ارشيف من : 2005-2008

الحاجة أم أحمد تتحدى الاحتلال:سلاحكم وقوّاتكم لن تتمكن من التغلب على عصاي

الحاجة أم أحمد تتحدى الاحتلال:سلاحكم وقوّاتكم لن تتمكن من التغلب على عصاي

جنين ـ علي سمودي‏

تمرّدت الحاجة بهية العلي من بلدة عانين غرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة على كل اجراءات الاحتلال القهرية، وهي تصر يوميا على تحدي كل المخاطر للوصول إلى أراضيها او ما تبقى منها: "لأفرض على الجنود مشاهدتي وأنا أقطف ثمار الزيتون وحدي بعدما منعوا افراد عائلتي من مشاركتي بدعوى ان ارضنا التي نمتكلها منذ عشرات السنين تقع في منطقة عسكرية مغلقة لقربها من جدار الفصل العنصري الذي صادر اكثر من مئة دونم بالقوة لاقامة الجدار".‏

أم أحمد والإيمان الأقوى‏

نهضت الحاجة الستينية ام احمد من نومها مبكرا صبيحة يوم السبت كما تقول لأداء صلاة الفجر واستغلال عطلة السبت لدى اليهود "لاجني ما اقدر عليه من خيرات ارضي وابدأ يومي بالدعاء لله ان يخلصنا من اليهود المجرمين، فقد حولوا حياتنا لجحيم بقهرهم وظلمهم الذي تجاوز كل الحدود، وفي صلاتها رفعت يديها متضرعة لله قائلة اللهم ارحمنا وزودنا بالتقوى والايمان وانصرنا على اعداء الله والدين القتلة المجرمين, اللهم أرسل غضبك عليهم وأعْمِ بصرهم وبصيرتهم عن عبادك المخلصين المؤمنين الصابرين, اللهم بجاه سيدنا وحبيبك وحبيبنا محمد رسول الله (ص) احمنا من شرهم ومكرهم وظلمهم, ربنا الكريم القادر المجيب انصرنا على القوم المتجبرين بالارض".. وسجدت أم احمد وقرأت بعض السور من القرآن الكريم وحملت زوادتها وانطلقت للارض لتواجه معركة جديدة مع جنود الاحتلال اصبحت جزءا من حياتها اليومية.‏

المعركة اليومية‏

شقت الحاجة أم أحمد طريقها الطويل سيراً على الأقدام حتى وصلت إلى أرضها حيث اصطدمت مع جنود الاحتلال الذين يرابطون يوميا في المنطقة، وبرغم انتشارهم لم تهب أو تتراجع، وتقول "تقدمت بخطى واثقة وهم يصرخون توقفي ممنوع الاقتراب من المنطقة"، فنظرت للجندي وقلت له: قانونك لا يسري علينا، هذه ارضنا ولا يوجد قوة يمكن ان تمنعني حتى لو اعتقلتموني".‏

التحدي والعنفوان‏

وقفت الحاجة أم أحمد وسط عشرة جنود بكامل عدتهم وسلاحهم بعدما استنفروا، وقالت لهم باستهزاء وسخرية "لن تخيفنا قوتكم وبنادقكم"، فمنذ بداية موسم الزيتون وهي تواجه نفس الاجراءات: جنود يعترضونها ويحاولون إخافتها ولكنها تمكنت من التغلب على حاجز القوة والخوف ونجحت في دخول ارضها، وفي هذه المرة اخرج ضابط القوة اوراقا من جعبته وقال هناك قرار يحظر دخول هذه المنطقة لانها عسكرية وعليك تنفيذ القرار, فصرخت في وجوههم "على جثتي فقط يمكن ان تمنعوني، إنها ارضي ألا يكفي أنكم سرقتم مئة دونم واقتلعتم عشرات الاشجار ماذا تريدون منا, تفرضون الطوق والحصار وتمنعون ابناءنا من العمل وتصادرون ارضنا مصدر رزقنا الوحيد وتتحكمون بما تبقى من أمل لنعيش، ان هذه الارض حقنا والزيتون ملكنا ولن اسمح لكم بمنعي من قطفه مهما فعلتم".‏

"في تلك اللحظات ـ تقول الحاجة أم أحمد ـ ازداد غضبي وحقدي على اليهود القتلة وبدأت أتذكر تلك المناظر المؤلمة عندما حاصروا ارضنا وطردونا منها برغم اننا نملك كل المستندات والوثائق التي تؤكد قانونية وشرعية امتلاكنا لها، ولكن بلحظة وكعادتهم في النهب والسلب والتزوير والاستيلاء على الحق الفلسطيني أغلقوا مئات الدونمات من ضمنها ارضي في منطقة عانين المتاخمة للحدود الفاصلة بين الضفة الغربية وارضنا المحتلة عام 1948, وبرغم رفض الاهالي ومقاومتهم الا ان الاحتلال باشر باجراءات على الارض ادت لمصادرة الاراضي التي اقيم عليها جدار الفصل وما تبقى منها اغلق عسكريا لقربه من الجدار، ويوميا نتعرض للملاحقة واطلاق النار"، وتضيف "لا يوجد جزء في جسدي لا يوجد فيه اثار للجروح التي سببتها المواجهة مع المحتلين او خلال مطاردتهم لنا او اثناء تصدينا لعمليات اقتلاع الاشجار".‏

مجزرة الزيتون‏

"ماذا يريدون منا؟"‏

صرخت الحاجة ام احمد وهي تواصل حديثها لنا بمحاذاة الجنود: "ألا يكفي الأشجار التي اقتلعوها. لقد ارتكبوا مجزرة بحق المئات من اشجار الزيتون الشاهد الحي على فلسطينية وتاريخ هذه الارض, فقد استغلوا الانتشار المكثف للجيش وعلى مدار ايام اقتلعوا الأشجار حيث كنت في طليعة المتصدين لهم".‏

ويروي أهالي عانين أن أم احمد ألقت نفسها أمام الجرافات عدة مرات محاولة انقاذ الاشجار ووقف الزحف الاحتلالي, وبرغم قوة الاحتلال وسرقته مساحات واسعة من الاراضي، فإن ام احمد تواصل خوض معركتها اليومية وهي تقول: "لن اتنازل عن أرضي حتى الرمق الاخير، وسأقاتل من أجل لقمة عيش احفادي وأبنائي".‏

التحدي والشموخ الفلسطيني‏

ووسط ذهول وغضب الجنود شقت أم أحمد طريقها ومرة اخرى انتصبت بأرضها غير آبهة بصراخ الجنود الذين منعوا مراسلنا من التصوير في تلك اللحظات فيما تابعت ام احمد التقاط ثمار الزيتون، وكلما تقدم الجنود لوقفها او اتلاف ما تجنيه وتلتقطه من ثمار تتوجه لشجرة اخرى ليستمر الجدل والعراك عدة ساعات وام احمد تصر على العمل في ارضها, وبالفعل نجحت اخيرا في وضع ما جمعته في كيس صغير كانت تخفيه داخل ملابسها, وعندما حاول الجنود مصادرته امسكت الكيس بيد وعصا كبيرة كانت تحملها في اليد الاخرى واخذت تصرخ هذا الكيس من حقي ولن اعود بدونه ومن يقترب مني سأضربه, كلمات استفزت الجنود الذين استنفروا اكثر وهم يصرخون ممنوع، ولكن الحاجة ازدادت عنفوانا واخذت تلقي عصاها يمنة وشمالا حتى نجحت في مغادرة المنطقة وهي ترسم على محياها ابتسامة الفرح والنصر قائلة "لم تنته المعركة سأعود اليكم غداً ومعي كيس ثانٍ وثالث، فسلاحكم وقواتكم وجنودكم يمكن ان يصادروا الارض ولكنهم لن يتمكنوا من التغلب على عصاي, وارادتي وايماني فهذه عصا الحق في مواجهة الظالم وغطرسته واجرامه, وهذه الثمار من حق اسرتي لتنعم بالخيرات التي وهبها الله عز وجل اياها ولن يحرمها منها هؤلاء الجبناء القتلة".‏

الانتقاد/ فلسطينيات ـ العدد 1143 ـ 6 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-30