ارشيف من : 2005-2008
مسارعة إسرائيلية لطرح خطة انطواء جديدة:إصرار على الفصل وسباق مع التطورات الإقليمية
يحيى دبوق
يخطئ من يربط بين زيارات رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت الأخيرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، التسويقية لخطة الانطواء في الضفة الغربية، وبين نتائجها السلبية على اصل الخطة، ليخلص أنها المسبب لتغيير خطة أولمرت وطرح واحدة بديلة مسحوبة من خارطة الطريق، التي يعاد إحياؤها من جديد، بعد التداول إسرائيليا بها، وتحديدا المرحلة الثانية منها (إقامة دولة فلسطينية بحدود موقّتة)..
ففشل الزيارات، كتسويق لخطة الانطواء، كانت مقروءة إسرائيليا قبل بدء زيارة أولمرت لواشنطن، وهو ما يفسر طرح الخطة الجديدة قبل إنهائه زياراته.
من مجمل الحديث الإسرائيلي الأخير عن خطة يصار فيها إلى تجاوز المرحلة الأولى من خارطة الطريق قفزاً باتجاه دولة فلسطينية بحدود موقتة، مع مفاوضات تجري مع رئيس السلطة الفلسطينية (أبو مازن)، يبرز نوع من التلاعب، التحوير، صقل في الطرح ومحاولة تجاوز المعوقات المطروحة دوليا حيال خطة الانطواء الأصلية، التي حاول أولمرت تسويقها دوليا.. إلا أنها لا تلغي في الجوهر المكونات الأساسية فيها (من حيث المقصد النهائي لها).
وللتذكير، نشرت صحيفة هآرتس (13/6/2006) نقلا عن محافل أسمتها بالسياسية، انه "في أعقاب المعارضة الإقليمية والدولية لخطوات إسرائيلية أحادية الجانب.. ستقترح إسرائيل حسب خطة متبلورة في ديوان رئيس الحكومة، على محمود عباس، التوصل إلى تسوية على أساس إقامة دولة فلسطينية في حدود موقتة، تتطابق ومسار جدار الفصل في الضفة الغربية، وبذلك يأملون في إسرائيل أن يكون في عرض خطة الانطواء كمرحلة ثانية من خارطة الطريق، استجابة لمطالب الإدارة الأميركية، الأردن، والأسرة الدولية، التي تدعو إلى استئناف المفاوضات مع السلطة"..
في الخطة الأولى (خطة الانطواء) سعى أولمرت إلى تحديد الحدود الدائمة لإسرائيل من جانب واحد وإحراز اعتراف دولي بها، وبالتالي تكون إسرائيل قد أنهت ما عليها ويصار إلى رمي الكرة في الملعب الفلسطيني.. وهو ما وجد ممانعة دولية، انطلاقا من عِبَر الانسحاب من قطاع غزة.. أما في الخطة الثانية، فإن أولمرت يريد تحقيق هذه الحدود عمليا، مع اعتراف عملي دولي بها، عن طريق تغيير التسمية، من خطة الانطواء إلى المرحلة الثانية من خارطة الطريق.
في الخطة الأولى كان الدور الفلسطيني سلبيا، أي متلقيا بالكامل.. وفي الخطة الثانية يقترح أولمرت تحركا باتجاه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يسميه مفاوضات، لكنه في الجوهر يتعلق بعملية تنسيق لأصل الخطوة الأحادية الجانب الأساسية.. وبالتالي سيمكّن ذلك إسرائيل من أن تروج عمليات التنسيق المشار إليها كمفاوضات وتلبية لمطالب "المجتمع الدولي".
بعيدا عن قراءة الرفض (أو عدم الموافقة) الدولية على خطة انطواء أولمرت كما عرضها ابتداءً، والتي لا تعني استيقاظ ضمير دولي أو صحوة لنصرة الحق الفلسطيني، يبرز في خطة الانطواء الجديدة إصرار ومسارعة إسرائيلية:
الإصرار مقروء في أصل التشديد على الفصل والخطوات الأحادية الجانب، التي تضمن لـ"إسرائيل" تقليص مساحة الاحتكاك مع الفلسطينيين، وتجنبها في الوقت نفسه خوض مفاوضات لا يمكنها أن تقدم فيها الحد الأدنى المطلوب فلسطينيا، حتى لدى المدمنين على التنازلات من الفلسطينيين.. وبالتالي يأتي التحويل في تعابير وأسماء وشكل خطة الانطواء لتتناسب مع المصالح الدولية للمرحلة الحالية والقادمة.. التي ترى فوائد في أصل أية انسحابات إسرائيلية، لكن مع مفاوضات والتزامات فلسطينية مقابلة تخرج المسألة كإنجاز للطرف الفلسطيني المعارض لنهج المقاومة الفلسطينية المسلحة.. وإلا أعيدت سيناريوهات القطاع في المناطق المخلاة من الضفة، ليس اقله انتصار حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة..
أما المسارعة الإسرائيلية، فظاهرة في طرح الخطة الجديدة حتى قبل إنهاء أولمرت لزياراته، ما يعني أن الإسرائيلي في هذه المرحلة يريد أن يسبق تطورات يقرأها في ساحات أخرى (إيران) لها تأثيراتها المباشرة على أوضاع الصراع مع الفلسطينيين.. وهي تطورات من شأنها تحريك المجتمع الدولي نحو فلسطين باتجاه ضغوط لتحريك العملية السياسية التي لا تريدها، سواء كانت هذه التطورات باتجاه إيجاد تسوية ما، أو باتجاه تصعيد خطير.. فلكل من الاحتمالين تأثيرات سلبية على موقع إسرائيل التفاوضي مع الفلسطينيين..
الانتقاد/ مقالات ـ الاعدد 1166 ـ 16 حزيران/يونيو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018