ارشيف من : 2005-2008

حماس: الحكومة الجديدة ولعبة الغموض بين الأفواه الجائعة والضغوط الاسرائيلية والدولية

حماس: الحكومة الجديدة ولعبة الغموض بين الأفواه الجائعة والضغوط الاسرائيلية والدولية

غزة ـ عماد عيد‏

بعد الارتياح الذي عمّ أوساط حماس وناخبيها بالفوز وتشكيل الحكومة انتهى شهر العسل السياسي ودخلت الحكومة الجديدة في نفق مظلم، وأصبح الغموض هو سيد الموقف بالنسبة لأدائها وبالنسبة لمستقبلها نظراً إلى حجم التحديات التي تواجه الحكومة، وحجم الضغوط الكبيرة التي تصبّها جهات دولية والعراقيل التي تضعها بقيادة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وبمساعدة أطراف عربية وداخلية أحياناً.‏

وبعد اجتماعين للحكومة الجديدة تكشف لأعضائها حجم التركة الثقيلة من الأعباء والمهمات والإصلاح والتغيير التي يتوجب عليهم معالجتها في فترة قصيرة، في ظل إمكانيات ليست ضعيفة وإنما معدومة، ولكن بحسب مصادر مطلعة في حكومة حماس فإن الأولوية الأولى التي ينصب عليها الاهتمام في هذه الأثناء هي الأزمة المالية أو الاقتصادية وفي مقدمتها أزمة الرواتب لما يقرب من 150 ألف موظف في السلطة الفلسطينية لم يتقاضوا رواتبهم عن شهر مارس حتى الآن.‏

وبحسب المصادر نفسها فإن رئيس الوزراء نفسه يقوم إلى جانب وزير المالية ووزراء وشخصيات فلسطينية أخرى بإجراء اتصالات لحل هذه الأزمة مع أطراف عربية، خصوصا مع الجامعة العربية والبنوك العربية والإسلامية إلى جانب الاتصالات مع مدراء ورؤساء البنوك الفلسطينية بعد أن قررت هذه البنوك الحصول على الديون المستحقة على السلطة من خلال ما يحوّل للأخيرة من منح أو هبات أو حتى قروض دولية، كما حصل مع البنك العربي في الأراضي الفلسطينية الذي حجز على عدة ملايين كانت قد وصلت فعلا كمبلغ إلى السلطة، وذلك بعد أن تلقى تفويضا من وزير المالية السابق سلام فياض بالحصول على المستحقات من هذه المبالغ.‏

أمام عجز السلطة وخزينتها عن سد الديون المستحقة عليها في ظل قلة وندرة الموارد ـ وهو ربما ما يؤجل حل أزمة الرواتب ـ قال الناطق باسم الحكومة الدكتور غازي حمد إن حكومته تبذل قصارى جهدها من أجل حل الأزمة، وقال إنها سوف تحلّ خلال الأيام المقبلة، لكنه لم يحدد وقتاً. وكذلك فعل عمر عبد الرازق وزير المالية، ورفض تحديد موعد بانتظار الحصول على أموال فعلية.‏

ويبدو أن هذا التحفظ في التصريحات من قبل الجهات المعنية في الحكومة يرجع إلى الوعود العربية التي لم تصمد كثيراً أمام القليل من الضغط الأميركي، فقد تراجعت بعض الدول حتى عن الكلام المعسول الذي سمعه قادة حماس خلال الجولة الأولى بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، والبعض تراجع عن استقبال وزراء في الحكومة في حين أجّل البعض الآخر استقبال الوزراء إلى وقت غير مسمى.‏

وما يضفي المزيد من الصعوبات هو القرار الأوروبي الذي علّق المساعدات والاتصالات مع الحكومة الفلسطينية وتبعته بعض الدول.‏

وبرأي المراقبين والمحللين فإن القرار الأوروبي إلى جانب قرار بعض الدول الأجنبية والموقف العربي الصامت ساهم في تشجيع الكيان الصهيوني على البدء وبسرعة غير متوقعة في خطة تصعيد ميداني لإحراج الحكومة وخلط الأوراق وافتعال أزمة يمكن أن تلقي بظلالها على العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية.‏

وذكرت بعض المصادر أن الرئيس عباس اجتمع إلى وزير المالية وسأله عن أزمة الرواتب وإمكانية حلها، ويبدو أن بعض الأطراف الدولية بدأت تسوّق لحل قد لا تقبل به حماس على الأقل في هذه المرحلة، وهو أن تترك حماس وزارة المالية ويعود سلام فياض أو غيره من خارج حماس مسؤولاً للملف المالي في السلطة، وهو ما رفضته حماس التي ما زالت تأمل في حل قريب للازمة المالية، وإلا فإن مصادر مطلعة ومسؤولة في حماس وحكومتها قالت إن مصارحة الشعب الفلسطيني ستكون هي الخيار المفضل أمام حماس على خطين متوازيين، الأول هو الاعتراف بالأزمة وحصار العالم لحكومة حماس، والثاني هو مصارحة الشعب بحجم الفساد الذي استشرى في المؤسسات والوزارات بسبب سياسات الحكومات السابقة المتعاقبة.‏

ولكن بعض المحللين يذهبون إلى أن استمرار الأزمة معناه أن تذهب حماس والرئيس محمود عباس إلى البحث عن حلول خلاّقة أخرى من قبيل تشكيل حكومة طوارئ، وتبقى حماس سيفا مصلتاً عليها في البرلمان، أو أن يذهب الفلسطينيون إلى انتخابات مبكرة، وهذا خيار مؤجل حتى الآن، أو ايجاد صيغة لحل أكثر إبداعا من خلال الأطراف العربية والدولية يساهم في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه من المراوحة مكانها.‏

وفي كل الأحوال فإن كل الأطراف يدركون أن حلا سياسيا غير موجود في "أجندة" الحكومة الصهيونية، وبالتالي فإن الحديث يدور حول تسيير الأمور الحياتية للشعب الفلسطيني.‏

الانتقاد/ تقارير ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006‏

2006-10-30