ارشيف من : 2005-2008

حملة لاعتقال زوجات وأمهات المطلوبين:فداء على أهبة عرسها مكبلة بالقيود وتستبق الرصاص إلى "عريسها"

حملة لاعتقال زوجات وأمهات المطلوبين:فداء على أهبة عرسها مكبلة بالقيود وتستبق الرصاص إلى "عريسها"

رام الله ـ ميرفت صادق‏

قالت فداء، شابة في التاسعة عشرة من عمرها: "بعد اليوم لا أريد زفافا ولا ثوب عرس ابيض.. أريد استباق الرصاص إليه، بلا بيتٍ ولا عرسٍ"، واستدركت: "كنت اتمنى لو أنني عشت حياة متصلة يوما، لا يشوبها التقطع والانتقال من بيت لآخر، ولا من خوف لآخر.. لكنها حياتنا..".‏

هذا ما خرجنا به من انفاس فداء المتقطعة بعد يوم اعتقال طويل، بتهمة غريبة مستجدة... قالوا لها:" أنت مخطوبة لرجل إرهابي..."، وهددوها: "سنقتله أمامك ولن تعيشي فرحة الزواج منه..".‏

عاشت "فداء درّس" يوم السبت 29/4/2006، حدثا من الخوف والرعب الصامت، حتى عادت لتقف امام ذاك الرجل، وتصب أكثر دموعها حزنا عليه. ومنذ ما يزيد عن أسبوع تكرر المشهد غير مرة، بين صفوف أهالي المطاردين الفلسطينيين الذين اعتادوا حياة الملاحقة منذ سنوات طويلة... حين بدأ جنود بوجوه ملوثة، اقتحام المنازل الفلسطينية واقتياد الأمهات والزوجات، أمام أطفالهن الى الجيبات العسكرية، تحت ذريعة كونهن قريبات لمطاردين ومطلوبين للمخابرات الصهيونية، وقد اعلنها المحققون أمامهن صراحة: "إما أن يسلموا أنفسهم، وإما الويلات لكنَّ والتشريد لأطفالكن..".‏

وسيعيش المطاردون في ظل ساعات اعتقال قريباتهن وترهيبهن وقتا عصيبا على أهبة الموت لأجل: "عيون أمي"، كما قال أحدهم "محمد القطاوي" من مخيم بلاطة. ولكن دونما تراجع ولو للحظة، كما أكد أيضا.‏

على الحاجز .. أوقفوها‏

وتروي فداء درّس خطيبة المطارد محمد القطاوي، حادثة اعتقالها مع والدته، والتنكيل بها، في محاولة كما قالت: "لثنيه عن التخفي وتسليم نفسه لهم".‏

أعدت نفسها منذ ساعات الصباح الباكر، للقيام برحلة بعيدة بعض الشيء.. إلى مدينة جنين، حيث يحتفل بعض اقارب خطيبها بزفاف ابنهم، برفقة والدة محمد وعدد من اشقائه وشقيقاته.‏

تضيف: "عندما وصلت الى حاجز بيت إيبا غرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية"، صادر الجنود بطاقة هويتي على الفور، وقاموا باحتجازي على عجل، "حتى هذه اللحظة، لم تفهم فداء ما الذي يجري ولماذا تم احتجازها".‏

وبعد سلسلة اجراءات، وضعت فداء في زنزانة صغيرة، بعد ان تعرضت للضرب والإهانة.. "أسمعوني شتائم نابية وهددوا بقتلي دون ان يخبرني احدهم عن سبب احتجازي" تقول فداء..وتضيف: "بعد اكثر من ساعتين وقد بدأت هذه العملية قرابة الثامنة والنصف صباحا، بدأ احدهم التحقيق معي، حول الاماكن التي اتوجه اليها يوميا، والأشخاص الذين اعرفهم، وأقاربي، وكنت دوما اجيب ب "لا اعرف"، ولم يهزني صراخ مجنداتهم وضرباتهن".‏

وفي احدى أوقاتها ظنت فداء، وهي ايضا شقيقة المطارد فؤاد درّس، أنها قد تكون في حالة اعتقال بسببه، وراحت في مخيلتها تستذكر الأخ، وسلسلة الشهداء والاعتقالات التي تعرضت لها عائلتها...حتى صاح بها احدهم، "هل لديك رقم هوية محمد؟"، "وعندها أدركت المقصود" تقول، حيث ان المستهدف من اعتقالها، والتنكيل بوالدة خطيبها التي كانت برفقتها هذه المرة هو خطيبها المطارد من كتائب شهداء الأقصى" (محمد قطاوي 24 عاما)، وقد مضى عليه 4 سنوات رفيقا للسلاح دون اهله وبيته "وقطعة روحه فداء"...‏

لن نرمي السلاح..‏

ومنذ الثامنة صباحا وحتى الرابعة والنصف عصرا ظل الجنود يحققون معها حول تحركاته واماكن وجوده، وأرقام جوالاته وأصدقائه واسمائهم..، عاش قطاوي ساعات من مد التوتر، وجزر العزيمة على الانتقام "إذا ما مس أحدهم أمي أو خطيبتي بسوء" كما قال.‏

وعندما خاطبناه بالقول: ألم يستدعي الأمر منك، أو من أحد زملائك الذين اختطفت امهاتهم وزوجاتهم من بيوتهن، للضغط عليكم... خطوة للوراء ربما، أو تفكيراً ولو لبرهة في ان تسلموا أنفسكم، وتقوا أهليكم "شر العذاب"؟... قال "القطاوي": لم أكن لأرمي سلاحي مهما حدث، انا مطارد منذ 4 سنوات، وأعلم أنني في سبيل هذا سأواجه المصاعب، ولأجل عيون امي وروحي فداء... لكنني لن أرمي سلاحي، ولن يفكر احدنا في تسليم نفسه...إن كانوا رجالا ليواجهونا في ساحات المعارك، لا أن يعتقلوا امهاتنا وزوجاتنا للضغط علينا...، وأضاف: "أمي وزوجتي، وامهات غيري وزوجاتهم...وان تم اعتقالهن فهو حادث وينتهي، لكن لن يفت في عضدنا...".‏

7 حالات.. في أسبوع‏

وخلال قرابة الأسبوع تعرضت اكثر من 7 أمهات وزوجات، وهن قريبات لمطاردين مطلوبين لسلطات الاحتلال "في مدينة ومنطقة نابلس بالتحديد"، للاعتقال من بيوتهن وعلى الحواجز، وعدد منهن تعرض للاعتقال اكثر من مرة، بهدف الضغط عليهم لتسليم أنفسهم، وحتى الآن لم تنجح هذه السياسة في تلبية الغرض منها، وكما يضيف القطاوي وزملاؤه: "واجهنا الموت مرات عديدة... لن تضيف هذه الحملة لرصيد معاناتنا سوى القليل".‏

ترتيبات لعرس في الأحلام‏

وخلال الشهر القادم، تستعد فداء وخطيبها محمد للزواج، بعد أكثر من عام ونصف على خطوبتهما، وعندما سألناهما عن ترتيبات هذا الزواج، في ظل حالة التخفي التي يعيشها "العريس"، وحالة الخوف عليه التي تنتاب "العروس"، تقول فداء: "لقد هددني الجنود أنهم سيقتلونه قبل الزواج، أو حتى ربما يوم "العرس"، وقال لي أحدهم: "ربما ستقتلين معه، لذلك ننصحك بالابتعاد عنه"، "لكني لن افسخ خطوبتي به، وسنستمر في الترتيب للزواج"، تضيف. وإن كانت تحلم اليوم، أن يهبها محمد "كفاف فرحها" دون "ثوب أبيض ولا زفة"، مجرد اللقاء بعيدا عن بنادقهم سيكون كافيا بالنسبة لها.‏

وقد اختصر القطاوي ترتيبات عرسه بالقول "ربنا المعين، وعليه الاتكال، وسنتدبر الأمر".‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1160 ـ 5 أيار/مايو 2006‏

2006-10-30