ارشيف من : 2005-2008

خطب مؤتمر هرتسليا السادس: تسابق إسرائيلي على اللاءات والتطرف

خطب مؤتمر هرتسليا السادس: تسابق إسرائيلي على اللاءات والتطرف

تحول مؤتمر هرتسليا السادس لهذا العام في الكيان الإسرائيلي، كما هو كل عام تقريبا، إلى منبر اعلاني خاص يعمد من خلاله الساسة والعسكريون الإسرائيليون، ومن بينهم رئيس الحكومة ووزراء الحرب والخارجية والمال، إضافة إلى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقادة الأجهزة الأمنية، إلى اعلان نياتهم وخططهم وتقديراتهم المختلفة بما خص كل التحديات القائمة والمحتملة للعام القادم. والمؤتمر هو مناسبة أيضا للعديد من الشخصيات والأطراف في مركز القرار وخارجه أيضا، لتسويق طروحاتها وأبحاثها ورؤاها في المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية والعلاقات الخارجية. وليس أقل دلالة على ذلك ان منظم المؤتمر "مركز هرتسليا المتعدد المجالات: المعهد للسياسة الاستراتيجية ـ مؤتمر هرتسليا" قد اختار عنوانا لمؤتمره السادس لهذا العام أيضا هو: "ميزان المناعة والأمن القومي لإسرائيل ـ 2006".‏

أهمية المؤتمر هي في ان جلساته تتناول كلمات ومداخلات وأوراق بحث يغلب عليها الطابع الاستراتيجي التي تناقش التحديات المركزية والاستراتيجية الإسرائيلية المختلفة وسبل مواجهتها، بما يفيد في معرفة اتجاهات التفكير الإسرائيلية إزاءها. وأبرز العناوين المطروحة على جدول أعمال المؤتمر يمكن تحديدها بالتالي: تقويم الأمن القومي للعام 2006، الاتجاهات الاقتصادية والديموغرافية في "إسرائيل"، الأبعاد الاستراتيجية لتحوّل إيران إلى قوة نووية، مكانة "إسرائيل" في أوروبا والولايات المتحدة ومستقبل علاقاتها معهما، القدس، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، اليهودية ومستقبلها عالميا.‏

مع انتهاء أعمال المؤتمر يمكن الوصول إلى خلاصة من مختلف المداخلات وأوراق العمل التي طُرحت فيه، ان "إسرائيل" لم تخرج من الإطار العام الذي يحكم قراراتها وتطلعاتها، وهو إطار حاكم وجامع كمنطلق لكل السياسات والمخططات التي يطرحها الإسرائيليون بشكل عام، وهو المتمثل في أن الأمن والتوسع فوق أي اعتبار، وهو ما يحدد السياسات والاستراتيجيات، بما يشمل الإجراءات التكتيكية أيضا، إلى درجة ان من يرفض العملية السياسية مع الفلسطينيين يتذرع بالأمن، وأن من يعمل عليها وإن برؤيته الخاصة، يتذرع بالأمن أيضا.. إلا ان ما طرأ على المؤتمر الحالي، هو قربه من الانتخابات العامة للكنيست الإسرائيلي، الأمر الذي ألقى ظلاله على مداخلات الشخصيات المرشحة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية. فما الذي برز في المؤتمر من كلمات ومداخلات اللاعبين الأساسيين في الساحة السياسية الإسرائيلية:‏

إيهود أولمرت: جرى اعتبار خطاب أولمرت الخطة السياسية لحزب كديما، على الرغم من أنه حرص على عدم إثارة نقاط وعناوين "تفجيرية"، وحرص على عدم تناول التفاصيل، لكنه أوضح أنه يفضل ان تسعى "إسرائيل" إلى اتفاق مع الفلسطينيين إذا ما وفوا "بالتزاماتهم" في خارطة الطريق. وهو تعبير أدرجه آرييل شارون في القاموس السياسي الإسرائيلي الحالي، ويعني ان على "أبو مازن" والسلطة الفلسطينية ان تجرد الفصائل الفلسطينية من سلاحها وتفكك بنيتها التحتية.. وإذا لم ترد أو لم تستطع السلطة القيام بذلك، فإن "إسرائيل" ستضطر إلى أن تحدد حدودها بنفسها، لكن مع ضوابط أكدها أولمرت وهي: الإبقاء على القدس عاصمة موحدة وأبدية للدولة العبرية، تحديد الحدود الدائمة لـ"إسرائيل" وفقا لهدف ضمان الغالبية اليهودية فيها، إبقاء السيطرة الإسرائيلية على المناطق الأمنية والكتل الاستيطانية والأماكن التي تحمل "دلالات قومية عليا" للشعب اليهودي، وهو بذلك عمليا يحدد ان "إسرائيل" ستتحرك لتحديد حدودها من جانب واحد وفقا للمفهوم القائم على "أكبر مساحة ممكنة من الأرض وأقل عدد ممكن من العرب"، وبذلك يترك للفلسطينيين المدن والمناطق المبنية ويستولي على ما تبقى منها. وهذا بالتحديد ما كان آرييل شارون يرمي إليه.‏

اللافت ان أولمرت ابتعد في خطابه عن تحديد كيفية تصرف "إسرائيل" اذا فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، كما انه لم يذكر التهديد النووي الإيراني على "إسرائيل" والحدود الشمالية.‏

بنيامين نتنياهو: أكد نتنياهو كرئيس لحزب الليكود ومرشحه لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، ان على "إسرائيل" ان تحرص على تقليص الاحتكاك مع الفلسطينيين، ونقل جدار الفصل شرقا ليشمل مزيدا من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. كما شدد على وجوب الإبقاء على القدس "الموسعة" وعلى معارضة قاطعة للانسحاب إلى حدود 1967، مع الإبقاء على غور الأردن، صحراء الضفة، الكتل الاستيطانية والمناطق المشرفة على السهل الساحلي في أراضي العام 1948. وبرغم كل ذلك وهذه اللاءات، قدم كرم نتنياهو ما اعتبره حلولا وسطا، في أنه لن يعود إلى السيطرة على التجمعات السكانية الفلسطينية.. مشددا على أن أي انسحاب يجب ان يكون بالاتفاق، فهو يرفض الانسحابات أحادية الجانب!..‏

عمير بيرتس: كمرشح عن حزب العمل لرئاسة الحكومة، اعتبر خطاب بيرتس في هرتسليا رؤية سياسية لحل القضية الفلسطينية التي رحّلها إلى العام 2010، بقصد الوصول إلى إخلاء الضفة وتوقيع اتفاق دائم مع الفلسطينيين! عارضا على المستوطنين تعويضا لمن يخلي "منزله" في الضفة، وذلك في إطار خطة أسماها "خريطة الطريق الأخلاقية"!!..‏

وبحسب بيرتس، فإن حزب العمل سيعمل على إضافة مضمون جديد لخارطة الطريق وإحراز اتفاق دائم، وهو ينوي "التنازل" في الضفة الغربية، لكن لن يعود إلى خطوط العام 1967، وسيبقي السيطرة الإسرائيلية على ما أسماها "الكتل الاستيطانية الكبيرة".. لكن اذا استمر الجمود فإن العمل سيدرس انفصالا أحادي الجانب، خاصة من المستوطنات المعزولة.‏

يبدو ان القوس السياسي في "إسرائيل" مجمع على عدم إبقاء السيطرة الإسرائيلية على التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية، باعتبارها عبئا كبيرا له تداعيات ممتدة على الكيان الإسرائيلي، انطلاقا من كونه خطرا ديموغرافيا وأمنيا. وبالتالي يجمع كل الأطراف على ضرورة التخلي عنها، بل إن الجميع ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ أصبح موافقا على تسمية الكيان السياسي المسؤول عن هذه التجمعات بالدولة الفلسطينية مع مقومات دولة أو عدمها.. وفي الوقت نفسه يصر الجميع على إبقاء الكتل الاستيطانية في أيدي "إسرائيل"، إضافة إلى القدس، ما يعني أن الكرم الإسرائيلي مختلف فيه إسرائيليا في أجزاء بسيطة مما تبقى من الضفة الغربية، بعد أن التهمت المستوطنات معظم أراضيها.‏

يحي دبوق‏

اقليميات/ العدد 1146ـ 27 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-30