ارشيف من : 2005-2008

بين الخصخصة وغياب الحلول الجذرية : أزمة الكهرباء مرشحة للاستمرار

بين الخصخصة وغياب الحلول الجذرية : أزمة الكهرباء مرشحة للاستمرار

العدد 1117 ـ 8 تموز/يوليو 2005‏‏

لم يكن ينقص اللبنانيين إلا الكهرباء لتضيف الى معاناتهم الاقتصادية لوناً آخر.‏‏

إنها مرحلة دقيقة، فالإمتحانات وخصوصاً الرسمية مستمرة، والتلامذة يشكون التقنين القاسي الذي يؤثر على مذاكرتهم، والمواطنون تزداد خسائرهم التجاربة والمادية ويلجأ بعضهم الى المولدات الكهربائية المكلفة للحفاظ على أرزاقهم من التلف بينما يئن آخرون بسبب ارتفاع كلفة الاشتراك البديل.‏‏

وتلك المداورة في التقنين ـ وحدها ـ تفيد بأن مشكلة الكهرباء مقبلة على آفاق مهمة، فالحلول الجذرية ليست مطروحة الآن.‏‏

ويستمر برنامج التقنين فاعلاً على الرغم من وصول ثلاث بواخر محملة بالفيول، ووعود وزير الطاقة والمياه بسام يمين بتحسن التغذية الكهربائية التي حصلت، ولكن بشكل طفيف.‏‏

واذا كان تأخر وصول الباخرة الأولى "استير" قد ساهم في التقنين فإن ذلك لا يعد سبباً أساسياً للمشكلة القائمة، ويؤكد خبير اقتصادي أن "كل ما قيل عن تأخر وصول الباخرة الأولى ذات المواصفات المخالفة لدفتر الشروط كلام لا طائل منه، لأن المشكلة تكمن في عدم وجود المال لشراء الفيول".‏‏

المسؤولية والخصخصة‏‏

ولا تزال شركات الاستيراد بانتظار ان تدفع لها الدولة مستحقاتها كاملة والتي وصلت الى 178 مليون دولار، دفعة واحدة، وهو أمر متعذر حالياً بعد أن كان وزيرا المالية السابقان موريس صحناوي والياس سابا أعدّا قراراً بتسديد 90 مليار ليرة من هذه المستحقات، لكن القرار لم ينفذ بفعل استقالة الحكومة السابقة، فيما يقول مصدر مطلع ان صحناوي عمد الى دفع المستحقات للمستوردين الجدد من دون القدامى، ما ادى الى تفاقم الأزمة.‏‏

ويعلق الخبير الاقتصادي على تأخير عملية دفع المستحقات بأنها "مسألة سياسية ولا علاقة لها بقانونية تسديدها عبر سندات خزينة".‏‏

ويرى الوزير صحناوي أن الحل يكمن في خصخصة مؤسسة كهرباء لبنان بعد اعادة هيكلتها، في الوقت الذي يجد وزير الطاقة والمياه بسام يمين ان ذلك لن يجدي نفعاً.‏‏

ويشير مصدر مطلع الى أن الخصخصة "لا تمثل حلاً، اذ يجب تأمين الأموال اللازمة لإعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان، ومن ثم البدء بصيانة منشآتها وايجاد طاقة اضافية في المعامل كافة، عندئذٍ يمكن ان تصبح معروضة للبيع"، وهذا يتوافق مع وجهة نظر الوزير صحناوي.‏‏

ولا يحمل المصدر مسؤولية الحالة القائمة للمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك ويقول "حتى لو تمت عملية الجباية كما يجب فلن تتم تغطية العجز، لأن سعر برميل النفط وصل الى 60 دولاراً".‏‏

خطوات ضرورية‏‏

لا يقتصر إنهاء معاناة الكهرباء على شحنات من الفيول أو على طروحات نظرية في هذا الموضوع، بل تجب المبادرة الى تفعيل خطط اصلاح الكهرباء، ويبين احد الخبراء ان عهد الوزير موريس صحناوي شهد ولأول مرة منذ ست سنوات إدخار كمية من الفيول تكفي لمدة شهرين كاحتياط ثابت، صحناوي اجرى مناقصات مع شركات عديدة أثمرت عن ذلك، كما أقرّ صحناوي تعديلاً في خطة الاصلاح عبر جعل مواصفات النفط المطلوبة للبنان تتلاءم والمواصفات الموجودة في أوروبا وحوض المتوسط بعد أن كانت البواخر تعود ادراجها بسبب عدم تطابق مواصفاتها مع الشروط القانونية".‏‏

وتبقى اسعار المحروقات مرتفعة جداً، وهو ما يزيد العجز في قطاع الطاقة. وبالنسبة الى الانتاجية، يتحدث الخبير عن الخلل في بعض معامل الانتاج". فمعملا دير الزهراني ودير عمار يعملان بالغاز، فليس منطقياً استبدال الغاز بمولدات الفيول التي تعطي طاقة أقل وبكلفة أعلى، ويحوي معمل الزهراني ثلاثة مولدات، يعمل اثنان منها والثالث يعمل ببخار الاثنين الآخرين، فإذا اعتمدنا الغاز نستطيع توفير 120 مليون دولار من الزهراني، ويمكن اتباع الخطوة نفسها في دير عمار".‏‏

ويضيف: "معملا الذوق والجية ميتان منذ عشر سنوات ومهددان بالتوقف عن العمل في أي لحظة، فلا يجوز أن نضع فيهما مازوت بمواصفات مخصصة لمعامل حديثة، بل اذا خُفضت المواصفات هنا يمكن توفير 50 مليون دولار".‏‏

وتبرز مسألة ضخ الغاز السوري الى لبنان، بعدما أنهت شركة "سمينس، للدولة اللبنانية عملية اختبار أنابيب الغاز الممتدة من الحدود السورية الى معمل دير عمار في الشمال".‏‏

لكن خبيراً آخر يشير الى أمرين، "الأول هو عدم وجود شبكات تربط المعامل بعضها ببعض، فلا يمكن نقل الكهرباء من الجنوب الى جبيل مثلاً، وحتى لو حصل لبنان على كهرباء سورية فلن تنتقل من معمل دير عمار الى الجنوب أيضاً". واذا أُنجزت الشبكة سيؤدي ذلك الى خفض تكلفة الكهرباء بشكل عام.‏‏

والأمر الثاني يكمن في انشاء مركز التحكم وهو عبارة عن تجمع الكتروني يضيء على وضع الكهرباء في المناطق اللبنانية كافة، فإذا ضربت صاعقة معملاً في خلال خمس ثوان يصدر المركز أمراً ذاتياً بفصل المعمل عن الشبكة، ومن دون مركز التحكم تتسبب الصاعقة بقطع الكهرباء مدة ست ساعات عن لبنان".‏‏

وفي ظل الحلول المطروحة يتوقع ظهور مشكلات خلال الفترات المقبلة نتيجة تأخير تنفيذ اتفاقية الغاز مع سوريا لتأمين حاجات معمل البداوي، ولا تسعى الدولة الى حلولٍ جذرية، بل تعتمد حلولاً آنية تتمثل بشحنات الفيول المتعاقبة، وتبرز في الأفق مشكلة ارتفاع أسعار مشتقات النفط في الأسواق العالمية. يبدو أن انجاز التعاقد على أربع شحنات من الفيول سيساهم في تخفيف معاناة اللبنانية حتى أول ايلول المقبل. ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه، ماذا بعد ذلك؟ وهل تعتبر الأزمة الحالية "بروفا" لأخرى مجهولة النوعية؟‏‏

حسن زراقط‏

2006-10-30