ارشيف من : 2005-2008

حصار المال والصلاحيات لن يثنيها عن مواقفها:حماس تشارك في وضع قواعد اللعبة الجديدة

حصار المال والصلاحيات لن يثنيها عن مواقفها:حماس تشارك في وضع قواعد اللعبة الجديدة

غزة- "الانتقاد"‏

ما زال الخطر الحقيقي الذي يهدد الكيان الفلسطيني هو الأزمة الداخلية أو ما باتت يعرف بأزمة الصلاحيات المتفاقمة بين مؤسسة الرئاسة الفلسطينية وحركة فتح من جهة وبين الحكومة الفلسطينية وحركة حماس من جهة أخرى، وخصوصاً أنها تأتي في ظل تشديد حالة الحصار على الشعب الفلسطيني بحجة أن حركة حماس هي التي شكلت الحكومة التي ترفض حتى الآن الاعتراف بقواعد اللعبة التي أرستها مع المجتمع الدولي منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح.‏

وقد اعتبر المراقبون على الساحة الفلسطينية أن تجاوز هذه الأزمة لقواعد لعبة التعامل فيما بين الفلسطينيين، بحدوث مواجهات بين أنصار الجانبين أدت إلى إصابة 30 طالبا من طلاب الجامعتين الإسلامية والأزهر بغزة، يعتبر مؤشرا طرأ لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع على الساحة، خصوصا في قطاع غزة، إذا لم يتدارك الطرفان الأمر ويتمكنا من وقف كل أشكال التحريض الذي يؤدي إلى الاحتقان، وبدوره يؤدي إلى الانفجار على شكل هذه المواجهات، وهو ربما ما فهمه كثير من الساسة والقيادات على الساحة الفلسطينية..‏

فإدارات الجامعات الثلاث (الإسلامية والأزهر والأقصى) المتاخمة لبعضها البعض اتخذت قرارا يقضي بتعليق الدراسة في الجامعات الثلاث لمدة ثلاثة أيام لمنع الاحتكاك بين الطلبة، فيما سارعت قيادات من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية إلى الاتصال بالجهات المعنية، ودعت لجنة المتابعة العليا للفصائل الوطنية والإسلامية إلى الاجتماع والخروج بموقف ضد هذه الأحداث، وجد صدى لدى الطرفين الرئيسيين فتح وحماس ترجمته قيادات هذين الطرفين على شكل موافقة فورية للاجتماع في إطار اللجنة، أعقبها موافقة للاجتماع الثنائي مع حركة حماس برعاية مصرية وبحضور الوفد الأمني المصري بقيادة اللواء رأفت شحادة الذي جاء بدلا من اللواء مصطفى البحيري.‏

وكان اللقاء مثمرا حيث خرج المجتمعون بعد أكثر من خمس ساعات من النقاش، ودعوا الجماهير إلى التوقف عن كل أشكال الاحتكاك ومظاهر التسلح، في حين كان لتصريحات وزير الداخلية التي دعا فيها إلى وقف هذه الأعمال فورا وما تبعها من تصريحات صدرت عن الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء اللذين دعوا فيها إلى رفض هذه الأعمال، ودعوة عباس دول العالم التي يزورها لإنهاء أزمة الحصار ومنع الأموال من التدفق كان لها انعكاسات في تطييب الخواطر والتخفيف من حدة التوتر. وقد كشفت مصادر فلسطينية مطلعة أن اجتماعات أخرى بين حركتي فتح وحماس عقدت فعلا في قطاع غزة لاستكمال البحث في الأزمة بشكل عام وكيفية التعامل معها من قبل الحركتين وليس من قبل حركة حماس فقط.‏

وقالت المصادر إن الاجتماعات ستستمر وستتطرق إلى قضية العودة إلى الحوار لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد حول قضية الحكومة وإمكانية تشكيلها بالتعاون مع فتح وفصائل أخرى لتكون حكومة وحدة وطنية لمواجهة الأزمة من قبل كل الفصائل، أو وضع آلية أخرى مثل قيادة طوارئ..‏

لكن الأصعب في الأراضي الفلسطينية هو استمرار أزمة الرواتب المستمرة للشهر الثاني على التوالي، وبحسب المعلومات المتوافرة حول هذه القضية فإن الأزمة لا يبدو أن لها حلا قريبا بفعل الإجراءات الأميركية والصهيونية التي تحاول إدامة الحصار ومنع البنوك من التعامل مع أي حساب لحكومة حماس حتى البنوك الفلسطينية، وإلا ستتخذ بحقها إجراءات عقابية على الرغم من تسلم السلطة الفلسطينية مبالغ من الجامعة العربية تقدر بنحو 71 مليون دولار ومن قطر 50 مليون دولار ومن إيران 100 مليون دولار ومن السعودية 91 مليون دولار، لكن لا تستطيع السلطة إدخالها في حوالات إلى الأراضي الفلسطينية، وبالتالي إنهاء أزمة الرواتب.‏

وفي ظل عدم وضوح الرؤية بخصوص الرواتب هذا الشهر فإن المعلومات التي بحوزة الأوساط الفلسطينية تدعو إلى التشاؤم حتى لو سمحت أميركا بإدخال هذه المبالغ من الدول المانحة، فقد ذكرت المصادر أن هذه المبالغ هي حصص هذه الدول من المخصص السنوي الذي تدفعه إلى الجامعة العربية، ومنها إلى السلطة، وبالتالي فإن صرفها في شهر أو اثنين على رواتب ما يقرب من 160 ألف موظف في السلطة يعني أن الأزمة ستبدأ من جديد بعد نفاد هذه المبالغ، وعليه فإن المراقبين يعتبرون أن الأزمة بالأساس هي أزمة سياسية تتعلق بقواعد اللعبة بين حكومة حماس والولايات المتحدة الأميركية.‏

وفي ظل المعطيات القائمة فإن حماس أعلنت أنها غير مستعدة للتنازل عن ثوابت الشعب الفلسطيني مهما كلف ذلك من ثمن، في حين ذكرت مصادر أخرى أن حماس بدأت تدرس فعلا إمكانية التعامل بشكل أو بآخر مع المبادرة العربية التي قدمها ولي العهد السعودي في قمة بيروت، ولكن المعضلة أمام حماس هي عدم اعتراف العدو الصهيوني بهذه المبادرة أصلا، وبالتالي فإن اعتراف حماس بالمبادرة والتعامل معها بايجابية إن قررت ذلك سيعتبر من قبيل التنازل عن مواقف ثابتة دون أي مقابل، وهو ما ترفضه حماس حتى الآن، وعليه فإن الأزمة لا يبدو أن لها نهاية قريبة، وستبقى الأوضاع تراوح مكانها، وسيعمد الكيان الصهيوني بقيادة ايهود اولمرت الى إدامة العنف والتوتر في المنطقة ليسمح باستمرار التصعيد وسياسة القتل الصهيوني من جهة، ويسمح بتنفيذ خطة الانفصال الأحادية الجانب من جهة أخرى، في حين ستعمل حماس ما أمكنت على إمداد الحكومة بالحياة والعمل على تنفيذ برامج إصلاحية في ملفات الأمن والاقتصاد والوضع الداخلي إن تمكنت من حل الأزمة المالية، وإلا فإن الأمر يحتاج إلى حلول خلاقة على الساحة الفلسطينية.‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1159 ـ 28 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-30