ارشيف من : 2005-2008

"إسرائيل" والقدرة النووية الإيرانية: التسليم بوجوب التعايش مع "الخطر"

"إسرائيل" والقدرة النووية الإيرانية: التسليم بوجوب التعايش مع "الخطر"

الانتقاد/ اقليميات ـ العدد 1139ـ 9/12/2005‏

بدت "إسرائيل" في الأيام الأخيرة وكأنها خرجت عن صوابها، وعقدت العزم على شن حرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بحيث لم يبقَ أي من المسؤولين الإسرائيليين، على المستوى السياسي أو العسكري، إلا وأدلى بدلوه توصيفا وتحذيرا من الخطر النووي الإيراني، ووجوب مواجهته، حتى إن البعض منهم (كبنيامين نتنياهو) طلب بشكل صريح ومباشر أن تقوم "إسرائيل" بخياراتها العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما انعكس على الإعلام الإسرائيلي عامة، بحيث كادت أن تغيب الساحة الداخلية عن دائرة النقاش برغم التطورات الكبيرة التي تشهدها، ليتقدمها قدرات إيران النووية وكيفية التعامل معها.‏

وكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي أهارون زئيفي فركش، قد أطلق شرارة التعليق الإسرائيلي خلال جلسة استماع أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، حيث حذر من أن "الإحباط السياسي الدولي بوجه خطر التسلح النووي لإيران قد ضعف، وان يد الإيرانيين هي العليا في هذه المعركة". ثم تبعته صحيفة معاريف التي أفردت عناوين صفحتها الأولى للتحذير من الخطر النووي الإيراني، إذ نقلت عمن أسمته مصدراً أمنياً رفيع المستوى أن "على "إسرائيل" أن تتعايش مع واقع تكون فيه لإيران قدرات نووية".‏

تصريحات رئيس الاستخبارات العسكرية والمصدر الرفيع المستوى في المؤسسة الأمنية، أطلقا سلسلة من ردود الفعل الإسرائيلية على مختلف المستويات، التي حاولت وتحاول جبر ما كُسر من جهة، ومن جهة أخرى استغلال السجال الدائر لمصلحة موقعها وفرصها في الانتخابات القادمة. إذ يستدل من مجمل التعليق الإسرائيلي، أن خطأ ما قد وقع في إعلان توصيف الواقع الإسرائيلي تجاه مساعي إيران النووية، وهي خلاصة لا يتماشى إعلانها مع المصلحة الإسرائيلية لضررها الداخلي والخارجي على حد سواء، فمن الخطأ الجسيم جدا أن تفصح "إسرائيل" بأن ليس لديها إجابة عسكرية حقيقية وناجعة على ما تمثله إيران النووية من خطر على الأمن القومي الإسرائيلي، وهو الخطر الذي يرقيه الاستراتيجيون الإسرائيليون إلى درجة الخطر الوجودي.‏

آخر محاولات التصويب وإظهار القوة في آن واحد، كان حديث رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون، الذي اعتبر "أن "إسرائيل" تملك القدرة على توجيه ضربة عسكرية لإيران لكنها تفضل المساعي والضغوط الدولية، وان لا تكون في الواجهة".. وهو ما يستفاد أيضا من رد الفعل السريع للجيش الإسرائيلي الذي رفض دعوات نتنياهو لمهاجمة إيران، واعتبر تصريحاته مضرة بالمصلحة الإسرائيلية، بحيث اعتبرت هذه التصريحات انتخابية بحتة، كما ذهب تعليق صحيفة هآرتس أيضا، الى أنها مضرة ومضللة.‏

الإجابة عما يقف وراء الحملة الإسرائيلية، التي اسماها بعض المعلقين الإسرائيليين "بحملة التخويف"، تكمن في وجود الخطر الإيراني أساسا، وفي الانتخابات الإسرائيلية القادمة توقيتا.‏

من ناحية أولى، تكاد "إسرائيل" أن تقر من دون إقرار علني، أن لا إمكانية للحيلولة دون القدرة النووية الإيرانية، وان كل الجهود المبذولة إلى الآن من قبل الأوروبيين والأميركيين لن يكتب لها النجاح، بحيث بات التعايش مع "إيران نووية" أمرا قائما لا مفر منه.. وهي خلاصة لم تتوصل إليها "إسرائيل" قبل أيام، بل هو واقع مقروء استخباريا وسياسيا منذ وقت طويل، كون "إسرائيل" جزءاً لا يتجزأ من الجهد الأوروبي والأميركي ضد إيران، برغم حرص "إسرائيل" والمفاوضين الأوروبيين على أن لا تظهر "إسرائيل" في الصورة (وهي شراكة يقر بها بشكل واضح من خلال تعليقات وتصريحات الإسرائيليين حول المسألة النووية الإيرانية).. بالتالي لا يمكن القول ان تطورات قد حصلت على صعيد الملف النووي الإيراني دفعت بـ"إسرائيل" للوصول إلى خلاصاتها، بل يمكن القول ان الإصرار الإيراني المتبدّي في الآونة الأخيرة دفع "إسرائيل" إلى تأكيد التأكيد على الواقع النووي الإيراني، وعدم نجاعة مواجهته.‏

إن حجم الخطر الكبير على "إسرائيل" في حال وصول إيران إلى القدرة النووية، مع عدم نجاعة المواجهة القائمة حاليا معها، إضافة إلى قصر اليد العسكرية الإسرائيلية خلافا للمفاعل النووي العراقي في العام 1981، هو واقع يفيض عن قدرة الإسرائيليين على تحمله، ما يدفع إلى تسريب توصيفه بشكل أو بآخر لاستخدامات التحريض من جهة، ولاستخدامات التهيؤ والاستعداد الداخلي من جهة ثانية، وهو ما يفسر أصل حديث رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الابتدائي في لجنة الخارجية والأمن، وما نشرته صحيفة معاريف..‏

من ناحية ثانية، يبدو أن الساحة الداخلية الإسرائيلية، التي تعيش أجواء الحملات الانتخابية وإعادة التموضع السياسي بعد انتخاب عامير بيريتس رئيسا لحزب العمل، وانسحاب أريئيل شارون من الليكود وتشكيله لحزب جديد يخوض من خلاله الانتخابات، يبدو أنها تبحث عن مادة سجالية كي تدور حولها الحملات الانتخابية، إذ ليس خافيا أن اليمين عامة، وشارون خاصة، له مصلحة في أن يكون الأمن مادة السجال مقابل عامير بيريتس الذي يريد أن يحصر هذا السجال في المسائل الاجتماعية، إذ يرى الجمهور الإسرائيلي (كما تظهر استطلاعات الرأي المتكررة) أن شارون هو الأفضل لتأمين الأمن للإسرائيليين، فيما يرى أن بيريتس هو الأفضل لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.. لكن في حال التزاحم بين العاملين فإن الإسرائيليين سيدفعون العامل الاجتماعي إلى الخلف، وتتجه الأصوات نحو أريئيل شارون.. وهو واقع يقرأه شارون جيدا ويستغله جيدا.‏

في الخلاصة، يبقى الخطر الإيراني أمراً واقعاً لا مفر منه، وقد توصل الإسرائيليون إلى انه لا يمكن مواجهته، وان على "إسرائيل" أن تجهد للتعايش معه، من هنا تجهد كي تعزز عامل الردع لديها لمنع إيران من استخدام قدراتها تجاهها ابتداءً، وهي في ذلك تقوم بكل ما تستطيعه لتأمين الحماية من جهة، وما يسمى بالضربة الثانية النووية من جهة ثانية، وهذا هو الحراك العملي الفعلي الذي يقوم به الإسرائيليون، الذي يتجلى في سعيها للحصول على الغواصات المناسبة للضربة النووية الثانية، وللتجارب المتكررة المتعلقة باعتراض منظومة صواريخ شهاب 3، القادرة على حمل رؤوس نووية وإصابة كل نقطة في "إسرائيل".‏

بين حجم الخطورة النووية الإيرانية كخطر وجودي على "إسرائيل" وعدم نجاعة الحيلولة دونها، إضافة إلى السجالات الانتخابية التي يبحث بعض أطرافها عن عنصر الأمن ليكون مادتها.. يكمن تفسير ما يسمى إسرائيليا "بحملة التخويف" من القدرة النووية الإيرانية.‏

يحي دبوق‏

2006-10-30