ارشيف من : 2005-2008

فوز حماس رافعة للمقاومة أم كابح لها؟

فوز حماس رافعة للمقاومة أم كابح لها؟

كتب يحيى دبوق‏

سقط انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية سقوط الصاعقة على الساحة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وكان له وقع المفاجأة الذي أدى إلى إرباك وتشويش في ردود الفعل الإسرائيلية التي ما زالت تداعياتها ممتدة حتى الساعة، الأمر الذي أدى إلى تشظي المواقف والرؤى المختلفة التي امتزجت ابتداءً بالخشية والقلق من مستقبل ساحة مواجهة تكون فيها حماس مشاركة بشكل رئيسي في القرار السياسي والعسكري في الساحة الفلسطينية، وبهذا الصدد تتعدد السيناريوهات الإسرائيلية المتشائمة ازاء ما يمكن عليه الوضع داخل فلسطين وخارجها..‏

وإذا كان رد الفعل الابتدائي قد تحرك بشكل عفوي رافضا الواقع الجديد المتبلور، الا ان البيِّنات الأخيرة تظهر ان الإسرائيليين بدأوا يعيدون النظر إلى "الزلزال" الانتخابي الفلسطيني بنظرة أكثر شمولية، في محاولة لتلقي الصدمة والبناء عليها، إن لم يكن في اتجاه تحويرها لمصلحة "إسرائيل"، على صعوبة ذلك لقلة الخيارات المتاحة، فأقله لتخفيض سقوف الخسائر التي مسّت بالمصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية العامة، لكون الحدث الفلسطيني هو حدثا استراتيجيا بامتياز، ينطوي على إمكانية إعادة المسار السياسي إلى الوراء أكثر من عقد من الزمن.‏

وعلى هامش انتصار حماس، وربما في أساسه أيضا، يمكن القول بثقة إن الشعب الفلسطيني قد أثبت خطأ المقاربة الإسرائيلية الأمنية التي رددها الإسرائيليون في الآونة الأخيرة، من أنهم استطاعوا هزيمة الفلسطينيين و"كي الوعي" لديهم، برغم حذرهم من ذكر العبارة مباشرة. فالكم الهائل من العمليات الإسرائيلية والاغتيالات والاعتقالات والتضييق والحصار خلال السنوات الخمس من عمر انتفاضة الأقصى، لم تحرف الفلسطينيين عن خياراتهم المحقة أو تعد ترتيب أولوياتهم، الأمر الذي يظهر مدى حجم مكانة الحقوق الفلسطينية لدى الشعب الفلسطيني، التي لا تستطيع كل الممارسات الإسرائيلية برغم قساوتها أن تحتويها.‏

يبدو من سيل التهديدات والضغوط التي انهالت بعد فوز حماس ان "إسرائيل" ومن ورائها الدول الغربية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، وجدوا أنفسهم أمام واقع جديد يعيدهم إلى نقطة توهموا فترة من الزمن أنهم قد تجاوزوها، وهي مسألة التسليم بوجود "إسرائيل"، وهو ما يطرح تساؤلات حول موقع هذا الحدث من مسار التسوية!..‏

قد نجد العديد من التقديرات الإسرائيلية والغربية التي تراهن على إمكانية تكرار السيناريو الذي حصل مع منظمة التحرير الذي بدأ بتبني المرحلية عام 1974 وانتهى بأوسلو عام 1993، عبر اعتماد سياسة تطويع حماس تمهيدا لاحتوائها..‏

وبهذا يمكن لمتبني هذه الرؤية الاستعانة بإشارات الواقعية التي أرسلها ويرسلها قيادات حماس.. إلا ان النقطة الأهم الواجب التركيز عليها هي: هل المحتوى الديني لحماس يسمح لها بالتنازل عن ثابتة عدم إسباغ الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عبر الاعتراف بوجودها وبأمنها مهما بلغت حدود المناورة تحت هذا السقف، خاصة انها الحركة التي نشأت ونمت على خيار المقاومة وتبني الإسلام عقيدة ومنهجا؟‏

اما بالنسبة الى المقاومة، فما لا يمكن إنكاره أن سيطرة حماس على المجلس التشريعي وبالنتيجة على الحكومة، سيؤثر بشكل أو بآخر على أدائها المقاوم، لكون هذا المستجد قد يفرض عليها أخذ بعض الاعتبارات الجديدة بالحسبان لدى اتخاذ أي موقف على صعيد السماح أو تفعيل أو المشاركة في المقاومة، وهي اعتبارات كانت حماس في السابق متحررة منها.‏

لكن المشكلة الكبرى هي أنه اذا أُسقطت هذه الاعتبارات المستجدة بوصول حماس إلى السلطة على بقية فصائل المقاومة بحجة أنها تربك حركتها وتؤثر على أدائها، وبالتالي قد تؤدي إلى إفشالها، وهو نفس ما كانت تردده السلطة بقيادة فتح إزاء العمليات الجهادية التي كانت تشنها حركة حماس سابقا.‏

لكن في المقلب الآخر، فإن حركة حماس في نهاية المطاف ـ مع التشديد على نهاية المطاف ـ لا تستطيع ان تمارس أداء الحكومة السابقة نفسه، لكونها محكومة بشعار الهدنة طويلة الأمد بعد انسحاب "إسرائيل" إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 وإزالة المستوطنات وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، بديلا عن "السلام" وأوسلو الذي تعتمده حركة فتح. ويبقى أيضا حاضرا ان ما عُرض على ياسر عرفات في كامب ديفيد 2000 ورفضه لا تستطيع حماس ان تقبله، فكيف بما دونه!..‏

وعليه، فإن فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية يشكل محطة ومنعطفا تاريخيا في حركة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد يؤدي إلى تغيير المسار السياسي الإقليمي برمته، ويضع اللبنات الأولى لمسار جديد ينطلق من الهدنة كحد أقصى يمكن تقديمه للعدو في مقابل انسحابه إلى ما قبل خطوط العام 1967، أو يطلق العنان لمسيرة المقاومة بعد الإجهاز على ما تبقى من أوسلو، أو نجاح الاستراتيجية الجديدة التي يبدو أن الإدارة الأميركية بدأت تراهن عليها، وهي بلورة تيار إسلامي بخطاب سياسي "معتدل" ـ بمفهوم الإدارة الأميركية ـ تواجَه عبره التيارات الإسلامية والقومية الأخرى التي ترفع راية استنهاض الأمة على طريق التحرير..‏

انها محطة تاريخية بامتياز من حيث المحتوى والأبعاد والنتائج، فأي مسار ستسلكه الأوضاع في المنطقة؟‏

الانتقاد/ ملف ـ العدد 1147 ـ 3 شباط/ فبراير2006‏

2006-10-30