ارشيف من : 2005-2008

حماس وخيارات السلطة:مواجهة التهديدات الخارجية وفساد الداخل

حماس وخيارات السلطة:مواجهة التهديدات الخارجية وفساد الداخل

غزة ـ عماد عيد‏

يبدو المشهد الفلسطيني بكل تفاصيله غامضا كما لم يكن كذلك من قبل، ولم تفلح التصريحات الحماسوية الأكثر مرونة في اجلاء الصورة او تقديم اجابات عن مئات بل آلاف الاسئلة التي تجري على ألسنة الفلسطينيين بكل تلاوينهم.. حتى المراقبون والمحللون لم يتمكنوا مع متابعتهم للوضع وتطوراته بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات وفوز حماس الساحق فيها، لم يتمكنوا من التوصل الى تصور يجيب عن الغالبية من هذه التساؤلات، وبالتالي يفضل المجموع الفلسطيني بما في ذلك المحللون الانتظار والتريث حتى يتم تقديم الاجابات، على الرغم من محاولات الفهم المستمرة..‏

فحماس تحاول من خلال مجموعة من التصريحات على لسان الرجل القوي فيها رئيس المكتب السياسي خالد مشعل وعلى لسان رئيس قائمتها الانتخابية اسماعيل هنية والدكتور محمود الزهار انجاز هدف هو الاهم من وجهة نظر قيادة حماس في هذه المرحلة، وهو اشاعة جو من التطمين في الاوساط الفلسطينية اولاً، والوسط العربي والاسلامي ثانياً، والوسط الدولي ثالثاً، وذلك في مقابل حملة التشكيك والتهويل وسرد العقبات والتخويف من القادم المجهول. وقد تمكنت حماس من اشاعة جو تطميني الى حد ما حتى الان بدرجة حافظت على الامل في الاوساط الفلسطينية بإمكانية اجراء تعديل جوهري ونوعي على الحياة الفلسطينية، ووضع حد للفساد المستشري في اجهزة ومؤسسات السلطة الفلسطينية، ولكن من دون رسم الخطوط العريضة لحكومة تشكلها حماس في المستقبل القريب بانتظار وصول الرئيس الفلسطيني الى غزة، الذي فضل القيام بجولة مع اطراف عربية اولاً قبل تكليف حماس.‏

فحديث قيادة حماس عن انفتاح اقتصادي وتعامل بواقعية مع الاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية وتوفير الامن والاستقرار للمجتمع الفلسطيني ومكافحة المظاهر السلبية التي رسختها السنوات الأخيرة، كل ذلك لم يكن كافيا للرد على تساؤلات الفلسطينيين الذين تتبعوا الرسائل الاقتصادية التي وجهها الشيخ هنية، والتي طالب فيها بهجوم اقتصادي على غزة.‏

هذه التصريحات التي خاطبت اللجنة الرباعية ودعوتها لفتح حوار بدون شروط لم تشكل جواز سفر لحركة حماس للدخول في النظام السياسي العالمي الذي تتحكم فيه اميركا في المرحلة الراهنة على الاقل، وهو ما تحاول حماس الوصول اليه، لكن برأي المراقبين ستصبح كل التفاصيل المطروحة كمعضلات ومشكلات امام حركة حماس في المرحلة الراهنة، والتي تليها. ولكن كما يعتقد الناس والمراقبون فإن كل هذه المشكلات تنبثق عن مشاكل جوهرية تتعلق بالموقف من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الاميركية، إذ أن على حماس ان تقرر من الآن، وأن تحدد الى اي مدى ستكون قادرة على ابداء المرونة تجاه قضايا تعتبر هي الحكم الاساس على العلاقة مع هاتين الجهتين، وحتى الحكم على مدى نجاح حماس في مواجهة كل تلك المعضلات. فهل تستطيع حماس ان تعلن اعترافها بالكيان الصهيوني، وهل تستطيع ان تغير ميثاقها الذي يدعو الى تدمير دولة الكيان، واعتماد الكفاح المسلح كوسيلة لاستعادة فلسطين من البحر الى النهر؟ وبعد ذلك تليها تساؤلات اخرى تتعلق بإدارة الحركة للمرحلة في هذه المناخات السياسية القائمة، وكيف ستتصرف مع الكوادر والاداريين الممسكين بمؤسسات السلطة الفلسطينية ـ وهم من حركة فتح ـ والتي استشرت فيها ثقافة الفساد والترهل والبطالة المقنّعة، والى اي مدى ستتمكن حماس من تأمين الدعم اللازم للانفاق على كل هذه العملية وتوفير رواتب عشرات الالاف من الموظفين في الاجهزة الامنية والمدنية للسلطة الفلسطينية، وتأمين المشروعات التطويرية والاستثمار في الاراضي الفلسطينية وسط التهديدات الغربية بقطع المساعدات المالية عن السلطة؟ والى اي مدى ستتمكن حماس من اقناع فتح والجهاد الاسلامي وبقية الفصائل والاجنحة المسلحة بمساعدتها في ادارة الامور في البلاد او على الاقل اعطائها فرصة..‏

النظرة السائدة اليوم بأن حماس ستتمكن من اقناع غالبية الفصائل في منحها فرصة بهدنة على الارض لتوفير الاجواء اللازمة للبدء في اي خطة محلية كانت او اقليمية ودولية، وهذا ما لن تمانع به الفصائل ،ولكن بشرط التزام اسرائيلي وهو الامر غير المضمون، وبالتالي تبقى الاجابة افتراضية، واعطاء الفرصة نظري، فقط لان "اسرائيل" تشكل لاعبا اساسيا باعتبارها المتحكم في الحدود والامن والمعابر وغيرها. وفي المقابل فإن حماس ستبدأ بشرح سياستها الى العالم العربي والاسلامي، وبحسب معلومات مطلعة فإن شخصية فلسطينية هامة غادرت فعلا الى اميركا حاملة رسالة من حماس لشرح مواقف الحركة من القضايا المطروحة، وبالتالي الامر ينطبق مع بقية بلدان العالم.‏

ولكن يعتقد غالبية المحللين ان اميركا و"اسرائيل" لا تكتفيان في هذا السياق بالتصريحات والتطمينات، وانما تنظران الى الخطوات العملية، ومنها اعتراف حماس صراحة بالعدو والكيان الصهيوني، وإلغاء الميثاق، وتفكيك الجناح المسلح كشرط اساسي للتعامل معها على الصعيد الدولي، ومنحها فرصة لقيادة المرحلة في الاراضي الفلسطينية تماما كما حصل مع حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما لا تطيقه حماس في هذه المرحلة برغم كل المرونة التي تبديها والمستعدة لإبدائها ايضا، وهو ما يعني العودة الى مربع الصفر في التحليل..‏

على ان الداخل الفلسطيني يحتاج ايضا الى جهود مضنية قبل ان يستتب لحماس اولا لان العدو الصهيوني لاعب اساسي في المعادلة القائمة، ولأن المجتمع الدولي هو الجهة الممولة لكل المشروعات الاقتصادية باعتبار ان الاقتصاد الفلسطيني لا يملك مقومات البقاء بدون الدعم والهبات، وثالثاً لان فتح الان غير مستعدة تحت مرارة الهزيمة غير المتوقعة ان تشارك مع حماس في حكومة ائتلافية للمرحلة المقبلة برغم وجود شخصيات وحتى تيار في فتح يقبل بذلك، الا ان التيار الاوسع داخل فتح يرفض وبشدة هذه المشاركة، ويعتبر ان المشاركة هي نوع من تقديم الحلول لحماس في قضايا لا تقوى عليها، في حين تحصد حماس اي تحسن نوعي ايجابي يطرأ او يحصل على الساحة الفلسطينية، وهو ما يعني ان المرحلة المقبلة سوف تشهد تجاذبات برلمانية وسياسية وحزبية كبيرة في كل الميادين.‏

وقد علمت "الانتقاد" ان رسائل قاسية نقلتها قيادات في حركة فتح للرئيس ولشخصيات في فتح مفادها ان كل من يفكر في المشاركة في حكومة مع حماس سوف يتعرض للعقاب، ويبدو ان الصدمة التي ما زالت تقع فتح تحت تأثيرها سوف تدفع بها نحو قواعدها التنظيمية لتصحيح بعض المسلكيات التي غفلت عنها القيادة في الحركة طوال الفترة السابقة، وبالتالي سوف تكون منشغلة داخليا الى جانب مناوشاتها لحماس التي رفضت في المراحل السابقة التعاون مع السلطة وحركة فتح في كثير من الموضوعات..‏

اما الجهاد الاسلامي فالمتوقع ان لا يشارك في اي حكومة مقبلة مهما كانت المغريات باعتباره لم يشارك في الانتخابات لاسباب سياسية اصلا، ولكنه سيتعاطى بالطبع مع طلبات قدمتها حماس فعلا بمواصلة التهدئة ومنح حماس فرصة شريطة هدوء اسرائيلي لم يتحقق حتى الان في ظل الحملة الشرسة ضد كوادر الحركة في الضفة الغربية اغتيالا واعتقالا، وبخصوص الجبهة الشعبية فمن المتوقع ان تدخل مع حماس في مفاوضات حول نصيبها من الكعكة حتى توافق على المشاركة التي لا مانع لديها من المشاركة فيها من الناحية المبدئية، والامر ينطبق على بقية الفصائل في الساحة الفلسطينية.‏

وبكل الاحوال فإن المرحلة المقبلة تعتبر مفصلية بالنسبة لحماس، فهي ان تعاونت مع المجتمع الدولي ولبت الشروط المطلوبة خسرت مبررات وجودها كحركة مقاومة كبيرة، وبالتالي خسرت شعبيتها واسباب فوزها في الانتخابات، واذا لم تتعاون فإن ذلك يعني اغلاق الابواب امامها في المرحلة المقبلة، وبالتالي مراوحة الاوضاع الفلسطينية في مكانها، حيث يبقى أمامها خيار ثالث ربما يكون في طريقه إلى التبلور وعلى الجميع الانتظار لحين خروجه إلى العلن.‏

الانتقاد/ ملف ـ العدد 1147 ـ 3 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30