ارشيف من : 2005-2008
عائلة فلسطينية "نموذجية":شهيد وستة أبناء في المعتقلات.. ولجوء متواصل منذ فجر الولادة
رام الله ـ عزيزة نوفل
بعد رحلة اللجوء في العام 48، والنزوح في العام 67 استقروا في مخيم الامعري، جنوب شرق مدينة البيرة، وفي البيت الذي منحته لهم وكالة الغوث أسسوا أسرتهم...عشرة شبان وبنتان كانوا يملأون المكان بالصراخ والضحكات... وبعدما كبروا ذهب المكان بما حوى.. "ضريبة الوطن" على حد وصف الأم...
محمد يوسف ناجي لاجئ من قرية السوافير، في نكبة اللجوء الأولى
لجأ إلى غزة، تزوج من لاجئة من قضاء الرملة، وفي عام 1967 نزح وعائلته إلى مخيم الامعري: "لقد مررنا بظروف غير عادية في كل مراحل حياتنا, نكبة ثم نكسة, الى أن استقر بنا الأمر في مخيم الأمعري, عشنا المرارة والبؤس بكل
أصنافهما" قال محمد ناجي "ابو يوسف".
وفي مخيم الامعري انصب اهتمامه على أبنائه وبناته يوليهم اهتمامه بالتربية وتأمين طلباتهم في المخيم الذي هو "عنوان التشريد, ولا أحد يتمنى العيش فيه" على حد وصفه.
إلا أن هذه الحياة التي عاشوها في المخيم ربت في داخلهم إصراراً على قلع سبب هذا الشقاء فكانت عائلة الجهاد والمجاهدين...
يوسف الأكبر (39 عاماً) اعتقل في عام 1983, ومكث في السجن لمدة ثلاث
سنوات, كما اعتقل عدة مرات لفترات قصيرة كورقة ضغط على أشقاء له كي يسلموا أنفسهم.
ناجي (37 عاماً) اعتقل مراراً وتكراراً قبل الانتفاضة الكبرى وخلالها وبعدها وخلال الانتفاضة الحالية وأمضى في السجن ما مجموعة أكثر من (11 عاماً)
أطولها كانت ثلاث سنوات, ومعظم فترات الاعتقال التي أمضاها كانت داخل أقبية التحقيق أو كان يُحال الى الاعتقال الإداري. آخر مرّة اعتقل فيها أمضى في السجن 25 شهراً, ولم يفرج عنه إلا في العام 2003.
أما الأشقاء الأربعة الذين يأتون بالترتيب بعد ناجي ويوسف فهم ناصر (32 عاماً) أمضى معظم سني حياته داخل السجن, اعتقل ثلاث مرات قبل الانتفاضة الكبرى عام 1987, والمرة الأولى التي اعتقل فيها كان عمره (12 عاماً) وذلك في عام 1982, وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام بتهمة إلقاء زجاجات حارقة على سيارات الاحتلال, ثم اعتقل خلال الانتفاضة الكبرى لمدة ثمانية أشهر بتهمة المشاركة في نشاطات الانتفاضة. قام ناصر خلال الانتفاضة الكبرى بتأسيس ما كان يُعرف بـ"الأسد المقنع" وهو أحد الأذرع العسكرية لحركة "فتح".
اعتقل عام 1989 وحُكم عليه بالسجن لمدة 9 مؤبدات بتهمة قتل العملاء. أمضى منها ستة أعوام وتم الإفراج عنه عام 1995 بموجب اتفاقيات "أوسلو" التي أبرمت بين منظمة التحرير و"إسرائيل", واشترطت سلطات الاحتلال للإفراج عنه أن يبقى مقيماً في مدينة أريحا, وهي المدينة الوحيدة في حينه في الضفة التي بسطت عليها
السيادة الفلسطينية, بيد أنه رفض أن يبقى أسيراً لاشتراطات الاحتلال, فانتقل الى حيث تقطن أسرته في منطقة رام الله، وهناك اعتقلته سلطات الاحتلال مرة أخرى
بعد فترة قصيرة من الإفراج عنه وأعادت الحكم السابق عليه (9 مؤبدات) ثم أفرج عنه قبل اندلاع انتفاضة الأقصى بموجب اتفاقية أخرى بين السلطة الوطنية و"إسرائيل".
ما هي إلا شهور على إطلاق سراحه حتى اندلعت انتفاضة الأقصى, فكان ناصر من مؤسسي كتائب شهداء الأقصى، واعتقلته سلطات الاحتلال خلال اجتياح مدينتي رام الله والبيرة في نيسان 2002 وحكمت عليه بالسجن 7 مؤبدات بتهمة إرسال استشهاديين لتنفيذ عمليات داخل الخط الأخضر, وكونه أحد قادة كتائب شهداء الأقصى..
والابن الرابع هو نصر (27 عاماً) اعتقل خلال الانتفاضة الكبرى وأمضى في السجن مدة 10 سنوات، أطلق سراحه عام 1999, وخلال انتفاضة الأقصى الحالية اعتقلته سلطات الاحتلال خلال اجتياح مدينتي رام الله والبيرة في نيسان عام 2002, وحكمت عليه بالسجن 5 مؤبدات بتهمة المشاركة في عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال والعضوية في كتائب شهداء الأقصى.
أما الذي يليه فهو شريف (28 عاماً) اعتقل خلال الانتفاضة الكبرى وحُكم عليه بالسجن 9 سنوات أمضى منها عدة سنوات وأطلق سراحه عام 1995 ضمن اتفاقية "أوسلو", اعتقل مجدداً خلال اجتياح نيسان عام 2002, وحكمت عليه سلطات الاحتلال بالسجن 4 مؤبدات بتهمة الإعداد والمشاركة في عمليات عسكرية واستشهادية ضد قوات الاحتلال والانتماء لكتائب شهداء الأقصى.
ومحمد (22 عاماً) الملقب بـ"الشبح" اعتقل خلال اجتياح نيسان 2002 وحكم عليه بالسجن مؤبدان و30 عاماً بتهمة المشاركة والإعداد لعمليات عسكرية واستشهادية ضد أهداف إسرائيلية.
وفي العام 2004 اعتقل كل من باسل وإسلام، وهما يقبعان الان في سجن
عوفر، باسل حكم عليه بالسجن أربع سنوات، وإسلام خمس سنوات.
ولم تقف معاناة هذه الأسرة عند هذا الحد بل تعدت ذلك الى هدم منزلهم مرتين متتاليتين، ففي عام 1990, وعلى إثر اعتقال الابن ناصر, قامت سلطات الاحتلال
بإغلاق غرفتين من بيت الأسرة المكوّن من ثلاثة طوابق والذي يقع من الجهة الغربية بالقرب من مخيم الأمعري. ثم عادت سلطات الاحتلال ونسفت البيت بالكامل, واستولت على الأرض التابعة له. ومنعت الأسرة من إعادة بنائه لتعيش الأسرة من جديد تحت خيمة اللجوء.
ويقول أبو يوسف: "البيت الذي انتقلنا اليه بعد هدم بيتنا لم يكن تتوافر فيه أدنى متطلبات الأمان والظروف المطلوبة لكي يعيش انسان بداخله, وبالرغم من
ذلك قطناه لأنه لم يكن هناك بديل, وبقينا فيه الى أن وفرت لنا الوكالة قطعة أرض قمنا رويداً رويداً ببناء بيت جديد عليها مكون من ثلاثة طوابق، وذلك بجهود
ذاتية".
وفي عام 1995 استعادت الأسرة الأرض التي هُدم فيها البيت الأول, وأخذت
تعمل جاهدة على بنائه, وتكّون البيت فعلاً من ثلاثة طوابق هي عبارة عن شقق سكنية للأبناء, وخلال الانتفاضة الحالية وبعد اعتقال الأشقاء الأربعة ناصر ونصر
وشريف ومحمد قامت سلطات الاحتلال بهدم بيت الأسرة في مخيم الأمعري,
والمكون هو الآخر من ثلاثة طوابق لتعيش في البيت الذي تم هدمه عام 1990 والذي أعيد بناؤه خلال السنوات القليلة الماضية.
ولم تقف الأمور عند ذلك فإذا كان الاعتقال غيب الستة فرصاصات الاحتلال غيبت السابع، ففي العام 1994 اغتالت قوات الاحتلال عبد المنعم، الذي اعتقل خلال الانتفاضة الكبرى وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة المشاركة في
نشاطات لحركة حماس, كان يدرس في كلية الآداب بجامعة بيرزيت, عُرف بعلاقته الطيبة مع الأهل والأصدقاء ومع جميع أبناء التنظيمات والفصائل. كان محبوباً من الجميع.
وبعد إطلاق سراحه من السجن في الانتفاضة الكبرى, نفذ عملية نوعية حيث استدرج ضابط مخابرات للاحتلال كان مسؤولا عن منطقة رام الله الى كمين تمت تصفيته فيه.
والدتهم تقول: "لا أقول الا الحمد لله رب العالمين، وربنا يصبرنا، فليس من السهل علينا ان نستوعب بيتا اصبح خاويا علينا، وابناء لا نراهم". الوالدة لم يسمح لها بزيارة أولادها الستة منذ اعتقالهم...
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1159 ـ 28 نيسان/أبريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018