ارشيف من : 2005-2008
"إسرائيل" والاتفاق الروسي الإيراني على تخصيب اليورانيوم:خشية من اتفاق دون التزامات إيرانية
يخشى صانعو القرار الإسرائيلي من انفلات الموضوع النووي الإيراني باتجاهات لا تصب في مصلحة "إسرائيل"، إذ إن التراكض الحالي ما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوى الرافضة لحق إيران نوويا، لم يطرأ عليه تغيير محوري باتجاه منع إيران من الحصول على التقنية النووية، سواء كانت تقنية لأغراض سلمية مدنية أو لأغراض دفاعية.
فالمقاربة الإسرائيلية للملف النووي الإيراني تبقى في إطارها العام الحاكم الذي يرى ضرورة إقفال كل المنافذ القائمة والممكنة أمام إيران للحصول على هذه التقنية، سواء بالفعل أو بالقوة، وهي مقاربة معقولة حسابيا وتحسبيا من وجهة نظر المصلحة الإسرائيلية، خاصة إذا ما لوحظت في إطار التقدير الإسرائيلي الذي لا يرى في إيران الا تهديداً لأصل وجود الكيان الإسرائيلي، مع تواصل الظروف وإدارة القرار العربي المقيت في هذه المرحلة، الذي يقزّم إمكانياته إلى ما دون حدها الأدنى.
و"إسرائيل"، إضافة إلى دول غربية ممانعة لحق إيران في الحصول على التقنية النووية، تبقى متلقية للفعل الإيراني الذي يلزمها البحث عن ردود فعل عليه، خاصة أن فعلا ابتدائيا إسرائيليا عسكريا أو غير عسكري، جرى التسالم في الكيان الصهيوني ـ من قبل صانعي القرار والخبراء المتخصصين فيه ـ على انه لن يجدي نفعا في منع الطموحات الإيرانية، بل انه سيؤدي إلى نتائج عكسية تماما للمرتجى منه ويسرع خطى إيران، وبالتالي تسعى "إسرائيل" إلى العمل في الخفاء مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الفاعلة حثا على مواصلة الضغط على إيران للتأثير على القرار فيها.. برغم أن الإسرائيليين في المرحلة الحالية باتوا في وضع أكيد أكثر من أي وقت مضى من أن الملف النووي الإيراني قد خرج من إطار السيطرة.
التعليق الإسرائيلي على الاتفاق المبدئي بين إيران وروسيا في ما خص تأسيس شركة مشتركة لتخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية، جاء رافضا ومستنكرا، خاصة أن تفاصيله مبهمة وغير محددة المعالم، الأمر الذي يفهم إسرائيليا كمناورة إيرانية لكسب الوقت الداهم قبل السادس من آذار/ مارس الحالي، وهو الموعد الذي ستبحث فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية مسألة إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن مع أو من دون توصيات.. على الرغم من أن هناك إشارات ترحيب وردت في التعليق الإسرائيلي لجملة من المعلقين الإسرائيليين، باعتبار أن الاتفاق إشارة الى الإمكانية المرتفعة في جدواه لسحب روسيا من دائرة الدول المعرقلة "للإجماع" الغربي ضد إيران.
تتبّع التعليقات الإسرائيلية لتطورات الملف النووي الإيراني بعد الاتفاق المبدئي على تخصيب اليورانيوم في الأراضي الروسية يشير إلى التالي:
ترى "إسرائيل" أن الاتفاق الروسي الإيراني مع لحاظ الغموض الوارد فيه لجهة تفاصيله، لا يرقى إلى مرتبة محو الشكوك حول النيات الإيرانية لتحصيل التقنية النووية التي تؤهلها لاحقا للحصول على السلاح النووي، وبالتالي فإن الإيرانيين يسعون من خلال هذا الاتفاق إلى إعادة الموقف الروسي إلى ما كان عليه أولا، إضافة إلى تحويله إلى شريك فيه بضغط العطاء المالي الذي سيجبيه الروس منه.. إذ لا مانع لدى الإيرانيين من تخصيب يورانيوم في روسيا ـ دون "ال" التعريف ـ فيما تبقي إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم أيضا في أراضيها، ما يعني أن إيران تعمل على ترحيل المسألة إلى المستقبل والقفز على موعد اجتماع الوكالة بسحب روسيا من "الإجماع" المعارض لها.
للإسرائيليين مصلحة في تأخير البرنامج النووي الإيراني، سواء باتفاق أو من دونه، مع التسليم الإسرائيلي بأن إيران لن تستسلم وترضخ في النهاية للضغوط الدولية، إذ إن الإصرار الإيراني مقروء جيدا من قبل الإسرائيليين.. إلا أن تأجيل استحصال إيران على القدرة النووية هو أجدى من دفعها دفعا إليها من خلال العقوبات التي تحرك الملف الى الأمام وليس الى الوراء، خاصة أن هذه العقوبات ستكون منخفضة القوة والفاعلية نتيجة الخصوصية الإيرانية وقدراتها. فتأخير القدرة النووية الإيرانية يعطي أملا للإسرائيليين بأن يحمل المستقبل متغيرات قد تسمح بمعالجة المسألة بفاعلية أكبر، برغم أن الرهان على التغيير الداخلي في إيران قد سقط مع نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة فيها.
من المفيد الإشارة إلى أن ما تبثه "إسرائيل" من تهديدات مباشرة أو غير مباشرة نحو إيران، هو مجرد صراخ يخاطب الداخل الإسرائيلي بهدف طمأنة الجمهور الذي يخشى بالتبعية ما يخشاه مسؤولوهم.. مع الإشارة إلى تدني هذا الخطاب في الآونة الأخيرة، حرصا من صانعي القرار في الكيان الإسرائيلي على إبعاد "إسرائيل" عن الأضواء تمكينا للوكلاء أن يعملوا من دون تشويش إسرائيلي غير مفيد.
فالقدرة الإسرائيلية على معالجة الملف النووي الإيراني عسكريا قد تسالم عليها الإسرائيليون بأنها قدرة تعاني من ثقوب عديدة تفرغها من حجمها، ويبقى للإسرائيلي أمل في أن يتشكل محور دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للضغط على إيران عسكريا، برغم ما قد يتسبب فيه ذلك من خسائر يقدرها الإسرائيلي كرد فعل إيراني على هذا الضغط. فالخسائر التي قد يحملها خيار كهذا لـ"إسرائيل" هو أقل تأثيرا عليها من حالة امتلاك إيران سلاحا نوويا يعني تهديدا وجوديا ضاغطا عليها. لكن الأمل يبقى أملا لخصوصية الأوضاع الأميركية التي لا تقوى على مواجهة إيران في ظل الوحل العراقي الذي لا يُرى له مخرج.
يحيى دبوق
الانتقاد/ مقالات ـ العدد1151 ـ 03/03/2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018