ارشيف من : 2005-2008

نتائج مغايرة للانتخابات الإسرائيلية:فوز خجول لـ"كاديما"، تحطم "الليكود"، وتحطم مقولة "ارض إسرائيل الكاملة"

نتائج مغايرة للانتخابات الإسرائيلية:فوز خجول لـ"كاديما"، تحطم "الليكود"، وتحطم مقولة "ارض إسرائيل الكاملة"

تعتبر الانتخابات الإسرائيلية محطة سياسية تحظى برصد واهتمام ومتابعة المراقبين، كونها تشكل منعطفا في أوضاع المسار السياسي في الكيان الإسرائيلي، فضلا عن المنطقة، لما لها من انعكاسات وتداخل قائم ما بينها وبين الساحتين الفلسطينية والإقليمية بشكل عام.. من هنا فإن معالجة هذا الحدث تشكل جزءا من تناول احد العناصر الأساسية المشكّلة للوضع السياسي في المنطقة. وفي ذلك، يمكن تسجيل التالي:‏

ـ حازت الانتخابات الإسرائيلية أدنى نسبة تصويت في تاريخ الكيان الإسرائيلي قياسا الى نسب التصويت في الانتخابات السابقة.‏

ـ قيام حزب جديد مع تصنيف جديد مخالف للتصنيفات المتبعة تقليديا: يمين (الليكود) ويسار (العمل).‏

ـ تحول حزب العمل إلى حزب وسطي، وتحول الليكود إلى حزب صغير على وشك الانهيار.‏

ـ تقلص قوة اليمين وفقدانه لحزب محوري جامع.‏

ـ محافظة اليسار على قوته نسبيا وتجنبه ما حصل لليمين، مع بقائه في سقوف متدنية.‏

ـ محافظة الأحزاب الدينية على قوتها.‏

دوافع تدني نسبة المشاركة:‏

ـ في مقدمة الأسباب التي دفعت إلى تدني نسبة المشاركة، يبرز غياب القيادات التاريخية ذات "الوزن الثقيل" الكارزماتية، وهو ما حرم هذه الانتخابات من عامل جذب للجمهور الإسرائيلي كان قادرا على دفع الناخبين إلى صناديق الاقتراع.‏

ـ اعتبار الجمهور الإسرائيلي أن المعركة قد حسمت مسبقا لمصلحة "كاديما"، وهو خطأ كبير وقع فيه مسؤولو الحزب الذين روجوا قبل بدء الانتخابات بأيام إلى أن المعركة قد حسمت لمصلحتهم، ما أدى إلى تراخي الناخبين وعزوفهم عن المشاركة في معركة محسومة النتائج، بغض النظر عن تأييدهم لكاديما من عدمه.‏

ـ عدم امتلاك حزب "كاديما" للهيكلية التنظيمية المتكاملة كما هو الحال لدى حزب الليكود وحزب العمل.. كونه حزبا حديث العهد، ما حرمه من قدرة على تجيير الأصوات ودفعها إلى صناديق الاقتراع.‏

ـ غياب التنافس الحاد المتأتي من ملل الجمهور الإسرائيلي من المنظومة السياسية بشكل عام، بحيث بات هذا الجمهور لا يختار من يشعر انه قادر على حل مشاكله، وإنما على من يحول دون تفاقمها والقادر على تخفيف وقع الأزمات التي يعيشها.‏

في النتائج (فوز كاديما، خسارة الليكود)‏

يمكن القول ان المعادلة الثنائية الحادة التي كان بموجبها يحتكر حزبان يمثلان اليمين واليسار قد كسرت في هذه الانتخابات، وذلك يعود إلى التالي:‏

ـ ما زال اليسار الإسرائيلي يدفع ضريبة فشله في كامب دافيد 2000 وعدم قدرته على النهوض في المرحلة التي تلت. لذلك لم يستطع أن يزيل الخشية التي تمتلك الجمهور الإسرائيلي من أن يورطه في "مغامرات" أخرى.. فالمفهوم العام الذي يحكم هذا الجمهور في وعيه، هو أن اليسار قد أوغل عميقا في "تنازلاته" للفلسطينيين دون مقابل وجدوى.‏

ـ فشل طروحات اليمين الإسرائيلي الذي حافظ عليها بحلتها القديمة التي رفع رايتها حزب الليكود، والمتمثلة في كسر إرادة الفلسطينيين، وهو ما أدى إلى زعزعة مقولة "ارض إسرائيل الكاملة" ومقولة "ما لم يتحقق بالقوة فيتحقق بمزيد من القوة"، إضافة إلى مقولة "ان إسرائيل تعيش مأزقا في حاضرها، إلا أن المستقبل في حال حافظت على الوضع الراهن هو لمصلحتها..". وهي مقولات انكسرت انكسارا كبيرا مع صمود الفلسطينيين.‏

هذا الانكسار، في كلا المعسكرين، جعل الجمهور الإسرائيلي يبحث عن بديل للخلاص، إن لم يكن عن قناعة، بل من باب تجربة ما لم يجرب. وهي نقطة كان قد التقطها أريئيل شارون وعدل بموجبها مشروعه اليميني في إطار المتغيرات, وتمظهر ذلك من خلال حزب "كاديما"، وهو ما يفسر تقدمه النسبي في الانتخابات برغم كونه حزبا حديث العهد من الناحية التنظيمية.‏

ـ نفس الأسباب المنساقة آنفا، تفسر تراجع اليمين و"الليكود" تحديدا، وخاصة أن "الليكود" الذي وقف بوجه شارون ظهر بمظهر المتمسك (حقا أو باطلا) بالرؤية الأيديولوجية البعيدة عن ظروف الواقع السياسي وموازين القوى فيه، بحيث جعل الجمهور الإسرائيلي يخشى من انه لو تولى هذا الحزب قيادة الدولة فسيدفع بها إلى أعماق ما تقبع فيه.. وبالتالي فإن خسارة الليكود تعتبر من جهة هروبا من طروحاته، ومن جهة أخرى معاقبة على الأداء الذي مارسه في حقبة ما بعد العام 2003، حيث حاول رجالاته بكل السبل محاربة أريئيل شارون ورؤيته التي تلقفها الجمهور الإسرائيلي وعبرت عما يريده.‏

ـ يضاف إلى ذلك أن شخصية رئيس حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو غير موثوق فيها من قبل الإسرائيليين، نتيجة سلوكه في فترة توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية بين عامي 1996 و1999.. وهي صورة ما زالت ماثلة ولم يستطع محوها أو التقليل من تأثيراتها.‏

يمكن القول، وبناءً على ما تقدم، أن حزب "الليكود" ومن يدور في الأطر والمفاهيم التي يطرحها من الأحزاب اليمينية الأخرى، تمسّك بمقولات أصبحت مهترئة ولم تعد تتساوق مع الواقع المستجد بفعل المتغيرات في المنطقة (لبنان، فلسطين والعراق).. وبالتالي حصد انكسارا كبيرا، وهي نتيجة ستكون دافعا له لإعادة قراءة خطابه السياسي اليميني من جديد بعد الخروج من صدمة النتائج، وجعله (الخطاب) أكثر مؤاءمة مع الواقع والظروف الجديدة، بحيث يلقى قبولا من قبل الجمهور الإسرائيلي. وما قيل عن حزب "الليكود"، الأحرى أن يطبق وبقوة أكثر على أحزاب أقصى اليمين في الكيان.‏

ظاهرة افيغدور ليبرمان‏

حقق حزب "إسرائيل بيتنا" (اليميني) نتائج كبيرة نسبيا، حيث فاز بـ12 مقعدا، وهو ما يعتبر نصرا كبيرا في حسابات زعيمه افيغدور ليبرمان المشهور عنه مواقفه المتطرفة جدا (قصف أسوان وطهران وترحيل الفلسطينيين).. وهذا الفوز، بحسب ما يظهر من المعطيات، هو سبب رئيسي لعدم تحقيق حزب "كاديما" للأرقام التي كانت تظهرها استطلاعات الرأي، حيث كانت اتجاهات التصويت لدى الجمهور الروسي (هآرتس 29/3/2006) وبنسبة 48% من الناخبين الروس، قد جاءت لمصلحة إسرائيل بيتنا. وذلك يعود إلى التالي:‏

ـ شعور الجمهور الروسي بالإحباط من ممثليه (الروس) في الأحزاب الأخرى (شينوي، الليكود..)..‏

ـ عدم وجود حزب روسي منافس لـ"إسرائيل بيتنا" ومحاولته لعب دور المعبر والمطالب بحقوقهم ومطالبهم.‏

ـ الطابع اليميني للجمهور الروسي الذي يتواءم مع الطابع اليميني لـ"إسرائيل بيتنا".‏

ـ تمايز حزب "إسرائيل بيتنا" عن بقية الأحزاب اليمينية الأخرى بدعوته إلى تبادل الأراضي مع الفلسطينيين، على الرغم من تشدده في المقاربة الأمنية معهم.‏

المحافظة على قوة اليسار‏

على الرغم من أن اليسار الإسرائيلي ما زال يدفع ثمن فشله في كامب دافيد 2000، إلا انه من جهة أخرى حافظ على قوته، وذلك يعود إلى:‏

ـ تعثر اليمين في الحكم، وفشل رهانه على تحقيق الأمن من خلال القوة العسكرية، أعاد الحياة - بعض الشيء - إلى جزء من جمهور الرؤية السياسية التي ينادي بها اليسار، مع نوع من الانزياح لدى هذه الأحزاب باتجاهات وسطية والمناداة، وإن بشكل غير مباشر وواضح، بالانفصال عن الفلسطينيين.. ما يعني الاستفادة من قاعدة أن فشل تيار سياسي ينعكس إيجابا على طروحات تيار سياسي منافس، وإن كان بقدر.‏

ـ نجاح عامير بيرتس في بلورة هوية جديدة لحزب العمل مغايرة عن "الليكود"، أعاد إليه جزءا من الجمهور الذي فقده بسبب تحوله إلى حزب رديف واحتياطي لليكود.‏

ـ تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي انعكس إيجابا على شعبية "حزب العمل" وطروحاته بشكل نسبي، حيث ان قيادته (بيرتس) هي قيادة تضع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والاهتمام بالشرائح الفقيرة في مقدمة اهتماماتها.‏

الأحزاب الدينية‏

حافظت الأحزاب الدينية (غير الصهيونية) على قوتها في الكنيست الإسرائيلي، إذ فاز "حزب شاس" بـ11 مقعدا، وحزب "يهودوت هاتوراة" بـ6 مقاعد، وهي نتائج شبه متوقعة كون اتجاهات التصويت الأساسية لهذه الأحزاب غير سياسية بمجملها، وهي تعتبر مثولا أمام أحكام الحاخامات وإرادتهم.‏

لا يتوقع لهذه الأحزاب، عموما، أن تغير من سياساتها المتبعة تجاه أي ائتلاف يعرض عليها، وبالتالي من غير المتوقع أن تقاوم إغراء العائدات المالية لمؤسساتها، والتقدير أن تشارك في اتئلاف بزعامة إيهود أولمرت إلى جانب "حزب العمل"، وخاصة أن مقاعدها أصبحت أكثر مطلوبية كون مجموع مقاعد "كاديما" والأحزاب اليسارية لا يكفي لتأمين قاعدة برلمانية مطلوبة في الكنيست (61 مقعدا).‏

أما لجهة الاتجاه الديني الصهيوني "حزب المفدال" فقد سجل تحطما كبيرا على شاكلة "حزب الليكود"، برغم ائتلافه بكتلة واحدة مع الاتحاد القومي ذي الاتجاه اليميني المتطرف، ونالا معاً 9 مقاعد، الأمر الذي يمكن تفسيره على انه انكسار منعكس من انكسار وتحطم مقولة "ارض إسرائيل الكاملة" في وعي الجمهور الإسرائيلي.‏

قد تخلص قراءة نتائج الانتخابات الإسرائيلية إلى أن من فاز فيها قد جَبَل فوزه بكثير من الخيبة (كاديما)، ومن خسر فيها فقد كانت خسارته مدوية غير مسبوقة (الليكود)، أما من حافظ على مكانته فقد كان الرابح الأكبر في هذه الانتخابات (العمل ـ شاس..).. هذا ما لم يجر الحديث عن بعض الأحزاب اليمينية التي سجلت فوزا معتبرا (يسرائيل بيتنا) لخصوصية الجمهور الروسي، علما أن كتلة اليمين بمركبيها الديني والعلماني لم تفز بما يؤهلها من تحقيق كتلة مانعة أمام كتلة اليسار والوسط (العمل وميرتس ـ كاديما والمتقاعدين) لتشكيل الحكومة المقبلة..‏

يحيى دبوق‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1155 ـ 31 آذار/مارس 2006‏

2006-10-30