ارشيف من : 2005-2008

فوز عمير بيرتس برئاسة حزب العمل: تغيير في المفاهيم أم سحابة عابرة

فوز عمير بيرتس برئاسة حزب العمل: تغيير في المفاهيم أم سحابة عابرة

الانتقاد/ اقليميات ـ العدد 1138 ـ2/12/2005‏

يسمي البعض ما جرى في حزب العمل لناحية انتخاب عمير بيرتس لرئاسة الحزب، انقلابا حقيقيا في المشهد السياسي الإسرائيلي، خاصة لجهة ما تركه من آثار على مجمل المنظومة الحزبية الإسرائيلية، إن بشكل مباشر نتيجة صعود بيرتس والتغيير المتوقع في توجهات العمل نفسه، أو بشكل غير مباشر للتداعيات الخاصة التي ساهمت وعجلت في قرار آرييل شارون الانفصال عن حزب الليكود وتشكيل حزب جديد يخوض من خلاله الانتخابات للكنيست، التي جرى قُدّم موعدها أيضا نتيجة انتخاب بيرتس.‏

اتجه التقدير الابتدائي اثر مفاجأة انتخاب بيرتس بأن تغييرا عميقا ومؤثرا قد تشهده "إسرائيل"، سيؤثر في مجمل الحراك السياسي الإسرائيلي بما خص القضية الفلسطينية وسائر قضايا الصراع مع الكيان في الجبهات الأخرى. فقد دفع انتخاب بريتس بالناخب الإسرائيلي ليكون امام خيارات أخرى غير أحادية الاتجاه كما حصل في المرحلة السابقة، حيث كان حزب العمل عمليا برئاسة شمعون بيرس رديفا ومنساقا ومسوّقا للسياسة التي يتبعها آرييل شارون تجاه مجمل قضايا الصراع.‏

لكن اعادة القراءة لواقع حزب العمل والتغيير الحاصل فيه، قد تظهر نتيجة مغايرة للقراءة الابتدائية المشار إليها. فالرأي المرجح تجاه التغيير من عدمه في "إسرائيل"، يرى ان هذا التغيير يجب ان ينطلق من انعطافة تنطلق من الجمهور الإسرائيلي تحديدا تجاه السياسة القائمة (شارون) باتجاه خيارات أخرى، وهو الذي يثبت عكسه تماما، كما تظهر استطلاعات الرأي (الأرجحية لحزب شارون ـ كاديما)..‏

أما فرضية التغيير المتأتية من الأعلى والتي تنعكس على مزاج الجمهور الإسرائيلي كمقدمة للتغيير العام، فيلزم ان يكون فوز بيرتس نتيجة لتغيير في البنية المفاهيمية لحزب العمل ولجمهوره وناخبيه، بحيث يمكن طرحه (التغيير) خيارا بديلا عن طروحات آرييل شارون التي أمسكت بالمنظومة الإسرائيلية بكل تركيباتها في الأعوام الماضية..‏

من هنا يجب حضور واستحضار جملة من المعطيات المتعلقة بانتخاب عمير بيرتس لرئاسة العمل، وهي معطيات متعلقة بأصل الانتخاب من جهة، ومنها معطيات تتعلق بمناسبة الانتخاب المرتبطة بها:‏

لم يأتِ فوز بيرتس ساحقاً على بقية المرشحين، بمعنى ان تشتت أصوات الناخبين بين ثلاثة مرشحين هو الذي منح بيرتس فرصته الذهبية بالفوز، بدليل أن النسبة الإجمالية للمصوتين ضده بلغت نحو 57% (وهي مجموع أصوات من صوّت لمصلحة منافسَيه: بيريس (40%)، وبن أليعيزر (17%)، في مقابل حوالى (43%) لمصلحته.‏

معدل التصويت في حزب العمل كان بمعدل (65%) تقريبا (65.000 عضو من اصل ما يزيد قليلا على 100.000 عضو منتسب)، وبالتالي تكون نسبة الذين صوتوا لعمير بيرتس من مجمل أعضاء حزب العمل حوالى (27%).‏

اتسمت الماكينة الانتخابية التي عملت لمصلحة عمير بيرتس بشدة التنظيم، وشكلت الهستدروت (الاتحاد العمالي العام) التي يرأسها رافعتها الأساسية، وذلك في مقابل حالة من الاسترخاء النسبي سادت أوساط مناصري بيريس.‏

لا يمكن انكار حقيقة ان الأجندة الاجتماعية ذات العناوين الجذابة التي رفع بيرتس لواءها في مقابل غياب أي أجندة من هذا النوع أو غيره لدى المرشحين الآخرين، كان لها دور في تحقيق الفوز، ولكن مع تأكيد عدم المبالغة في ما يتعلق بهذا الإطار، خاصة ان أمامنا تجربتين سابقتين لعمير بيرتس عندما كان يترأس حزب "عام أحاد" الذي نال في انتخابات الكنيست عام 1999 عضوين، بينما نال في انتخابات عام 2003 ثلاثة أعضاء برغم رفعه أجندة اجتماعية اقتصادية بامتياز، ما يعكس إلى حد كبير مدى احتلال وتأثير هذه الأجندة في ظل قرقعة السلاح على مزاج الناخب الاسرائيلي.‏

فوز عمير بيرتس برئاسة حزب العمل أحدث في البداية صدمة لدى مصوتي حزب العمل، حيث أظهرت استطلاعات الرأي في أعقاب هذا الفوز ان (85%) من هؤلاء المصوتين قرروا العودة للتصويت لمصلحة العمل. ولكن بعد تشكيل شارون لحزبه (كديما/ إلى الامام)، عاد قسم كبير من هؤلاء وأعلن عن تأييده حزب شارون.. وبالتالي فإن الحديث عن ثورة في حزب العمل كتعبير عن ثورة تحتية تجري في صفوف الشعب الإسرائيلي امر مبالغ فيه، وما زال من المبكر جدا التقدير ـ فضلا عن الجزم ـ لأي اتجاه سيكون تصويت الناخب الإسرائيلي، خاصة انه يفصلنا ما يقرب من أربعة أشهر يمكن للكثير من التطورات السياسية أو الأمنية والحزبية ان تغير من الاتجاهات القائمة سلبا أو إيجابا.‏

يحيى دبوق‏

2006-10-30