ارشيف من : 2005-2008

3 ملفات ملحة للخروج من الأزمة: العجز، أداء الضمان والتزامات "باريس 2"

3 ملفات ملحة للخروج من الأزمة: العجز، أداء الضمان والتزامات "باريس 2"

الانتقاد/ لبنانيات ـ العدد 1118 ـ 15 تموز/ يوليو 2005‏

أما وإنّ الحكومة قد تشكلت بعد مخاض عسير، فثمة أمر آخر ينتظر عملها في المقبل من الأيام، لا بل في الفترة التي يكون فيها فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، ونعني الملفات الاقتصادية المفتوحة على أكثر من عنوان وأكثر من احتمال بفعل التراكمات التي شهدتها هذه الملفات منذ ولادة الجمهورية الثانية، أي منذ اتفاق الطائف الى الآن.. وهي ملفات ستكون محل متابعة ومقاربة مهمة من جانب القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، والتي كانت رحبت بمجيء السنيورة على رأس الحكومة العتيدة لكونه العارف بخبايا هذه الملفات ودهاليزها وكيفية إدارتها إذا حسنت النيات.. وقد سبق له أن وضع ورقة إصلاحية في مشروع موازنة العام 2005 قبل خروجه من وزارة المال في أعقاب التمديد لرئيس الجمهورية إميل لحود، ضمّنها بنوداً إصلاحية لمعالجة المشاكل المالية والاقتصادية.‏

المشاكل المطروحة في الوقت الحاضر على الحكومة العتيدة هي ثلاث على الأقل بنظر بعض الخبراء الاقتصاديين: أولاً الميزانية العامة، وثانياً الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وثالثاً متابعة لبنان التزاماته الإصلاحية المتأتية من مؤتمر "باريس 2"، وهي ملفات أساسية ينبغي على الحكومة العتيدة إيجاد آليات حلولها قبل فوات الأوان.‏

فنسبة العجز في الميزانية العامة وصلت إلى ما يزيد عن الـ32%، وهي نسبة خطيرة ما لم يعمل على ضبطها على وجه السرعة، خصوصاً أن أي عملية ضبط للعجز لم تحصل بالمستوى المطلوب.. فقط في العام 2004 عندما استفاد لبنان من إلغاء الفوائد على القروض بقيمة 4 مليارات دولار، كانت الدولة اللبنانية قد اقترضتها من المصارف في أعقاب "باريس 2"، وهي المرة الأولى التي يلجأ فيها لبنان إلى ضبط العجز، وبرغم ذلك بقي العجز يزيد عن الـ32%. ولعل الكلام الصادر عن الخبير الاقتصادي مروان إسنكدر لـ"الانتقاد" خير تعبير عن عمق الأزمة التي يواجهها لبنان، عندما يعتبر أن المشكلة الأساسية في لبنان ليست ثقل الدين العام وكيفية إيفائه فحسب، وإنما ثقله على الموارد التي تتوافر للدولة، باعتبار أن جزءاً من هذه الأموال تدفع فوائد الدين وأصوله، الأمر الذي يجعل تمويل نشاطات اقتصادية أخرى أكثر كلفة وأكثر تعقيداً. ومن هنا اعتبر إسكندر أن للدين العام مفهومين: أحدهما قانوني ويتمثل في أن الدولة اللبنانية هي الجهة الفضلى للاقتراض، لكونها غير مشكوك بأمرها عند الدفع من قبل المصارف، وآخر مضر بالعمل الاقتصادي، على اعتبار أنه يزيد من عجز الميزانية العامة التي ترتفع باطّراد سنة فسنة.‏

والسؤال الذي يطرح في وجه الحكومة "السنيورية" راهناً هو: كيف يمكن ضبط عجز الميزانية العامة توطئة للتخفيف من وطأة الدين العام وفوائده، ما يؤدي في جانب منه إلى تحريك النشاطات الاقتصادية لدى ذوي أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، لا سيما إذا علمنا أن السواد الأعظم من وحدات النشاط الاقتصادي في لبنان ترتكز على هذه الطبقة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني؟.. والجواب برأي إسكندر يكون من خلال القيام بعدة خطوات إصلاحية، لعل أبرزها معالجة مشاكل قطاع الكهرباء الذي يعتبر من أهم أسباب العجز في لبنان، حيث تصل نسبة العجز في هذا القطاع إلى 30% من مجمل الميزانية العامة، أي بكلفة 800 مليون دولار بعد ارتفاع أسعار النفط عالمياً.. علماً أن لدينا محطات حديثة نسبياً لتوليد الطاقة، سواء في البداوي أو دير عمار، حيث تقدر قيمة توفير الصيانة فيما لو جرى اعتماد الغاز في توليد الطاقة في كلا المحطتين بـ260 مليون دولار سنوياً، فضلاً عن وجود دراسات سبق أن أعدها وزيرا الطاقة السابقان موريس صحناوي وبسام يمين، تقوم على أمور ثلاثة.. أولاً: اعتماد الغاز أقله في معملي دير عمار والزهراني. ثانياً: استكمال ربط الشبكة الكهربائية بخطوط التوتر العالي. وثالثاً استيراد الكهرباء من سوريا عن طريق تركيا (ينصح فيه ضمنياً)، ما شكّل محل استغراب من جانب بعض القوى السياسية، متسائلين: كيف يمكن لنا أن نضع حاجتنا في أيدي الآخرين؟ فجاء الجواب أن كثيراً من الدول المتحضرة تلجأ إلى هذه الطريقة، كما هي الحال بالنسبة الى أميركا وإيطاليا وألمانيا والبرتغال وغيرها من الدول.‏

والملف الثاني الذي يواجه الحكومة العتيدة هو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي لا أحد من المسؤولين يعترف بضخامة مشكلته على حد رأي إسكندر، برغم أن الصندوق واجه غير مرة خطر الإفلاس، ما انعكس "تقنياً" في تقديم الخدمات للمشتركين المضمونين، فضلاً عن كون القيّمين على الصندوق لم يقدّموا حتى الساعة أي قطع حساب له لمعرفة الواردات والتقديمات، وهو ما أوجد حالاً من الإرتباك في أي عملية تقديمات مفترضة، خصوصاً بعد توسيع مروحة الصندوق لتضم السائقين العموميين البالغ عددهم 30 ألف سائق بلا اشتراك، الأمر الذي هدد البقيّة من المضمونين بفعل وجود سياسة مالية غير واضحة عند أصحاب الحل والربط، تبّين من خلالها مدخرات الصندوق وما له وما عليه، وهذا يحتاج بحسب إسكندر إلى متابعة جدية وحقيقية من قبل حكومة السنيورة، وإلى ضبط الإنفاق المقدر بـ11% من حاصلات الاشتراكات، وهي أعلى نسبة في العالم، دونما أن نسقط من حسابنا مكننة الضمان الذي يضم بين مختلف فروعه نحو مليون ونصف مليون مضمون تجرى حساباتهم بطرائق بدائية برغم محاولة تقديم مساعدات أوقفها بعض المتنفذين في الصندوق، "ليبقى الصندوق في حالة فلتان والمحاسبة فيه صعبة"، ما أوجد هوة بين المواطن والضمان زاد من تفاقمها الديون الواجبة على الدولة للضمان التي ناهزت 1500 مليار ليرة، بحجة أن الضمان يوظف أمواله في سندات خزينة، وبالتالي حقوقه مضمونة بشكل أو بآخر!‏

أما الملف الآخر الذي لا يقل أهمية عمّا سبقه، فهو التزامات لبنان الإصلاحية تجاه مؤتمر "باريس 2" الذي رهن المساعدات المالية بها (700 مليون دولار قروض ميسرة بفائدة 5% على 15 سنة مع إعفاء أول سنتين منها، ومليار و500 مليون دولار لمشاريع حيوية)، وذلك عن طريق تخصيص بعض الخدمات العامة مثل الكهرباء والهاتف الثابت (الهاتف الخلوي لُزم خمس سنوات) وخلافه من الإصلاحات التي سبق أن تبنتها الحكومة اللبنانية حينها دون أن تشرّع أبوابها، يضاف إليها جدولة المشاريع الملحة التي من شأنها أن تفك "أسر" هذه القروض من قبل الجهات المانحة. غير ان هذا كله ـ على حد قول اسكندر ـ مرهون بالمناخ السياسي العائد للحكومة العتيدة، وبالمساحة المتاحة أمام إصلاحات مفترضة كهذه، بأن تكون مشبعة بالنيات الحسنة لا بالشعارات الفضفاضة، وخصوصاً أن أي تأخير في العملية الإصلاحية سينعكس ضرره بشكل مباشر على القطاع الاقتصادي، إذ إن لبنان يدفع ما نسبته من فوائد الدين ما يقرب 3 مليارات دولار سنوياً بواقع 8 مليون دولار يومياً! ثم إن لبنان لم يعد بمقدوره أن يحمي نفسه من رياح المنافسة الدولية بعدما دخل مجال السوق الأوروبية والعربية بشكل مباشر، وهو أمر يلزمه التعاطي مع الملفات الاقتصادية والمالية بشكل شفاف ونزيه ينأى بها عن كل المخاطر المفترضة.‏

يبقى أن مثل هذه الملفات تحتاج لمواجهتها ـ برأي إسكندر ـ إلى قرارات استثنائية تعطى للحكومة العتيدة لكوننا أمام ظروف استثنائية بدأت مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى الانسحاب السوري وصولاً إلى الاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان مؤخراً، وقبل هذا وذاك فإن البلد لم يعد يتحمل التأجيل أو المداورة، ".. وإلا الخراب".‏

واليوم أمام الرئيس السنيورة فرصة إعادة الاعتبار لبرنامجه الإصلاحي الذي اشتمل على 23 بنداً إصلاحياً قال عنه يومها إنه بمثابة المرجع الصالح لكل من يريد أن يخوض في عملية الإصلاح الإداري والاقتصادي والمالي، إلا أن السؤال المطروح راهناً في الأوساط هو: إلى أي حد سيلتزم الرئيس العتيد بهذه الإصلاحات التي خطها بيده قبل سنة أو أكثر، لأن البعض أخذ عليه في حينه أن طرحه كان لعلمه المسبق بأنه لن يكون مضطراً إلى فعل أي شيء، فهل سيثبت السنيورة العكس، وخصوصاً أن بعض الخبراء الاقتصاديين ممن يصغي إليهم السنيورة باحترام، قال له: إنه كان من المفترض أن تقدم لنا قبل خمس سنوات لإنقاذ المطلوب للأزمة الاقتصادية.‏

حسين عواد‏

2006-10-30