ارشيف من : 2005-2008
تداعيات عملية الأسر الفلسطينية:خيارات إسرائيلية تصعيدية دون الاجتياح الكامل
كتب يحيى دبوق
خلطت عملية "الوهم المتبدد" الاوراق الأمنية والسياسية على ساحة المواجهة مع "إسرائيل"، وكانت صدمة تركت وما زالت تداعيات مباشرة على القرارات الإسرائيلية، التي انطلقت من التهديد المباشر بعمليات واسعة النقاط لم يُشهد لها مثيل، ووصلت إلى التنفيذ الجزئي (الابتدائي) لسلة من هذه التهديدات، برغم انها لم تصل إلى هجوم عسكري واسع النطاق وإعادة احتلال قطاع غزة.
ويمثل تحليق طائرات العدو فوق الأراضي السورية، وما يحمله من رسائل حاول الصهاينة إرسالها عبر هذا الخرق، تطورا لافتا يجبر ناحية من مصادر الضغط غير المفعلة ضد الفلسطينيين، وهو ما يتوهَّم فيه الإسرائيليون جيداً، بحيث يقعون في اخطاء تقديرية لا يمكن اسنادها الا لقلة الخبرة لدى الماسكين بالقرار السياسي والأمني في "إسرائيل"، فخرق الطائرات الصهيونية، بالتزامن مع حركة الاعتقالات الواسعة النطاق لسياسيين فلسطينيين في الضفة الغربية، يحمل المسألة إلى ان تطل على الساحة الدولية بشكل اخر، خاصة إذا اعقبتها تداعيات، ما يعني امكانية مرتفعة لتدخل دولي افعل، سيجلب بالضرورة ضغوطا أكثر، انما باتجاه حل للمسألة لن يكون عسكريا، وسيتضمن بالضرورة تنازلات "اسرائيلية"، ليس اقلها على شاكلة "تفاهم نيسان" فلسطيني.
لكن السؤال المركزي يبقى في ساحة قطاع غزة، هل تقدم "إسرائيل" على إعادة احتلال القطاع، وهل سيناريو "السور الواقي" في الضفة يعاد استنساخه غزاوياً؟
الواضح ان "الاسرائيلي"، انطلاقا من المصلحة المشخصة لدى صانعي القرار في كيان العدو، يتردد بشكل بيّن في عدم اللجوء إلى هكذا خيار، أو أي خيارات عسكرية اخرى تحمل طابعا عسكريا دراماتيكيا كبيرا.
وهو يتحرك في اطار حدين اثنين، الاول يتمثل في عدم المبادرة إلى اعادة احتلال قطاع غزة، بالمعنى الواسع للكلمة، فيما يتمثل الحد الثاني بضرورة اعادة الردع الصهيوني المتصدع اثر عملية اسر الجندي، والقيام بكل ما يلزم (وممكن دون تداعيات سلبية) على الساحة الميدانية.
والواضح أيضا ان "إسرائيل" في غير وارد ان تباشر مفاوضات تهدف إلى تبادل اسرى، فهو حل مقيت ومميت في نفس الوقت، وله تداعيات ميدانية مباشرة على ساحة المواجهة، وإذا ما فاوضت وأطلقت سراح أسرى مقابل الجندي الاسير، فإنها تطلق بذلك سلسلة عمليات اخرى، وستصبح اسيرة لخيار فلسطيني مجدٍ، وهو ما لا تريد ان تصل إليه بالتأكيد.
الفعل العسكري الصهيوني سيبقى مرتهنا لتأثيراته السياسية، بمعنى ان "إسرائيل" سترتقي درجة عسكرية تباعا بهدف رفد الجهود السياسية بما يلزمها، درجة درجة، على امل ان يحقق ذلك افراجا عن الاسير، حيا، إضافة إلى اعادة ترميم الردع، الذي يمكنه الانتظار إلى ما بعد تحرير الاسير، فجرائم القتل ستبقى خيارا وحيدا لترميم الردع، في هذه المرحلة أو في مراحل لاحقة.
يعضد هذا التحليل اعطاء العدو الفرصة تلو الفرصة للمحاولات السياسية والدبلوماسية لاطلاق سراح الاسير، مع عملية قضم وحصار متدرج بات كاملا، الأمر الذي يوفر للجهود الدبلوماسية المبذولة رصيدا تهويليا كبيرا، مع مصاديق عملية، وهو ما شددت عليه وزيرة الخارجية الصهيونية "تسيفي ليفني" التي اعتبرت ان العملية العسكرية ستتواصل وبقوة، لكنها ناشدت المجتمع الدولي عدم إيقاف جهوده الدبلوماسية ومواصلتها، بهدف عدم التصعيد واطلاق الجندي الاسير.
في الخلاصة، لن يقدم العدو على اعادة احتلال قطاع غزة، بالمعنى الواسع للكلمة، لكنه سيعتمد خيارات عسكرية محدودة نسبيا، أي عمليات عسكرية واسعة في شمال وجنوب القطاع، واستهداف البنية التحتية الفلسطينية، إضافة إلى كوادر فلسطينية، وذلك تحت سقف التدمير الشامل والكامل.
يبقى ان يشار إلى ان التقدير "الاسرائيلي" يرى ان عملية "تحرير" الجندي الاسير لن تكون في عمليات عسكرية مباشرة، الا في حال توافر ما لا يتوافر استخباريا، والامر مرهون بصمود الفلسطينيين القادمين على وضع مليء بالضغوط والصعاب.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1168 ـ 30 حزيران/يونيو2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018