ارشيف من : 2005-2008

جهود فلسطينية تحتوي الأزمة بين فتح وحماس ولكنها لا تنهي أزمة الصلاحيات

جهود فلسطينية تحتوي الأزمة بين فتح وحماس ولكنها لا تنهي أزمة الصلاحيات

غزة ـ عماد عيد‏

استمرار الأجواء المتأزمة بين حركتي فتح وحماس من جهة ومؤسسة الرئاسة والحكومة من جهة أخرى، فيما أصبح يعرف بأزمة الصلاحيات والحصار الاقتصادي، سرّع في زيارة الرئيس محمود عباس إلى قطاع غزة مطلع الأسبوع، وكان من أهم اللقاءات المدرجة على برنامج الرئيس لقاؤه برئيس وزرائه إسماعيل هنية الذي استمر زهاء أربع ساعات. وكان نقاش صريح تناول كل القضايا التي تشكل جوهر الخلاف بين الجانبين، وعلى رأسها قضية الصلاحيات بين الحكومة والرئاسة، والتعيينات التي اتخذتها وزارة الداخلية، فضلا عن قضية الحصار والمقاطعة الاقتصادية التي تفرضها دول العالم على الفلسطينيين منذ أن شكلت حماس الحكومة، والتي تعتبر أزمة الرواتب أوضح وجوه هذه الأزمة التي تشكل بدورها جزءاً من الأزمة السياسية بين برنامجي فتح وحماس من جهة، وبين الفلسطينيين والكيان الصهيوني من جهة ثانية.‏

وعلم من مصادر مطلعة أن الرئيس عباس قدم فعلا إلى حكومة هنية مجموعة من المطالب تتعلق بضرورة عدم اتخاذ أي قرارات على مستوى عالٍ من دون التنسيق مع مؤسسة الرئاسة تطبيقا للقانون الأساسي "الدستور" الذي يعتبر أن رئيس الوزراء ووزراءه يعاونون الرئيس الفلسطيني، كما أن الحكومة الفلسطينية عرضت هي الأخرى مطالب على الرئيس الفلسطيني.‏

وعلى الرغم من أن التصريحات التي أعقبت اللقاء كانت ايجابية وتعطي مدلولات بناءة في الاتجاه الذي كان الطرفان يريدانه من وراء هذا الاتفاق، فإن مصادر مطلعة ذكرت للانتقاد أن الاجتماع لم يتوصل إلى أي تفاهم أو اتفاق حول القضايا المطروحة، وان الاجتماع التحضيري الذي عقده كل من عزام الأحمد رئيس كتلة فتح في التشريعي وروحي فتوح والدكتور نبيل شعث نائب رئيس الوزراء في الحكومة السابقة عن فتح ووزير الخارجية والإعلام وأمين عام مجلس الوزراء من حماس، لم يفلح في تحقيق نتائج كبيرة والتسهيل على اجتماع الرئيس برئيس الوزراء، والوزراء، وعليه فقد أحيل الأمر إلى ذات اللجنة لاستكمال البحث تمهيدا للقاء الرجلين عباس وهنية بشكل ثنائي.‏

لكن هذه اللجنة كما قالت مصادر حضرت الاجتماع الذي استمر أكثر من خمس ساعات فشلت في التوصل إلى تفاهمات يمكن أن تعرض في اجتماع آخر على الرئيس ورئيس الوزراء، وهو ربما ما دعا إلى عدم عقد اجتماع آخر بين الاثنين كما كان مخططاً، ودلالة ذلك مغادرة الرئيس قطاع غزة بشكل مفاجئ بعد أن كان قرر أن يمدد زيارته إلى القطاع مدة يومين آخرين كي يتسنى له الالتقاء بهنية وبعض الفعاليات. وبحسب مصادر في اللجنة الوزارية التي حددها كل من الرئيس ورئيس الوزراء فإن بعض التقدم طرأ على مواقف الجانبين على صعيد وضع بعض الآليات مثل القضية الاقتصادية والحصار الذي اتفق أن يبذل الرئيس جهودا واسعة اكبر على المستوى الداخلي، أي البنوك وصندوق الاستثمار الفلسطيني وسلطة النقد، وعلى الصعيد الخارجي ومع كل الأطراف المعنية في سبيل تخفيف الحصار وحل أزمة الرواتب، أما على صعيد الصلاحيات فقد اتفق على تشكيل لجنة بين الرئاسة والحكومة للتنسيق في أية قرارات سوف تتخذ من قبل الجهتين حتى لا تكون متعارضة، لكن هذه التفاهمات لم تعرض على عباس بسبب مغادرته المفاجئة.‏

وقد ذكرت مصادر مقربة من الرئاسة أن عباس غادر عندما شعر بأن الأمر أصبح لا يحتمل، سواء بعدم التوصل إلى اتفاق حول قضايا من وجهة نظره محسومة، إضافة إلى درجة التوتر التي سادت القطاع بسبب الخلاف بين فتح وحماس في خانيونس، والتي أدت إلى مقتل ثلاثة، واحد من حماس واثنان من فتح، وإصابة عشرة آخرين، الاشتباكات بالسلاح اندلعت على خلفية اشتباكات قديمة حصلت بين الجانبين وتسببت في حينها في سقوط جرحى، وتجددت هذه الاشتباكات عندما أصبح المناخ مناسبا بعد التجاذبات والخلافات التي أخذت تشتد على الساحة الفلسطينية بعد تشكيل حماس للحكومة.‏

الأوضاع ازدادت خطورة بعد تجدد الاشتباكات في منطقة التفاح وبالتحديد في محيط منزل القيادي في حركة فتح سمير المشهراوي، التي تخللها خطف احد عناصر فتح وستة من عناصر حماس، قبل أن تندلع الاشتباكات التي تسببت في سقوط عشرة جرحى، ولكن الذي دق ناقوس الخطر بشكل جدي هو منع عضو في البرلمان عن حماس، وهو سيد أبو مسامح، ومستشار رئيس الوزراء احمد يوسف من المرور من أمام مقر الأمن الوقائي في غزة ما أدى إلى نشوب خلاف تخلله ملاسنة كلامية واشتباك بالأيدي من قبل المرافقين وإطلاق الرصاص على سيارة عضو المجلس والمستشار السياسي، وهو ربما ما دفع الطرفين إلى استشعار الخطر، وما دفع برئيس الوزراء إلى توجيه دعوة إلى لقاء عاجل برعايته مع قيادتي حركتي فتح وحماس استمر حتى الثانية من فجر يوم الأربعاء خرج هنية والوفدان بعده ليعلنوا انه تم التوصل إلى تشكيل لجنة تنسيق عليا بين حركتي حماس وفتح تنبثق عنها لجان فرعية تتابع كل الخلافات التي يمكن أن تنشب، إضافة إلى سحب مظاهر التسلح ورفع الغطاء عن أي مسلحين يمكن أن يتطاولوا على القانون، وكذلك تشكيل لجنة خاصة بأسباب الأزمة، فضلا عن مساهمة كل الفصائل في إتاحة الفرصة لوزارة الداخلية للقيام بواجبها من اجل البدء في استدعاء كل من تثبت إدانته في هذه الأحداث.‏

ويبدو أن هذه التفاهمات بحاجة إلى إثبات قدرتها على الصمود أمام الواقع المر الذي خلفته الأحداث في أكثر من مكان في قطاع غزة، خصوصا مع تفاقم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية جراء الحصار الخانق المفروض من قبل العدو على الفلسطينيين، وجراء إمكانية بدء الموظفين في إجراءات لعرقلة العمل، وبدء اضرابات، وجراء المقاطعة التي تفرضها دول العالم على الفلسطينيين بسبب تشكيل حماس للحكومة، وقد فشلت حتى الآن كل الجهود الفلسطينية والعربية في إيجاد صيغة وآلية من اجل إدخال أموال إلى الأراضي الفلسطينية توافق عليها الإدارة الأميركية. ومن المتوقع بحسب المراقبين في ضوء قرار اللجنة الرباعية أن تظهر بوادر حل للأزمة بعد عدة أسابيع إذا ما سارت الأمور على النحو المخطط له.‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1161 ـ 12 أيار/مايو 2006‏

2006-10-30