ارشيف من : 2005-2008

قائد سرايا القدس الشهيد خالد الدحدوح..رحلة الجهاد انتهت في ذكرى فراق الأحبة

قائد سرايا القدس الشهيد خالد الدحدوح..رحلة الجهاد انتهت في ذكرى فراق الأحبة

غزة- عماد عيد‏

عندما تصمت الجراح يتكلم الشهداء ويعزفون سيمفونية المجد الخالد ويرددون لحن الخلود... وعلى أوتار نغماتهم تتراقص الحياة شذاً وعطراً، وتنغرس الآهات بين جبال الصمت.. فهم الشهداء نار وثورة.. هم بداية الشرر هم الجمرة. هم الماء العذب يتوضأ منه الراحلون من الحياة.. وها هو الفارس أبو الوليد امتطى جواده وسار يحلق في ميدان الشهادة فكان يوم الملتقي وكان القدر. رغب بالشهادة ونالها بطريقة لم يحظَ بها من سبقوه على درب الشهادة.. تمزق جسده بشظايا السيارة المفخخة التي وضعت له، لكن ملامح وجهه بقيت كما هي تضيء نوراً لتبقى في ذاكرة من عرفوه وأحبوه، تذكرهم بابتسامته التي لم تفارق ثغره إلا في لحظات قليلة من حياته.‏

عائلة الشهيد‏

وسط الدموع المنهمرة من عيون محبي الشهيد خالد الدحدوح (42 عاما) رئيس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي جاءت صرخات والدته لتحمل معنى آخر، فهي التي وصلت سريعا إلى مشفى الشفاء بمدينة غزة رفعت يديها إلى السماء وقالت: "إني سامحتك يا أمي .. الله يسهل عليك.. ودعتك يا قلبي قبل ساعات وقبلتك لآخر مرة.. أمس كانت ذكرى استشهاد أخيك أيمن وابن عمك أمين وأنت في نفس الموعد تغادرني.. الله يرحمك".‏

كلمات هذه المرأة الصابرة ذكرت الجميع بهذا المجاهد الذي كان يمسك بيدي أمه في ساعات الليل لتطوف على مواقع المرابطين من سرايا القدس في مدينة غزة لتوزع عليهم الطعام والماء وتدعو لهم بالصبر في مواجهة عمليات الاجتياح المتكررة لحي الزيتون حيث يسكن الشهيد.‏

تقول والدته ان أبا الوليد هو اعز أبنائها على قلبها برغم انه الثالث بين أشقائه، وانه لم يعص لها أمرا في يوم من الأيام، فكان قبل ان يصعد الى منزله "يمر عليّ ويقبل يديّ ويأكل معي ثم يقابل ابناءه وبناته".‏

ولأبي الوليد ثمانية من الابناء اكبرهم وليد في العشرين من عمره واصغرهم بتول في الثالثة من العمر، وهي التي لم تكن تراه الا قليلا، فمنذ ولدت كان والدها مطاردا من قوات الاحتلال، وكان لا يصل الى البيت الا قليلا.‏

يقول شقيقه علي: "أبو الوليد لن يكون أول شهيد ولن يكون آخر شهيد، واستشهاده لن يزيدنا إلا إصرارا على مواصلة الدرب الذي سار عليه".‏

وعن اللحظات الاخيرة في حياته قال علي "ان ابو الوليد كان قليلا ما يمر عليهم، وان ذكرى استشهاد شقيقه هي التي دفعته للقدوم للمشاركة في احياء المناسبة عبر إقامة حلقة لذكر الله: "ولقد طلبنا منه عدم القدوم خوفا عليه ولكنه اصر على القدوم ليودعنا وليقول لنا انني غدا سأودعكم.. وبمجرد أن وصل للمكان كانت الطائرات تحوم فوق المكان، وطلبنا منه المغادرة وكأنهم كانوا ينوون قتله، لكن الله أمد في عمره لبعض الساعات".‏

مسيرة طويلة من الجهاد‏

مع بداية الانتفاضة الاولى انضم الشهيد الى حركة الجهاد الاسلامي وعمل في صفوف الجناح العسكري للجهاد، والذي كان في بدايته في تلك المرحلة ليعتقل في العام 1989 ضمن عمليات اعتقال واسعة في صفوف الجهاد الاسلامي، وكان بينهم احد أشقائه واثنان من أبناء عمه، وحكمت عليه احدى محاكم الاحتلال بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف ليخرج من السجن وقد ازداد عزيمة وقوة، ووجد في الانتفاضة الثانية فرصة لتطوير العمل العسكري بشكل عام، وليعمل في سرايا القدس ـ الجناح العسكري للجهاد الاسلامي، ويتدرج في قيادتها الى ان تولى امر القيادة قبل نحو عامين، ويشرف على عدة عمليات عسكرية كان من أبرزها العملية العسكرية المشتركة مع كتائب القسام وكتائب الاقصى في معبر بيت حانون شمال قطاع غزة حيث استخدمت تقنية جديدة في العمل العسكري لم تكن مستخدمة من قبل، حيث استخدم المجاهدون "جيبات" عسكرية مشابهة لما يستخدمه الجيش الاسرائيلي، واستطاع المقاومون اقتحام الموقع العسكري والاشتباك مع افراده وايقاع اصابات عديدة في صفوفهم.‏

واشرف الشهيد على عملية تطوير صورايخ القدس التي تنتجها سرايا القدس، والتي تمكنت من الوصول إلى مدينة المجدل المحتلة، كما اشرف على العديد من العمليات الاستشهادية في قطاع غزة، التي ادت الى مقتل العديد من الاسرائيليين على محور كوسوفيم العسكري، وبالقرب من معبر بيت حانون، ووضعت قوات الاحتلال اسمه على قوائم المطلوبين منذ عدة سنوات.‏

علاقات واسعة‏

وشكل الشهيد حالة من الوحدة مع كل الفصائل الفلسطينية فكان محل اجماع وعامل وحدة مع كل الاذرع العسكرية، يقول جمال ابو سمهدانة قائد لجان المقاومة الشعبية وابرز قادة المقاومة في قطاع غزة: "تعرفنا اليه في ميدان القتال والجهاد، ويعز علينا فراقه، وكان يتميز بصمته وهدوئه واصراره على القتال والتمسك بخيار المقاومة وجهوزيته الدائمة للتضحية، وكان دوما يبحث عن تطوير اساليب القتال، ومفخرة لي شخصيا انني تعرفت اليه واستفدت منه بشكل شخصي برغم انه خريج كلية عسكرية الا انني تعلمت منه الكثير الكثير، وفجعت بغيابه لكني متأكد ان تلاميذه سيكملون المشوار.. ونحن سنواصل مشوار ابو الوليد لدحر الاحتلال عن أراضينا".‏

ويضيف: "إن شاء لله نحن في لجان المقاومة سيكون لنا رد قوي على هذه الجريمة بكل الاساليب والاشكال المتاحة حتى لو طال الامر، فوفاؤنا له ان نواصل درب الجهاد والاستشهاد، وندعو الله ان يجمعنا معه في الفردوس الاعلى".‏

الرحيل‏

وفي الاول من آذار/ مارس نزل الشهيد من الشقة التي كان يبيت فيها بعيدا عن اهله وسار على قدميه كما اعتاد، لكن بعد مسافة ثلاثين متراً وضعت له قوات الاحتلال بمساعدة العملاء سيارة مفخخة انفجرت بمجرد ان اقترب منها.‏

التحقيقات الاولية اثبتت ان السيارة كانت مزودة بعدة كاميرات مراقبة مربوطة بما يشبه محطة الارسال التي نقلت صورا للشهيد لتقوم طائرة استطلاع بتفجير السيارة.‏

عشرات الالاف من الفلسطينيين خرجوا في وداعه في موكب مهيب على مدى اربع ساعات، من مشفى الشفاء غرب المدينة الى منزله جنوبها، ثم الى المسجد وسط غزة قبل ان يوارى في الثرى بجانب شقيقه، شمال المدينة التي عمها الحزن لغياب مقاتل ترك الدنيا وما فيها من اجل الآخرة.‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1152 ـ 10 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30