ارشيف من : 2005-2008
المنطقة العازلة في غزة.. الموت يخيم فوق الجميع
غزة ـ عماد عيد
قذائف المدفعية الإسرائيلية التي تتساقط على المنطقة العازلة شمالي قطاع غزة لم تمكن الطفلة إسراء (10 أعوام) من التمتع برفقة أبيها في رحلة العودة من المدرسة كما اعتادت.. إسراء التي غادرت منزلها صباحا مع والدها الذي يعمل سائق أجرة، فوجئت في ساحة المدرسة باسم أبيها يتردد شهيدا جديدا سقط في بلدة بيت حانون بقذيفة دبابة، لتعود برفقة معلمها إلى المنزل الذي تحول إلى بيت للعزاء ضم أشقاءها الخمسة وأمها وأحباب الشهيد وجيرانه.
ياسر أبو جراد هو واحد من بين عشرات الفلسطينيين الذين استُشهدوا في أحدث موجة من الاعتداءات الإسرائيلية الهادفة إلى إقامة منطقة عازلة شمالي وشرقي قطاع غزة بداعي منع إطلاق القذائف الصاروخية نحو المستوطنات الإسرائيلية.
الشهيد كان يقل أربعة من أفراد الأمن الوطني الفلسطيني إلى موقعهم المحاذي للمنطقة العازلة.. الأربعة ترجلوا من السيارة قبل سقوط القذيفة بثوان معدودة، فأصيبوا بجراح وتمزق جسد الشهيد أشلاءً حرمت ذويه من رؤية ملامحه لحظة الوداع.
ويصف المواطن إبراهيم المصري الأوضاع في شمال قطاع غزة بالكارثية، فالقذائف تسقط في كل دقيقة تقريبا وفي كل الأماكن: "نحن لا نستطيع الإحساس بالأمان.. أولادي يذهبون إلى المدرسة وأنا خائف عليهم، ويعودون وأنا خائف.. زوجتي أصيبت بجراح خطيرة وهي ترقد في المشفى، ومنزلنا في مرمى القذائف ولا خيارات أمامنا.. أين سنذهب؟ نحن لن نرحل وسنموت هنا، ولكننا نطلب من العالم أن يوقف هذه الاعتداءات".
أما المزارع مصطفى سحويل من سكان بلدة بيت لاهيا فأحواله لم تكن أحسن حالاً.. اذ ان القذائف تتساقط في أرضه التي لا يستطيع الوصول اليها منذ أسبوع، وهو يحمد الله على نجاته من الموت عدة مرات.
يقول سحويل: "كانت القذائف تسقط على بعد مئات الأمتار منا فنختفي وقتا قصيرا ثم نعاود عملنا، ولكن منذ أيام قليلة زاد القصف كثيرا واقتربت القذائف منا بشكل بات يهدد حياتنا، فامتنعنا عن الوصول الى أراضينا التي بدأ الزرع يموت فيها، من دون ان نعرف متى يمكن ان تنتهي الاعتداءات.
ويؤكد سحويل ان أرضه لا يطلق منها أي صاروخ، فهي منطقة مكشوفة لا يستطيع المقاومون الوصول اليها، وإلا قامت الدبابات بقتلهم على الفور.. إنهم ينفذون مخططاً قديماً ـ يضيف سحويل ـ يهدف الى إقامة منطقة عازلة مكان المستوطنات التي أُخليت.. مأساتنا بقيت كما هي بل زادت، فقبل رحيل المستوطنين كنا لا نستطيع الوصول الى أرضنا إلا بصعوبة، واليوم لا نستطيع الوصول اليها إطلاقا.
المنطقة العازلة
وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق نحو ألف قذيفة مدفعية في المنطقة الممتدة من الجنوب الشرقي لمدينة غزة الى الشمال الغربي لبلدة بيت لاهيا على شاطئ البحر، مرورا ببلدة بيت حانون والمناطق المحررة فيها بهدف إقامة منطقة عازلة على غرار ما كان يُعرف بالحزام الأمني في جنوب لبنان، ضمن عملية أطلق عليها اسم "السهم الجنوبي".
وتمتد هذه المنطقة بعمق يتفاوت بين مئة وخمسين مترا قرب معبر بيت حانون ليصل الى عمق كيلومترين في بلدة بيت لاهيا، أصبح من المحظور على الفلسطينيين دخولها وإلا تعرضت حياتهم للخطر.
وإزاء هذه الاعتداءات بقذائف الدبابات التي زادت وتيرتها مؤخرا، واصل رجال المقاومة الفلسطينية الرد عليها، وتمكنوا من إطلاق صواريخ وصل بعضها الى محطة الطاقة في مدينة عسقلان جنوبي فلسطين المحتلة، الأمر الذي اعتُبر تهديدا استراتيجيا لمخزون الطاقة في دولة الاحتلال.
ولا تكتفي قوات الاحتلال باستخدام الدبابات للحفاظ على إقامة منطقة عازلة، بل نشرت بوارج حربية قبالة السواحل الشمالية لقطاع غزة لمراقبة الشاطئ ومنع إطلاق الصواريخ من جهته، كما نصبت بطاريات صواريخ جديدة شرق بلدة بيت حانون، في حين تكمل الطائرات المروحية والاستطلاعية مراقبة الأجواء.
ويقر قادة الاحتلال بفشلهم في مواجهة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على المستوطنات الإسرائيلية بعد تمكن المقاومين من استخدام أساليب جديدة في عمليات الإطلاق واتساع مداها.
المقاومة
أبو مجاهد الناطق باسم لجان المقاومة الشعبية قال إن المقاومة تمكنت من تطوير إمكانياتها العسكرية البسيطة عبر تطوير صواريخها لتصل إلى مدى أبعد يمكنها من ضرب العمق الإسرائيلي.. مشيرا الى ان جيش الاحتلال وقف عاجزا أمام إمكانيات المقاومة المتواضعة. ويتابع أبو مجاهد: إن الاحتلال يقصف أهدافا مدنية في كل مناطق قطاع غزة لأنه عجز عن أن ينال من عزيمة المقاومة.. مؤكدا ان القصف سيقابَل بالقصف، وأن المقاومة قادرة على تحمل تبعات قصفها للأهداف الإسرائيلية.
كتائب شهداء الأقصى واجهت عملية السهم الجنوبي بحملة لإطلاق الصواريخ على المستوطنات الصهيونية أسمتها "كسر الحصون"، أعدت لها 70 صاروخاً مطوراً ستوجهها الى المستوطنات المحيطة بقطاع غزة.
وقال أبو قصي إن الكتائب ستدك الحصون الإسرائيلية بهذه الصواريخ، وستضرب بها قلب مدينة المجدل المحتلة إذا استمرت سياسة الاغتيالات الإسرائيلية.. في حين ظل موقف سرايا القدس على حاله من الإصرار على مواصلة إطلاق الصواريخ إذا بقيت الاعتداءات الإسرائيلية مستمرة.
ومع استمرار تساقط القذائف المدفعية بمعدل 300 قذيفة في اليوم، يتوقع الكثير من المراقبين تزايد وتيرة الضغط الإسرائيلي في الأيام القليلة القادمة، وأن تصيب القذائف مناطق أكثر ازدحاما بالسكان في محاولة لجعلهم يضغطون على المقاومة لوقف صواريخها، وهي خطة ما فتئ الاحتلال يستعيدها برغم فشلها في كل مرة.
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018