ارشيف من : 2005-2008
برغم تدني السقف الفلسطيني الرسمي تبقى الكلمة الأخيرة للشعب الفلسطيني
عرض الرئيس الأميركي جورج بوش أمام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "الأثمان" التي سيعمل على أن يحصّلها له من "إسرائيل" نتيجة "محاربة" السلطة الفلسطينية "الإرهاب"، أي محاربة الفصائل الفلسطينية ونزع سلاحها وتفكيك بنيتها التحتية، مبيّناً ان آخر الأثمان الممكن الحصول عليها نتيجة ذلك هو تفكيك النقاط الاستيطانية العشوائية التي أقامتها الحكومات الإسرائيلية بصورة مباشرة او غير مباشرة على أراضي الضفة الغربية، وهي مجموعة من الكرافانات المتناثرة والمنتشرة على التلال وحول التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة، والتي يجري الاصطلاح على تسميتها بالمستوطنات العشوائية او النقاط غير القانونية، تمييزاً لها عن المستوطنات "الشرعية"!! وبذلك قزم الرئيس الأميركي الثمن الذي يلتزم بتحصيله للفلسطينيين جراء محاربتهم "للإرهاب"، الى لا شيء عملياً.. علماً بأن أصل تفكيك هذه الكرافانات هو مطلب يكاد يجمع الإسرائيليون على وجوبه، من بينهم ِآرييل شارون نفسه، أقله من ناحية إعلامية..
برغم هذا التقزيم يصر البعض الفلسطيني على ان الزيارة قد حققت نتائج! فيما يعرب بعض آخر من الإسرائيليين، وهي مفارقة أيضاً وفي مقدمتهم رئيس وزراء العدو آرييل شارون، عن خيبة أمل من نتائج لقاء "بوش ـ أبو مازن".. اذ يرى (شارون) ان الفلسطينيين قد خرجوا من اللقاء مع شعور بأن لا ضغط عليهم لمكافحة الإرهاب واتخاذ إجراءات فورية تجاهه!
التقزيم الأميركي وعدم الرضا الإسرائيلي برغم "النتائج" التي يراها بعض الفلسطينيين، تتساوق كلها في اصطفاف واحد لتفيد بأن اللقاء أسفر عن لا شيء، إلا أنه يشير أيضاً وبصورة غير مباشرة، الى أن الأميركيين وهم الأقدر على تغيير او تليين الموقف الإسرائيلي اذا شاؤوا ذلك، لا يرون مصلحة في الحراك تجاه الواقع الفلسطيني قبل تنفيذ خطة فك الارتباط، بانتظار ما يمكن ان ينتج عنها من تداعيات على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية جراء تنفيذها.
من خلال التعليقات الإسرائيلية على لقاء "بوش ـ أبو مازن" الرسمية منها وغير الرسمية، يظهر ان التركيز الإسرائيلي في هذه المرحلة يدخل في إطار التقديم والتهيؤ لمرحلة ما بعد فك الارتباط، في عملية ربط يراد منها ان تصبح مسلَّمة لدى الرأي العام الإسرائيلي والدولي (الأميركي) القادرين أساساً على تحريك العملية السلمية مع الفلسطينيين باتجاه أو بآخر.. والربط يتركز حول عدم إمكانية التقدم بالمسيرة السياسية إلا بعد التحقق من نتائج محاربة الإرهاب بحسب المصطلح الإسرائيلي، أي الانتهاء من تفكيك البنية التحتية للفصائل الفلسطينية المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس، وبالتالي إيصال الرأي العام المذكور إلى نقطة لا يقبل معها بأي حديث عن مفاوضات تتعلق بالوضع الدائم: (المستوطنات، القدس، الحدود واللاجئين)، او حتى "تنازلات" وانسحابات أخرى جزئية في الضفة الغربية، إلا بعد الانتهاء من تفكيك البنية التحتية "للإرهاب الفلسطيني".
عملية الربط هذه التي يُعمل على تحقيقها في "الوعي العام"، شبيهة بمقولة "عدم وجود شريك فلسطيني" التي عمل الإسرائيليون على تسويقها بقوة، بحيث أوصلت الواقع الفلسطيني في حقبة الرئيس الراحل ياسر عرفات، بمعية الأميركيين الذين يتساوقون في سياساتهم في المنطقة مع الكيان الإسرائيلي، الى واقع دولي يُعترف فيه بشرعية عرفات مع عزلته، الى ان يصار الى تغييره..
ولا يختلف الإسرائيليون كثيراً في ما يتعلق بعملية الربط هذه، ما بين اليمين واليسار ـ بعيدا عن ثلة المتطرفين من الجانبين ـ لكن الاختلاف هو في حجم التعزيز المطلوب لمكانة "أبو مازن"، عبر سلسلة من التقديمات التي تهيئ له الأرض لتنفيذ المطلب الإسرائيلي. فبينما يرى شارون ان هذه "التقديمات" يجب ان تتقزم في إطار توفير البيئة المطلوبة لاستمراره في السلطة، يرى آخرون (ومعظمهم من اليسار والمعلقين الأساسيين في الإعلام الإسرائيلي)، وجوب توسعتها باتجاه تعزيز هذه المكانة لدى الجمهور الفلسطيني، وتحديداً عبر سلسلة من التنازلات التي توظف في مصلحته، ويجري العمل على تسويقها لدى هذا الجمهور كمتأتٍ منطقي للسياسة التي يطرحها كخيار آخر غير المقاومة المسلحة للفصائل الفلسطينية المختلفة، وفي طليعتها حركة حماس..
يتباين المطلبان الإسرائيليان المذكوران هنا في النتائج التي يوفرها حراك "أبو مازن" بما يتعلق بالتسوية السياسية.. فبينما يرى قسم من الإسرائيليين أنها مقدمة لعودة انطلاق المسيرة السياسية باتجاه إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، يرى شارون أنها يجب أن تؤدي إلى تقطيع الوقت والتسويف إلى آجال غير محددة، ما دامت مقومات القوة الفلسطينية لم تعد موجودة، ما يعني بالنسبة الى شارون تأجيل المسيرة السياسية وقضايا الحل الدائم.
برغم ذلك، من المفيد الإشارة الى ان الإرادة الإسرائيلية لا تكفي بتوجيه الواقع وبلورته بما يحقق مصالحها، اذ ان هناك عاملاً أساسياً يتمثل في الإرادة الفلسطينية أيضاً، برغم التباين في الامكانيات والتحيز الأميركي الواضح لمصلحة "إسرائيل"، إلا أن هذا العامل لا يمكن ان يفعل باتجاه تحقيق المصلحة الفلسطينية، إلا في التشبث بمقومات القوة الفلسطينية، وفي مقدمتها البنية التحتية للمقاومة.
يحيى دبوق
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018