ارشيف من : 2005-2008

موضوع الغلاف / تأخير إعلان الحكومة الوزارية: أزمة حكم أم مشكلة حكومة

موضوع الغلاف / تأخير إعلان الحكومة الوزارية: أزمة حكم أم مشكلة حكومة

العدد 1117 ـ 8 تموز/ يوليو 2005‏

أزمة حكم تعيشها البلاد ظهرت بوادرها بعد مرور أسبوع على تكليف الرئيس فؤاد السنيورة تشكيل الحكومة الجديدة مستنداً الى شبه إجماع نيابي، حيث سماه لهذه المهمة مئة وستة وعشرون نائباً من أصل مئة وثمانية وعشرين، لكنه لم يستطع إخراج التشكيلة الحكومية الى حيز العلن برغم المشاورات التي أجراها مع مختلف القوى السياسية. وبدا أن الرئيس المكلف لم يصل الى مرحلة يمكنه من خلالها تذليل جميع العقبات التي تأتي في مقدمتها مسألة توزيع الحقائب. ولذلك فإن عملية تأليف الحكومة وإنجازها قد عادت الى دائرة الغموض خلافاً للأجواء الإيجابية التي عكستها الاستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري يوم الجمعة الماضي، حيث بدا حينها أن تأليف الحكومة سينجز في فترة وجيزة لا تتعدى بضعة أيام، وهو ما ظهر أنه تبدد مع بروز الخلافات حول حجم تمثيل القوى السياسية داخل الحكومة الجديدة استناداً الى النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية، لجهة حجم هذه القوى شعبياً وطائفياً.‏

وتبرز أولاً في هذا الإطار مسألة مشاركة التيار الوطني الحر في الحكومة الجديدة، فقد كانت في البداية الأجواء إيجابية في الإطار العام بعد الزيارة التي قام النائب سعد الحريري الى الرابية وإجرائه مباحثات مع النائب ميشال عون، ثم تسمية كتلة الأخير السنيورة لتشكيل الحكومة الجديدة، لكن الكلام في كواليس تياري المستقبل والوطني الحر كان يركز في تلك الفترة على مسألة أن "الشيطان يكمن في التفاصيل".. وهو ما حصل لدى الدخول في تفاصيل توزيع الحقائب الوزارية، وبروز عقدة حقيبة العدل التي طالب بها عون وأصرّ تيار المستقبل بالمقابل على بقائها مع أحد مؤيديه، ربطاً بموضوع مسألة التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فيما يرى التيار العوني أنه يستطيع من خلال هذه الحقيبة أن يبدأ بترجمة برنامجه الإصلاحي، وهو يتهم بعض حلفاء تيار المستقبل ـ وتحديداً الحزب التقدمي الاشتراكي ـ بعرقلة توليه هذه الحقيبة. وتشير أوساطه الى أن الحريري لم يعطِ جواباً سلبياً عندما طرح عون مسألة تسلم تياره حقيبة العدل.‏

بالمقابل فإن خصوم التيار الوطني الحر يتهمونه برفع سقفه في المطالب الوزارية على خلفية نيّة مسبقة بعدم دخول الحكومة، لأن دخوله في الحكومة سيؤدي الى خسارته على الصعيد الشعبي، وهو ما يسعى التيار الى تفاديه بعد الانتصار الانتخابي الذي حققه على الساحة المسيحية في الجبل.‏

ومن العوامل التي يجري الحديث عنها في مسألة إطالة أمد تشكيل الحكومة الجديدة، هي طريقة تعاطي رئيس الجمهورية مع هذه الحكومة ونظرة الرئيس المكلف فؤاد السنيورة وتيار المستقبل في المقابل الى نوع العلاقة مع الرئيس إميل لحود في المرحلة الراهنة. وفي هذه النقطة كان رئيس الجمهورية بادر قبل الاستشارات النيابية الملزمة الى إبداء الاستعداد للتعاون مع السنيورة في الحكومة الجديدة، لكنه في المقابل شدد على الحق الذي كفله له الدستور بأن تخرج الحكومة بالتوافق بينه وبين الرئيس المكلف. وعلى هذا الأساس طالب بحكومة اتحاد وطني تمثل التوازنات التي أفرزتها نتائج الانتخابات النيابية، وهو ما يوحي بأنه ليس من السهل أن يوافق الرئيس لحود على تشكيلة حكومية يغيب عنها التيار العوني وحلفاؤه ويحضر فيها بشكل كبير تيار المستقبل وحلفاؤه، ما يعني بحسب العديد من المراقبين أن الأمور ليست سالكة أمام التشكيلة الحكومية، وهو ما أوحت به نتيجة اللقاء الذي عُقد أمس الأول الأربعاء بين الرئيس لحود والرئيس المكلف فؤاد السنيورة في قصر بعبدا، إذ اكتفى الأخير بوصف اللقاء بأنه "للتشاور" في مسألة تشكيل الحكومة، ما يعني أن التشكيلة ليست ناضجة بشكلها النهائي الذي ينتج "توافقاً" بين الرئيسين.‏

وانطلاقاً من هذا الواقع عادت الأسئلة لتطرح من جديد من قبل العديد من المراقبين والأوساط السياسية عن المخرج لهذا المأزق.‏

فهل يكمل السنيورة في مساعيه لتشكيل الحكومة وسط غياب التوافق السياسي بين الأفرقاء؟ وإلى أي مدى زمني يستمر هذا الأمر؟ وهل يعتذر السنيورة في نهاية المطاف عن التشكيل؟ وإذا اعتذر فما هو السيناريو الجديد المطروح؟ وهل تسميه الأكثرية النيابية مجدداً أم أن الطروحات تتجه في منحى آخر، وتحديداً نحو التدويل مجدداً؟ وهنا يذكّر بعض المراقبين بتفاهم باريس الذي جاء بنجيب ميقاتي رئيساً للحكومة التي رعت عملية إجراء الانتخابات النيابية، وذلك كحلّ وسط بين القوى السياسية المتنافسة التي كانت تصنف حينها بين موالاة ومعارضة.. وتتساءل الأوساط هنا: هل يعود ميقاتي ليشكل مخرجاً من المأزق السياسي؟ هذا الأمر بات مطروحاً في بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية، وقد لمّح إليه بعض الأطراف السياسية، لكنه ليس أمراً محسوماً بعد. إلا أن الأكيد بحسب المصادر المتابعة، أن تشكيل الحكومة لن يكون في متناول اليد قريباً، وأحد المؤشرات الواضحة الى هذا الأمر هو توقيع قوى البريستول على عريضة نيابية تطالب بفتح دورة استثنائية في مجلس النواب في ظل حكومة تصريف الأعمال لإنجاز العديد من التشريعات والقوانين، من بينها قانون العفو عن سمير جعجع. وهذا يعني أن مهام الحكومة الحالية قد تستمر وقتاً إضافياً.‏

في كل الأحوال يتوقع استمرار السجال الحاصل حول تشكيل الحكومة الجديدة التي ينتظرها عدد من التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد في هذه المرحلة الحساسة.‏

هلال السلمان‏

2006-10-30