ارشيف من : 2005-2008

أربع مجازر في أسبوعين:العدو يغتال طفولة الحياة في غزة

أربع مجازر في أسبوعين:العدو يغتال طفولة الحياة في غزة

غزة ـ عماد عيد‏

صرخات هدى غالية التي لا تزال تصم الآذان في كل بقاع الأرض لم يصل مداها إلى آذان الطيارين الإسرائيليين في تل أبيب، ولا إلى أركان قيادة حرب العدو، ولا حتى إلى أي آذان أخرى، وربما كان سكوت تلك المنظمات والدول التي تزعم دفاعها عن حقوق الإنسان كأنه الضوء الأخضر لكيان العدو لاستكمال ما بدأه.. فالصواريخ الصهيونية أصبحت لا تعرف إلا اصطياد الأجساد الفتية من شوارع غزة، الأسماء تتغير لكن الحزن والدموع والآهات هي فقط ما يتبقى في بيوت الفلسطينيين بعد وداع الأحبة..‏

"سامية كانت تتمنى أن تذهب للبحر.. لكن صرخات هدى أرعبتها ودفعتها للتوقف عن هذا الطلب.. كانت تفكر أن البقاء في البيت قد يمنع عنها الموت.. سامية ماتت ولم يبق منها إلا رائحتها أشمها في حضني ومريول المدرسة التي لن تذهب إليها، وصورتها وشهادة الروضة التي أنهتها".‏

هذه شهادة فلسطين الشريف أم الطفلة سامية (ست سنوات) التي مزق جسدها صاروخ إسرائيلي صنع ليقتل الطفولة والحياة في غزة.. سامية لم تغادر منزلها منذ أيام، فأين يمكن أن يذهب الأطفال إذا كان الشاطئ غير آمن.. سامية ذهبت لشراء "ساندويتش فلافل" من مطعم قريب، وفجأة تغير كل شيء، جسدها طار في الهواء وحط في المطعم الذي كانت تقف على بابه، والجيران نقلوا الجثة إلى المشفى، أما الأم فتخيلت كل شيء إلا استشهاد ابنتها "اعتقدت أنها وقفت لتشاهد ما يجري لكن قلبي دق فجأة فجريت إلى مشفى الشفاء وشاهدت سامية التي كانت تلبس ملابس جديدة استعدادا لحضور فرح أحد أقاربنا غارقة في دمائها.. سامية لم تذهب للفرح ولن تذهب للمدرسة".‏

وعلى بعد أمتار قليلة كان بيت عزاء آخر في غزة للطفل محمد جمال روقة الذي كتب الله لوالده العودة من الإمارات قبل يوم واحد فقط ليضم ولده إلى صدره بعد غياب سنوات.. محمد (خمسة أعوام) تمتع بزيادة مصروفه اليومي بعد عودة والده، وذهب ليشتري الحلوى في ذلك المساء الذي انتهى بالقتل والدماء والأشلاء.. محمد وصل إلى المشفى حياً ومات بين يدي والده: "لم أستطع أن افعل له شيئا سوى أن أحضنه.. أحضن حبيبي الذي لم تشبع عيناي من رؤيته".‏

ثلاث مجازر عاشها الفلسطينيون في الفترة الممتدة بين التاسع من حزيران/ يونيو حيث قتل جيش الاحتلال سبعة فلسطينيين من عائلة غالية، هم الأب والأم وخمسة من الاطفال، ثم تربص الموت بأوامر صهيونية بعائلة المغربي التي فقدت الوالد واثنين من أبنائه مع أربعة من المسعفين الذين انتقلوا سريعا من مشفى محمد الدرة "أول شهيد سقط أمام عدسات المصورين في الانتفاضة وهو يستنجد بأبيه"، لكن الصواريخ الاسرائيلية وبفارق سبعة ايام فقط لاحقت قائد كتائب الاقصى عماد ابو حمد واصابت ثلاثة اطفال هم محمد روقة وبلال الهسي وسامية الشريف، وما كادت غزة تلملم جراحها وتخرج في وداع الثلاثة الا وأصوات الصواريخ تدوي من جديد في جنوب القطاع ليتكرر المشهد: تسعة أفراد من عائلة احمد كانت تجلس حول مائدة خشبية صغيرة للطعام .. الصاروخ سقط على العائلة فقتل الأم فاطمة وشقيقها الطبيب زكريا وأصيب خمسة أطفال من العائلة بينهم اثنان في حال الخطر الشديد، والمبرر الصهيوني الذي لم يعد العدو بحاجة إلى تقديمه كان جاهزاً.. وقع خطأ وسنفتح تحقيقاً في الحادث.‏

وما بين صرخات محمد الدرة ووالده في اليوم الثالث من انتفاضة الأقصى وصرخات هدى غالية في العام السادس من الانتفاضة، وما تلاها من صرخات لأطفال فلسطين، سقط نحو تسعمئة وسبعة وثلاثين طفلاً برصاص الجيش "الاسرائيلي" وصواريخ طائراته وقذائف دباباته على مرأى ومسمع العالم أجمع.‏

الانتقاد/ تحقيق ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006‏

2006-10-30