ارشيف من : 2005-2008
30 حاجزاً تسلب الفلسطينيين حريتهم وحياتهم الطبيعية:الحواجز الإسرائيلية تقطع أوصال الضفة الغربية
جنين ـ علي سمودي
كثير من الفلسطينيين فقدوا حياتهم على حواجز الاحتلال العسكرية، بعضهم جراء اطلاق النار غير المبرر، وآخرون أثناء رحلة العذاب والانتظار جراء المرض, فتلك الحواجز التي يوزعها الاحتلال على امتداد أراضي الضفة الغربية تحولت الى مراكز اعتقال وتعذيب او حواجز لموت بطيء كما يسميها الفلسطينيون الذين يتجرعون شتى صنوف المعاناة وسط اجراءات العقاب والإذلال على يد جنود الاحتلال وهم يتفننون في ممارسة ارهابهم وساديتهم بحق المدنيين العزل الذين تتحكم بحياتهم حواجز حولت حياتهم إلى جحيم.
تكثيف الحواجز
فخلال النصف الثاني من انتفاضة الأقصى ومع تزايد العمليات الاستشهادية وفشل اجراءات الاحتلال وبناء جدار الفصل العنصري في وقف المقاومة الفلسطينية، استخدمت حكومة الاحتلال اسلوب الحواجز الثابتة والمتنقلة في تمزيق وحدة أراضي الضفة وتحويلها الى كانتونات مغلقة وفرض قيود مشددة على حركة وتنقل الفلسطينيين، بحيث أصبح التنقل بين المدينة والقرية في كثير من الاحيان مستحيلا، وبدأت تمارس سياسة جديدة تفرض على الفلسطينيين الحصول على تصاريح للتنقل والحركة، الا انها جوبهت برفض شديد، فامتنع الفلسطينيون عن التعامل بها. وبحسب الاحصائيات الفلسطينية يوجد حاليا في الضفة الغربية اكثر من 30 حاجزا، منها عشرة ثابتة ودائمة, وخمسة شبه مغلقة بشكل دائم ولا يسمح للمواطنين بالتنقل من خلالها الا في ساعات محدودة وبعد خضوعهم لإجراءات أمنية مشددة. وقد حظرت قوات الاحتلال على المركبات الخصوصية التنقل عبر عدة حواجز، وفرضت على المركبات العمومية التزود بتصاريح للمرور.
كمائن واعتقالات
ودرجت قوات الاحتلال ـ كما يقول المواطن محمود سعيد، سائق سيارة عمومي ـ على نصب حواجز طيارة ومفاجئة في محاور الطرق الرئيسية لاعتقال المواطنين الذين تزعم دوما أنهم مطلوبون. وأضاف: "عدة مرات أوقفني الجنود على حواجز كانت تقام بين جنين ورام الله، وبعد اجراءات التفتيش يقومون باعتقال بعض الشبان وغالبيتهم من طلبة الجامعات، بدعوى انهم مطلوبون، برغم ان المطلوبين عادة لا يمرون عبر الحواجز"! مكتب المؤسسات الوطنية قال ان قوات الاحتلال اعتقلت على الحواجز منذ مطلع العام الجاري 30 فلسطينيا بشكل تعسفي، ووجهت لهم تهما أمنية مختلقة.
ممارسات مهينة
حتى النساء لم تسلم من اجراءات الاحتلال المهينة على الحواجز، فقد روت المواطنة أم بلال ان الجنود احتجزوها مع مجموعة من النساء على حاجز قرب طوباس، وبرغم التدقيق في هوياتهن تقول: "طلبوا منا الخضوع للتفتيش الجسدي، فلم نرضَ حتى أحضروا مجندة قامت بذلك.. لكن الجنود لم يسمحوا للمواطنة سهى أحمد المتحجبة بالمرور عبر الحاجز قرب نابلس حيث كانت في طريقها الى مدينة رام الله لإجراء عملية جراحية، الا بعد إرغامها على رفع النقاب عن وجهها بدعوى التأكد من هويتها".. وقالت بحسرة: "لم يكن أمامي خيار آخر لإنقاذ حياة ابني، فالتقارير لم تشفع له، والجنود قالوا لي لن تمري وتجري عملية لابنك قبل ان نرى وجهك".
واشتكى الفلسطينيون من قيام الجنود بترديد عبارات مهينة على الحواجز أمام النساء، بل وإرغام بعض الشبان على خلع ملابسهم في العراء أمام المركبات التي يكون عادة داخلها نساء. وقال إبراهيم سليم: إن الجنود على حاجز عسكري في منطقة الأغوار انهالوا عليه ضربا بشكل وحشي عندما رفض خلع ملابسه، حيث كان يقف في الطابور عدد كبير من السيارات وبداخلها نساء. ويضيف: "ألقوني أرضا ومزقوا ملابسي وأجبروني على السير تحت تهديد السلاح بين المركبات بملابسي الداخلية، وهذا يدل على وحشيتهم وساديتهم وإرهابهم، فلا يوجد في قلوبهم اي معنى للرحمة أو الإنسانية".
إسقاط وضغط
اضافة لذلك فإن الحواجز أصبحت مراكز للاسقاط والضغط على المواطنين الذين أكدوا ان عددا من ضباط المخابرات يرابطون عليها ويستغلون اوضاع ومشاكل المواطنين للضغط عليهم للارتباط مع المخابرات الاسرائيلية. وقال الاهالي ان رجال المخابرات لا يعرضون أنفسهم، بل يختبئون داخل الدوريات او في الخيم المقامة داخل الحواجز، حيث يجري اختيار الشبان والطلبة، ويُدخلون للضابط الذي يساومهم ويمارس الضغوط عليهم ويهددهم بالاعتقال او منع التنقل اذا لم ينفذوا تعليماته.
ولادة على الحواجز
وفي كثير من الأحيان تقوم قوات الاحتلال بإغلاق الطرق بالحواجز الطيارة أو الحواجز الثابتة لعدة ساعات، خاصة في محاور الطرق الرئيسية، ما يشل الحياة في عدد من القرى والبلدات معا ويحول دون تنقل المواطنين. وقال تقرير للجنة الدفاع عن حقوق الإنسان: ان عدة حالات ولادة وقعت على الحواجز العسكرية، حيث وصل المواطنون الى الحواجز ومعهم نساء في وضع صعب على وشك الولادة، وبرغم مشاهدة الجنود ذلك وتأكدهم من خطورة كل حالة، فإنهم في كثير من الاحيان كانوا يمنعون الحوامل من المرور، مما يضطرهن للإنجاب على الحواجز! حتى ان احدى المواطنات من قرية المطلة في الأغوار أطلقت على مولودتها اسم (مخصوم)، لأنها أنجبتها على الحاجز.. وفي حادثة أخرى قام ميكانيكي من بلدة قباطية قرب جنين بتوليد زوجته في سيارته بعدما منعه الجنود من إيصالها لمستشفى الولادة في جنين.
احتجاز واعتقال المرضى
يقول محمد بعجاوي ضابط اسعاف في الهلال الأحمر: إن الجنود لم يحترموا شارة الهلال ورسالتها وقدسيتها، وأرغموه على إنزال المرضى ثم اعتدوا عليه بالضرب واعتقلوه، وأمضى فترة رهن الاعتقال.. كما اعتقلت قوات الاحتلال ضابط الاسعاف أشرف عباهرة خلال تأدية واجبه الإنساني، واقتادته من سيارة الاسعاف الى سجن النقب دون تهمة او محاكمة، وحولته للاعتقال الاداري. وبحسب تقرير للهلال الأحمر فإن الاحتلال لم يتوانَ عن استهداف سيارات الإسعاف وإطلاق النار عليها وعرقلة مهامها, وعدة مرات جرى منعها من نقل المرضى عبر الحواجز، كما احتجز أفراد طواقمها ونُكل بهم.. فيما قال نادي الأسير إن 10 مرضى اعتقلوا من سيارات الإسعاف على الحواجز خلال الشهر المنصرم.
وتتفنن قوات الاحتلال على الحواجز في اذلال الفلسطينيين والانتقام منهم.. فقد حرم مئات الطلبة من الوصول لمدارسهم وجامعاتهم. وقال الطالب أمين خالد من طولكرم: انه لم يتمكن من تأدية اي امتحان في جامعة النجاح الوطنية في نابلس بسبب منع الجنود له من المرور. وقال ناصر أبو عزيز نائب رئيس اتحاد طلبة فلسطين: ان قوات الاحتلال اعتقلت العام المنصرم 200 طالب على الحواجز, بينما أرغم أكثر من 300 طالب على تأجيل دراستهم بسبب الاعاقات الإسرائيلية التي طالت شرائح مختلفة من الموظفين. وقالت دراسة للغرفة التجارية في جنين: ان المئات من الموظفين والعمال من مناطق جنين وطولكرم وقلقيلية فقدوا وظائفهم وعملهم في رام الله والبيرة وبيت لحم بسبب سياسة الحواجز ومنعهم من التنقل، فيما يهدد استمرار هذه الحواجز بارتفاع معدلات البطالة، لأن الشركات بدأت تبحث عن بدائل.
حاجز قلنديا
وتبلغ معاناة الفلسطينيين ذروتها على حاجز قلنديا العسكري الثابت الذي أقامته قوات الاحتلال على مدخل مدينة رام الله، بعدما أغلقت كل مداخلها، وبالتالي يقول الصحافي ذيب حوراني ان المتنفس الوحيد لرام الله على العالم الخارجي هو حاجز قلنديا الذي تقوم قوات الاحتلال بشكل دائم بتشديد الإجراءات في محيطه.. ويقول الصحافي محمد نوباني: ان هذا الحاجز حوّل المدينة سجنا مغلقا، والجنود يتحكمون بحياة وحركة المواطنين، وهناك تعليمات تتغير دائما حول التنقل او المرور عبره، وفي غالبية الأحيان يُمنع سكان الضفة من العبور خلاله، وتقوم قوات الاحتلال بإغلاقه بذرائع شتى، ولكن الهدف هو اذلال المواطنين وعقابهم.
حاجز العذاب والجحيم
ويصف الفلسطينيون حاجز حوارة بحاجز العذاب والجحيم جراء ما تمارسه قوات الاحتلال من إجراءات تعسفية, فهذا الحاجز الذي أقيم قبل ثلاثة أعوام في تقاطع نابلس على شارع رام الله القدس، يعتبر نقطة تواصل بين مدن الضفة الغربية، ويشكل إغلاقه كما يقول محمد التيتي من نابلس، بمثابة عزل شامل لجميع المدن.. وقامت قوات الاحتلال بوضع أدوات حادة في طريق الحاجز الذي حُصن بنقاط المراقبة والدبابات وإجراءات أمنية مشددة. يقول منير سليمان ان المرور عبر الحاجز رحلة عذاب قاسية، فالجنود لا يسمحون لنا بالعبور الا سيرا على الأقدام، وبعد التفتيش اليدوي هناك تفتيش على الآلات، وفي كثير من الاحيان يمنع المرور من المنطقة, ولا يسمح لسكان الضفة بالمرور الا بتصاريح. كما انه يغلق بشكل كامل في ساعات الليل! وقالت مصادر فلسطينية ان عدة هجمات نفذها فلسطينيون على الحاجز وقام مقاومون بعمليات طعن للجنود من شدة العذاب الذي يفرض عليهم على يد جنود الاحتلال.
حواجز الموت
وتتوزع حواجز الموت الرئيسية على مداخل مدينة بيت لحم والخليل والأغوار، حيث يروي الأهالي صنوفا مختلفة من العذاب اليومي، كما يحدث في بيت لحم حيث قال مفيد عون الله: "ان المواطن يموت ألف مرة قبل المرور على الحاجز وسط الإجراءات المهينة". أما بوابة الخليل فيقول معتز الشيوخي إن الداخل منها مفقود والخارج مولود, وفي حاجز الأغوار تصطف طوابير الانتظار يوميا ساعات طويلة وسط أقسى الظروف كما يقول عبد الحكيم وشاحي، حيث يحظر الجنود على المواطنين التحرك إلا وفق إجراءات مشددة، وفي غالبية الأحيان تنتهي رحلة الانتظار بإغلاق الحاجز ومنعهم من المرور، ما يضطر المئات للنوم في الأحراش المجاورة.
البوابات الحديدية
ولجأت قوات الاحتلال لتحويل الحواجز في بعض المناطق الى بوابات حديدية كما حدث في طولكرم وقلقليلة وبرطعة الشرقية, وهذه البوابات أقيمت كما قال غسان قبها رئيس مجلس برطعة، بعد إحكام الحصار على البلدات، بحيث أُغلقت كل مداخلها وأصبحت البوابات المتنفس الرئيسي.. ولكن قوات الاحتلال تتعمد إغلاقها بشكل دائم وفي كثير من الأحيان يمنع المواطنون من التنقل أياما، وقد عانت برطعة طويلا من نقص في المواد التموينية والحليب والأدوية بسبب البوابات، كما استُشهد عدد من المواطنين عليها، بعضهم أطفال في جريمة إطلاق نار، وآخرون مرضى جرى احتجازهم عدة ساعات ومنعهم من الحصول على العلاج.
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1149 ـ 17 شباط/فبراير 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018