ارشيف من : 2005-2008
برغم المخاوف من مجازر صهيونية:كل بيت أسير فلسطيني يأمل بفرحة ولو موقّتة
غزة ـ خضرة حمدان
برغم حزنها حاولت الضحك مراراً، وكلما ضحكت بان على عينيها الحزن، قالت: "إنني متفائلة حتى وإن لم تسر الامور كما يريد أهالي الاسرى، فإننا متفائلون ودعونا قليلاً للتفاؤل، دعونا نأمل أن نرى أبناءنا قبل أن نموت".
والدة الأسيرين ضياء ومحمد الفالوجي كانت تنتظر على أحر من الجمر أن تتاح لها فرصة ولو سانحة لتوجه مناشدة عبر الفضائيات العربية والعالمية وقالت فيها وقد غالبتها حشرجة الصوت: "أين أنتم يا عرب من أسيرات فلسطين يضعن أطفالهن خلف القضبان، وأين أنتم من القضية، هل بعتم أم تخليتم، هل نسيتم الأطفال والآن وفقط تذكرتم أن هناك وطنا مسلوبا، وأصبحتم تحاولون تخليص جندي إسرائيلي واحد؟".
سؤال لم تردده فقط والدة الأسيرين اللذين اختطفا من أمام عينيها عنوة، ضياء سجن منذ مطلع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى عام 1987 وأصدرت المحاكم الصهيونية حكماً عليه بالسجن مدى الحياة، كان حينها فقط بعمر 16 ربيعاً، أما محمد فقد كان الاعتقال على موعد معه في الانتفاضة الثانية وقبل ثلاث سنوات أي في 2003 حيث اختطف أيضاً ليحكم عليه الاحتلال بالسجن 12 عاماًَ يعيشها بالقرب من أخيه المعتقل في سجد المجدل، ولكن لا يراه..
العديد من أمهات الأسرى كن قد بدأن بفقدان الأمل من عدم الاهتمام بمعاناتهن، وعدم الاستماع لآهاتهن إلى أن لبت المقاومة الفلسطينية السؤال، وحاولت أن تبحث عن سبيل يشفي غليلهن، فأسر الجندي الصهيوني في غزة برغم التهديدات بالاجتياح الكامل وجعل غزة غارقة في دمائها، وهذا الفعل الكبير لم يخف الأمهات اللواتي لطالما ذرفن الدموع على الوسائد وعلى قارعة الطريق أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر حيث يعتصمن كل اثنين من كل أسبوع.
الأمهات القادمات من شتى مناطق قطاع غزة وبعضهن ممن هربن من منازلهن على حدود القطاع مررن في الطرق بأبناء أمهات أخريات يحاولون بدورهم التصدي لاجتياح محتمل لقطاع غزة، فمن بين السواتر الترابية والانتشار الواسع وزرع العبوات الناسفة بالطرق لا سيما على الحدود للقطاع، بدأ المقاومون من شتى الفصائل الفلسطينية المقاومة الاستعداد على قدر ما يملكون للتصدي لتهديدات الحكومة الصهيونية، والتي بدأت منتصف ليل 27-28/06/2006 بتحليق مروحي مكثف لطائرات الاحتلال العسكرية في كل أجواء القطاع، وقد بدأت بالفعل المدفعية الإسرائيلية بقصف قطاع غزة ما أسفر عن إصابة مواطنين.
وبرغم المهلة التي هدد بها الاحتلال قطاع غزة بدا المواطنون، لا سيما أمهات الأسرى، متفائلين للغاية، ويرون في أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الصهيوني جعاد شافيت في القطاع، بصيص أمل، لا سيما في ظل ظروف الحصار السياسي والاقتصادي على قطاع غزة.
من جانبها ناشدت والدة الأسيرين رامي ومحمد صقر عنبر وزوجة الأسير المحرر صقر عنبر المقاومة الفلسطينية عدم الإفراج بالمطلق عن الجندي المختطف إلا إذا خضع الاحتلال لمطالب الشعب الفلسطيني بأكمله، وأفرج عن كل الأسرى والأسيرات والأسرى الأطفال.
من جانبهم كان صوت الأسرى مؤيداً لعملية الأسر، وبالفعل فقد طالب الأسرى الفلسطينيون في معتقلات العدو رجال المقاومة بعدم إطلاق سراح الجندي الأسير، والحفاظ على حياته لمبادلته بمعتقلين يقضون أحكاما عالية وأسيرات ومرضى في السجون الصهيونية.
وأعرب عدد من أسرى سجن النقب الذي يضم 2200 أسير عن آمالهم بأن تستغل قضية الجندي لإطلاق سراح معتقلين يقضون محكوميات عالية في مختلف السجون على غرار صفقات حزب الله اللبناني.
وقال الاسير مؤيد نصر الله المحكوم 19 عاماً في سجن النقب "نحن دائما مع المقاومة التي ضحينا من أجلها ونطالب بالمحافظة على حياة الجندي ومبادلته بأسرى وقادة محكومياتهم عالية".
أما الأسير أبو يوسف والذي يقضي حكما بالسجن 11 عاما فقال: "جميعنا فرحون بهذه العملية، ومعظم الأسرى جهزوا أغراضهم آملين بأن يتم إطلاق سراحهم مقابل الجندي المخطوف".
أسير آخر رفض الكشف عن اسمه طالب رجال المقاومة بعقد صفقة على غرار صفقات حزب الله قائلاً: "كنا نأمل فيها الكثير في الماضي والآن لدى المقاومة الفلسطينية فرصة ذهبية للضغط على إسرائيل لإطلاق سراح أسيرات ومرضى وقادة أحكامهم عالية وليس لهم تاريخ إفراج محدد".
وبدت جمعية الأسرى والمحررين "حسام" تجني بعض ثمار معركتها للدفاع عن حقوق الأسرى فطالبت في مؤتمر صحافي المجتمع الدولي ببذل الجهود بحياد للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والعرب مقابل المطالبة بالإفراج عن الجندي الصهيوني المختطف.
الجمعية أكدت أن هناك قرابة عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي الثمانية عشر، من بينهم 1500 أسير محكومون أحكاماً مؤبدة، وبعضهم قضى في سجون الاحتلال أكثر من 20 عاماً، عدا عن اعتقال 400 طفل أقل من 18 عاماً وقرابة 155 أسيرة فلسطينية من بينهن أمهات وزوجات وأخوات أسرى، و1400 أسير إداري، ويعني ذلك أنهم لم يقدموا للمحاكمة، ومضى على بعضهم سنوات داخل الأسر دون أن يعرفوا التهم الموجهة لهم.
الوساطة العربية
وفي نقمة فلسطينية واضحة تعجبت أمهات الأسرى من دور الوساطة الذي تحاول بعض الدول العربية لعبه للإفراج عن الجندي الصهيوني المختطف، فقالت والدة الأسير عصام المنيراوي من محافظة رفح: "حكم على ابني عصام بالسجن 48 عاماً ولم يسمح لي بحضور الجلسة، فأين كان العرب والوسطاء، وهل يهتمون فقط بجندي صهيوني ولا يبالون بإبني وأمهات آلاف الأسرى كل أسير منهم يساوي عشرة أبطال".
في حين كانت والدة الأسير إبراهيم بارود تقود المسيرة وهي تحمل صورة نجلها الذي أمضى في سجون الاحتلال واحداً وعشرين عاماً وهي تصرخ: "ألا يكفي هذا.. لا نريد أن يتدخل المصريون ولا العرب.. أريد ابني وكل الأسرى يفرج عنهم مقابل الجندي".
أما المواطن فؤاد انشاصي فيتمنى أن تقدم المقاومة على انتزاع روح الجندي الذي ظفرت به انتقاماً لدماء الأطفال الذين سقطوا في قطاع غزة وعائلة غالية التي شاهدها العالم بأجمعه ولم يحرك ساكناً.
ويبدو أن أهالي قطاع غزة لا يبالون بهجوم الاحتلال وتهديداته فلسان حال البعض يقول نحن لم ننس الاجتياحات، وما زلنا نعاني منها ومن آثارها، وبعضهم يقول: "وماذا بقي لنخسره؟".
الأسرى مسموح لهم أن يثقوا بقدرة الأحرار من شعبهم وأمهات الأسرى آن لهن أن يفرشن المنازل وروداً وأزهار ورياحين بانتظار أبنائهم الذين غيبتهم غياهب السجون وأدمى قلوبهم الفراق، فكل بيت فلسطيني وكل بيت يصلي كي يكون الأسرى أمام القضبان يدكونها ويمحقون ظلم الاحتلال السادي".
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018