ارشيف من : 2005-2008
الحسابات الإسرائيلية بعد فوز حماس
يحيى دبوق
قبل أشهر معدودة من دحر "إسرائيل" عن لبنان، كتب عوفر شيلح في صحيفة "معاريف" عن جانب من فشل التقدير الاستخباري الإسرائيلي، المعني مباشرة بتقديم تقديراته التي يفترض أن تبنى عليها السياسات على المستوى السياسي والأمني على حد سواء، إذ كتب حينها يقول: ".. الواضح هو أن القدرة الإسرائيلية في تقدير نيات حزب الله الحقيقية، الذي قاتلناه طوال السنين الماضية، هي قدرة متدنية جدا، فنحن نجيد جمع التفاصيل التي تمكننا من تنفيذ عملية تحتاج إلى استخبارات قوية مثل محاولة اغتيال.. لكننا فشلنا طوال الوقت في إجراء تقدير دقيق لنياتهم وأفكارهم. وبالمناسبة فإن حرب لبنان ذاتها ولدت من رحم الجهل بميزان القوى والعلاقات اللبنانية الداخلية.." (معاريف 25/02/2000).
وبرغم أن حديث الكاتب يعبر عن مرحلة كانت "حزب اللهية" بامتياز لناحية الجهد الاستخباري الإسرائيلي، إلا أنها تصلح كي تكون معبرا لفهم الارتباك الإسرائيلي الحالي تجاه الاستراتيجية الواجب اتباعها في مرحلة ما بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية.. إذ ما بين العامين 2000 و 2006 قامت "إسرائيل" بكل الأخطاء التقديرية الممكن القيام بها ـ وما زالت ـ تجاه لبنان وتقدير الأوضاع فيه.. ولا يبعد أن يكون القالب الاستخباري الذي تبنى عليه التقديرات تجاه الفلسطينيين أيضا، برغم الالتصاق بالساحة الفلسطينية من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، قالبا صدئا قد عبّر عن نفسه جيدا في التقدير الاستخباري الإسرائيلي بما خص الانتخابات الفلسطينية نفسها.
ماذا بعد الفشل الاستخباري الإسرائيلي وردود الفعل الابتدائية المبنية على تلقائية الرد الرافض للواقع الجديد المتبلور في الساحة الفلسطينية؟
في إطار التصريحات الصادرة عن المستوى السياسي والأمني في الكيان الإسرائيلي، هناك نيات معلنة للرفض من دون اتضاح ما تنوي "إسرائيل" القيام به ضد حماس، على الرغم من تسريبات بدء الإعلام الإسرائيلي يبثها، تفيد بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية بالوكالة إيهود أولمرت "من اللحظة التي تتحول فيها السلطة الفلسطينية إلى حماس، فإن قواعد اللعبة ستتغير.. ونحن لن نغير موقفنا، لا من موضوع حماس ولا من موضوع الإرهاب".. وتعلن وزيرة خارجيته تسيبي لفني "انه بعد اليمين القانونية في البرلمان الفلسطيني ستتحول السلطة إلى سلطة إرهابية بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى".. بينما يعلن مستشارا أولمرت (ترجمان وفايسغلاس) أن "إسرائيل" مستعدة لمنح حماس "فترة سماح" إلى أن يتبين ما إذا كانت ستستجيب لـ"مطالب" الأسرة الدولية والأوروبية.. وهو ما يفيد بأن "إسرائيل" تنوي تأجيل حسمها للمسائل مع تبييت النية برفض الواقع الحالي، أملا في إيجاد استراتيجية ملائمة تحرف الساحة الفلسطينية باتجاهات مغايرة لما وصلت إليه.
في إطار التعليقات الإسرائيلية لجملة من المحللين الإسرائيليين، يظهر نوع من الانقسام المتأتي من الفهم بأن الساحة الفلسطينية غير قابلة للتطويع، وأن أيا من الوسائل الممكن اتباعها ضد حماس وخيار الشعب الفلسطيني ستواجه بمزيد من المآزق لـ"إسرائيل"، فالعمل على إسقاط السلطة الفلسطينية من خلال الحصار وقطع الموارد المالية عنها، وهو ما يحكى عنه، يبقى خيارا قد يؤدي إلى فوضى عارمة في أراضي السلطة الفلسطينية، قد ينقلب على الإسرائيليين بالضرورة. وهو واقع دفع ببعض المعلقين الإسرائيليين إلى استذكار الرفض الإسرائيلي لمحاورة منظمة التحرير الفلسطينية، والذي جرى تجاوزه بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مع الفارق في المقارنة بين المنظمة وحماس بالتأكيد.. ما يشير إلى أن بعض المعلقين الإسرائيليين يرى أن "إسرائيل" هي التي ستتراجع في المحصلة النهائية للأمور.
في الخلاصة، يبدو أن صانعي القرار الإسرائيلي أمام معضلة شبيهة بمعضلة الملف النووي الإيراني ومواجهة الغرب لهذا الملف، إذ مع الرفض للواقع المتبلور في الساحة الفلسطينية، والتشخيص الإسرائيلي بضرورة تغييره، يبقى أن استخدام أدوات التغيير المتاحة لا تصب بالنتيجة في مصلحة "إسرائيل"، وقد تنعكس سلبا عليها، ما يمنعها ـ نظريا ـ من استخدامها، وهو ما تبين جليا في مسألة تحويل أموال السلطة الفلسطينية المجبيّة من قبل وزارة المالية الإسرائيلية، إذ بعد المواقف الحاسمة والقاطعة ثم التردد والارتباك، عادت "إسرائيل" وحولت الأموال، لما لذلك من تداعيات وانعكاسات قد لا يقوى الكيان على مواجهتها، خاصة في ظل عدم تبلور سياسة دولية موحدة تجاه الاستراتيجية الواجب اتباعها ضد حماس.
في كل ذلك سجل اختراق لافت لبعض الكتاب الإسرائيليين (هآرتس)، تحدثوا عن ضرورة دفع الساحة الفلسطينية إلى حوار بين "الأغلبية" الفلسطينية وحماس، وهو واقع لن يتحقق اذا واصلت "إسرائيل" ضخ الأموال إلى السلطة.. "فإذا ما أظهرت إسرائيل الحزم وأضرت بالفلسطينيين بشكل كبير، فإن ذلك سيفضي إلى انقسام داخل حماس يؤدي إلى تنازل البراغماتيين فيها عن فكرة تدمير إسرائيل كما تنازلوا في فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية سابقا، وهي استراتيجية تحتاج إلى تفهم وتأييد دوليين".. بينما تحدث آخرون (يديعوت) عن خطة لدفع حكومة حماس للانهيار خلال ستة أشهر بعد توليها مهامها عن طريق قطع الأموال عنها وحصارها دوليا، ما يدفع بـ"أبو مازن" إلى حل المجلس التشريعي وإعادة إجراء الانتخابات الفلسطينية من جديد.
يبدو أن الإسرائيليين ما زالوا مرتبكين إزاء الاستراتيجية الواجب اتخاذها في ما خص الساحة الفلسطينية وتبلوراتها الأخيرة إثر فوز حماس في الانتخابات التشريعية، وقد يعود ذلك أيضا إلى عدم وضوح الموقف الدولي من أصل المقاربة الواجب والممكن اتخاذها.. علما بأن ما يسقط من حسابات "إسرائيل" على الظاهر، هو عدم إرادة وقدرة حماس على تبديد انتصاراتها ومبادئها كما فعلت جهات فلسطينية عدة منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو الى الآن، بحيث تدنت سقوف المطالب الفلسطينية إلى ما يقرب من العدم.
الانتقاد/ عبريات ـ العدد 1149 ـ 17 شباط/فبراير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018