منشأ هذا الطرح كما يشير بعض المطلعين ناتج عن كون جنبلاط تملكته الهواجس من فريق 14 آذار، فجنبلاط يعتبر انه قاد هذا الفريق لإخراج سوريا وتحقيق العديد من الإنتصارات الداخلية, وبالتالي هو عاتب إن لم نقل أكثر على هذا الفريق لعدم وقوفه إلى جانبه في المطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية، هذا بالإضافة إلى طرح بعض الأسماء التي لا تنال رضاه.
ويبدو أن جنبلاط القارئ الجيد للأمور فضل قذف الكرة إلى الملعب الآخر لا سيما ملعب بكركي وآخرين حين طالبهم بتسمية شخصية إلى الرئاسة ضمن المواصفات التي أعلنها وتحظى بموافقة الجميع. ولعل الإجتماع الذي عُقد في المختارة بين أركان من 14 آذار ورئيس التقدمي يهدف إلى بلورة صيغة محددة للتعامل في الملفات ومنها الرئاسة في مرحلة ما بعد تقرير ميليس.
وهنا مربط الفرس، إذ تلفت المصادر إلى أن الإجماع على شخصية رئاسية غير متوافر الآن بين جميع الأقطاب، وخصوصاً أن ما يريده سعد الحريري لا يرضي جنبلاط، وما يريده الأخير لا يرضي المسيحيين، وهكذا من دون إغفال الدور الفرنسي والأميركي الذي لم يقل كلمته بعد, هذا فضلاً عن أن الذين يربطون هذا الإستحقاق بالتحقيقات الجارية في اغتيال الرئيس الحريري لا يستطيعون الحسم به، وخاصة أن المحاكمات التي من شأنها أن تطول لا أحد يستطيع حسم نتائجها، وإلى ماذا ستفضي.
مروان عبد الساتر
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018