ارشيف من : 2005-2008
العيد في فلسطين : حرمان واحتلال وصبر وتصدّ
جنين ـ علي سمودي
بالتهاني والفرح يحتفل المسلمون في كل مكان بعيد الاضحى المبارك, لكن للعيد شكلاً اخر في مدينة جنين شمال فلسطين, فالاحتلال ينغص فرحتهم والعيد يفتح جراحهم وسط استمرار الحرب الاسرائيلية وألوان المعاناة القاسية التي جعلت أعيادنا كما تقول اللاجئة عائشة نغنغية احزانا ودموعا وآلاما, فمنذ 50 عاما لم نشعر بأي طعم للفرح، أعيادنا تتساوى مع أحزاننا، ومناسباتنا تمتزج بالعذاب الذي يفرضه الاحتلال.
أم عدنان تلك اللاجئة التي تصر على الصمود في منزلها في مخيم جنين برغم قيام الاحتلال بهدم أجزاء منه لدى اعتقال ابنها نضال لم تستعد ككل النساء بتجهيز حلوى وكعك العيد، بل توجهت مع ابنائها لضريح ابنها الشهيد اسامة وزينته بالورود, وقالت في صبيحة العيد قبل اربع سنوات استشهد اسامة, وكلما يأتي العيد نتمنى لسنة واحدة ان تعيش اسرتي كباقي البشر والمسلمين، فتارة ابنائي مطاردون، واخرى معتقلون, ونستقبل العيد هذا العام وبيتنا ما زال مهدماً، وشاهداً على وحشية الاحتلال، وبفقدان ابني اسامة الذي قتلوه في العيد بدم بارد, ونضال الذي يقضي حكما بالسجن 17 عاما في سجون الاحتلالـ فأي معنى او فرحة للعيد وسط هذه الظروف القاسية.
استقبلوا العيد مشردين
وبرغم اصرارهم على الصمود في مواجهة عدوان وحرب الاحتلال فإن العبء الاكبر الذي يثقل كاهل الفلسطينيين هو استمرار الحملة الاسرائيلية في مخيم جنين، والواضح كما تقول عائلة حسن الرزي انها لن تنتهي, فقد استولوا على منزلنا وطردونا منه ومنعونا من العودة اليه حتى تنتهي الحملة العسكرية، وتضيف زوجة الرزي لا ادري كيف سنعيش ونستقبل العيد وكل امور ومستلزمات حياتنا محتجزة, وكل الجهود التي بذلت لاخراج الجنود او السماح لنا على الاقل بإحضار ملابسنا فشلت. ويقول رجا ابو الهيجاء "عائلتي تتكون من 11 نفراً، وبعد احتلال الجنود لمنزلنا وطردنا منه لم يبق لنا مأوى, وما يحزنني ان الاحتلال الذي حرمني اثنين من ابنائي استشهدا خلال الانتفاضة الحالية يحرمني من جمع شمل عائلتي، ويحرم اطفالي وأحفادي من فرحة العيد, فأي ظلم اكبر من هذا الذي نعيشه على مرأى ومسمع من العالم، اين العرب والمسلمون، وكيف يرضون لانفسهم هذا الذل والمهانة؟".
عيد وفرحة العيد المسلوبة
ويقول مؤيد العامر ان الاحتلال اغتصب كل معاني الفرح من حياة عائلته، وفرض على زوجته وأطفاله ايام عيد مريرة وحزينة، فقد اصيب ابنه عيد (9 سنوات) بعيار معدني في الرأس اطلقه الجنود عليه داخل منزله، ويضيف كانت امنية ابني عيد ان يشتري العابا وملابس جديدة في العيد فإذا به يتلقى رصاصة تفقده الوعي وتجعله يمكث في المستشفى تحت العناية المكثفة دون معرفة مصيره حتى اليوم الثالث للعيد, ومنذ تلك اللحظة وأشقاؤه يبكون، ورفضوا شراء ملابس العيد من شدة حزنهم, فمن اين يمكن ان نشعر بطعم ومعنى العيد وفلذة كبدي في غيبوبة نجهل مصيره، هذا قدرنا ان يتحكم الاحتلال حتى بأعيادنا.
ساندي وجراح العيد
ولن تحتفل الطفلة ساندي (12 عاما) واشقائها الاصغر منها سنا بالعيد للعام الثالث على التوالي في ظل غياب والدتها قاهرة السعدي في السجون الاسرائيلية حيث تمضي حكما بالسجن المؤبد، وتقول منذ اعتقال والدتي اعتقلوا معها الاعياد والسعادة والفرح، ولم يبق لي ولاخوتي سوى الحزن, وبرغم محاولة اقاربي شراء هدايا وملابس لنا بالعيد رفضناها لانه لا معنى لاي عيد وأمي تقبع خلف القضبان يغتصبون سنوات عمرها ويمنعوننا حتى من زيارتها, وتضيف وهي تبكي "انا حزينة، يا عالم من يقبل ان ينهض صباح العيد فلا يجد أماً تعايده وتجهزه وتهنئه يوم العيد, إنها أسود لحظات حياتي".
ركود ودمار
وتتجلى صورة المعاناة الحقيقية في اسواق جنين التي تفتقد كما يقول التاجر مأمون الاسمر لزحمة العيد وحركة الشراء القوية، فبرغم ان الاعياد تعتبر اهم المناسبات للنهوض والحركة التجارية الا ان الوضع لم يتحسن خاصة هذه الايام حيث تستمر الحملة الاسرائيلية، بينما ادى الحصار لفقدان غالبية المواطنين لمصدر رزقهم، لذلك فإن الوضع لم يتغير في العيد ووقفته، واستمرت حالة الركود والشلل الاقتصادي, وقال التاجر محمود استيتي ان الاقبال على شراء مستلزمات العيد متدنّ جدا, بينما قال ماهر سمودي صاحب معرض ملابس ان مبيعاته في العيد لم تتغير, وخلال اسبوع قال المواطن فارس محمود صاحب نوفوتيه ملابس للاطفال إن مبيعاته لم تتجاوز الـ500 دولار وذلك في ذروة العيد، ويضيف جميعنا تضررنا من الاحتلال الذي يحاربنا حتى في اعيادنا.
الغاء المراسم
ففي مخيم جنين ألغيت كل مراسم الاحتفال بالعيد، واقتصرت على زيارة اضرحة الشهداء، فبعد صلاة العيد توجه الاهالي لمقابر المخيم التي تزينت بصور الشهداء والرايات والاعلام، والتف الاهالي حول اسر الشهداء لمؤازرتهم, وقالت والدة الشهيد زياد العامر قائد كتائب شهداء الاقصى نتذكر اليوم بطولات الشهداء لنشمخ بها ونستمد منها العزيمة والقوة والارادة لنواصل المشوار على عهدهم، لن نفرط برايتهم، وكل فلسطيني يفخر ببطولات ابنائنا. وتضيف لقد تحولت حياتنا لاحزان برحيل الاحبة، ولكن ما يخفف عنا هو التفاف شعبنا حول اهدافهم، لذلك ندعو الجميع للتماسك والوحدة. وقالت والدة الشهيد محمود ابو حلوة قائد كتائب القسام: "في العيد لن ننسى الشهداء وهم دوماً معنا، ولكن مساحات الحزن تكبر عندما تأتي الاعياد ونفتقد الاحبة الذين حرمنا المحتل الغاصب منهم لذلك في العيد نقول لهم إنا على عهدهم باقون، لن نفرط بدمائكم مهما مارس الاحتلال، ففلسطين ارضنا وحقنا وسندافع عنها ونحميها".
الانتقاد/ فلسطينيات ـ العدد 1144 ـ 13 كانون الثاني/ يناير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018