ارشيف من : 2005-2008

الحكومة الإسرائيلية القادمة:تشكيلة اجتماعية اقتصادية، وبطش بالفلسطينيين

الحكومة الإسرائيلية القادمة:تشكيلة اجتماعية اقتصادية، وبطش بالفلسطينيين

استقر سجال "إسرائيل" ما بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة للكنيست على تكليف إيهود أولمرت تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، وهو ما يتوقع أن يعلنه رئيس "الدولة" موشيه كاتساف أواخر الأسبوع الحالي بعد مشاوراته مع كتل الكنيست المختلفة، وذلك بعد فشل محاولة حزب العمل بمعيّة أحزاب يمينية، سحب التكليف المتوقع من حزب كاديما.‏

تكليف أولمرت يفتح المسائل أمام الوضوح لاستشراف التشكيلة الأكثر معقولية في ظل المعطيات الموجودة، إضافة إلى استشراف تأثيراتها وتداعياتها على الوضع السياسي والميداني ما بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين.‏

يعتبر قطبا الائتلاف الحكومي القادم في الكيان الإسرائيلي حزبي كاديما والعمل، الأول باعتباره محرك الائتلاف والملقى على عاتقه تشكيله إضافة إلى رئاسة الحكومة، والثاني باعتباره شريكا أساسيا فيها، إن لجهة رسم سياساتها في كل المجالات السياسية والاقتصادية، أو لجهة التوافق على إدخال أحزاب إسرائيلية أخرى يرشح أن تأتلف في الحكومة، برغم أن كلا الحزبين كاديما والعمل، يحوزان عدد مقاعد أقل من الأغلبية المطلوبة لتأمين تمرير الثقة في الكنيست، حيث المطلوب 61 مقعدا من أصل 120.‏

التشكيلة الحكومية الأكثر معقولية هي إضافة إلى كاديما والعمل (48 مقعدا)، تشمل كلاً من حزب شاس الديني الشرقي (12 مقعدا)، حزب المتقاعدين (7 مقاعد)، يهودت هاتوراه الديني الأشكينازي (6 مقاعد)، إضافة إلى حزب ميرتس اليساري (5 مقاعد).. وهو يعني أن الائتلاف سيحوز (78 مقعدا)، وهو ما يؤمن أغلبية مريحة كافية لتمرير الثقة واستمرارها في الكنيست.. هذا إن لم ينجح إيهود أولمرت بالاستحصال على موافقة حزب العمل على ادخال أفيغدور ليبرمان ("إسرائيل" بيتنا ـ 12 مقعدا)، بعد ان ينزاح قليلا عن طروحاته اليمينية ويوافق على خطة الانطواء، وهو ما بات مطروحا بجدية أكثر اثر تصريحات ليبرمان التي اشترطت التغطية الدولية لقبول الخطة.‏

بحسب الأنباء الصحافية الإسرائيلية، فإن الحقائب الوزارية ستُوزع بين الأحزاب المؤتلفة مع استئثار كل من كاديما والعمل وشاس بأهمها: رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية والمالية لكاديما، وزارة الدفاع لحزب العمل، ووزارة الداخلية لحزب شاس، بينما بات من المؤكد اسناد وزارة الرفاه الاجتماعي لحزب المتقاعدين.‏

التشكيلة الحكومية القادمة بحسب معطى التعليق الإعلامي وتصريحات المسؤولين الحزبيين، المرشح ان تأتلف أحزابهم فيها، ستهتم بشكل مركزي بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية، إذ مع استثناء كاديما، فإن كل من العمل وشاس ويهدوت وهاتوراه والمقاعدين، هي أحزاب مع رايات اقتصادية واجتماعية بامتياز، خاصة ان المسار السياسي مع الفلسطينيين بات من شبه المؤكد ان لا يتحرك باتجاهات عملية، ومقدر له ان يتجمد إلى حين البدء بالمراحل العملية لخطة انسحاب إيهود أولمرت المسماة بخطة "الانطواء"، وتجميع المستوطنين في الضفة الغربية في إطار الكتل الاستيطانية الكبيرة الثلاث.. على أمل ان يؤدي ذلك إلى إقرار دولي بالحدود النهائية للكيان الإسرائيلي شرقا مع الفلسطينيين.‏

في تفصيل تأثير التشكيلة الحكومية ـ الاكثر معقولية بحسب المعطى الاسرائيلي إلى الآن، فإن ما يظهر هو ان السقوف السياسية للأحزاب الاسرائيلية المؤتلفة تجاه الفلسطينيين لا تصل إلى الحد الأدنى الذي يرضاه ويستطيع الفلسطينيون أن يتقبلوه كمنطلق لإنهاء الصراع وتسوية شاملة بين الطرفين، وبالتالي لا يُقدّر ان تصل الحكومة الاسرائيلية القادمة إلى القدرة على تسويق أي طرح تفاوضي مع السلطة الفلسطينية.. وما يزيد من مأزومية الطرح التفاوضي بين الطرفين، هو نجاح حركة حماس وتوليها رئاسة الحكومة الفلسطينية التي بدورها لا تريد ولا تقوى على تمرير أي طروحات استسلامية تخفض السقف الفلسطيني، وهو ما يشترطه الاسرائيليون.‏

وفي حال تلبية المطالب الاجتماعية لكل من حزب العمل والاحزاب الاخرى، فإن "إسرائيل" ستشهد استقرارا حكوميا ملحوظا، وذلك لغاية موعد تحريك المسار السياسي وخطة الانطواء، حيث للحديث صلة مرتبطة بالظرف القادم.. الا انه في الفترة التي تفصل عن بدء تنفيذ الخطة أو بلورتها العملية، سيعمد المستوى السياسي في الكيان الاسرائيلي إلى تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي لتثبيت مقولة عدم وجود شريك فلسطيني للاتفاق على تسوية معقولة بين الطرفين، وبالتالي القاء تبعة تجميد وتوقف المفاوضات على الفلسطينيين أنفسهم، الامر الذي يمهد الطريق ـ كما يأمل حزب كاديما تحديدا ولا يمانع فيه حزب العمل ـ لتنفيذ خطة الانطواء وتجميع المستوطنين في الضفة الغربية، على ان يجبى الثمن دوليا من حساب الفلسطينيين بإقرار الحدود الشرقية للكيان الاسرائيلي بما يلائم حاجات "إسرائيل" الامنية وأهدافها السياسية، وهو يعني ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة للكيان الإسرائيلي، إضافة إلى غور الاردن ومدينة القدس وغلافها الجغرافي المحيط بها..‏

في المستوى الميداني والاعتداءات المتواصلة على الفلسطينيين، لا يتصور حدوث أي تغييرات جوهرية عليها، برغم الحديث عن تسلّم عامير بيرتس وزارة الدفاع، حيث ان التقدير هو ان تستثمر عدم خبرته العسكرية والأمنية باتجاه مزيد من اطلاق اليد نحو الاعتداء على الفلسطينيين وليس العكس. فبيرتس معني، إضافة إلى الشأن الاجتماعي الذي من شأنه تأهيل حزب العمل لأخذ دوره المفقود بعد سنوات الانتفاضة والانكسار الكبير في الشارع الاسرائيلي، أن يثبت للإسرائيليين انه أكثر حزما وبطشا من اليمين، خاصة ان كل الطيف السياسي في "إسرائيل" معتاد على تثمير الدماء الفلسطينية لأغراض داخلية، ما يعني أن التحدي الذي سيواجه الفلسطينيين، وتحديداً حركة حماس، في ظل استهدافها نحو تطويعها أو اسقاطها، هو أكبر بكثير مما كان يُتصور.‏

يحيى دبوق‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1156 ـ 7 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-30