ارشيف من : 2005-2008

عملية تل أبيب الاستشهادية: تأكيد لمنطق المقاومة واستمرارها

عملية تل أبيب الاستشهادية: تأكيد لمنطق المقاومة واستمرارها

أعادت عملية تل أبيب النوعية تأكيد ما حاولت المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية التعمية عليه طوال الفترة الماضية، إذ إنها ـ العملية ـ صوّبت وجهة المقاربة الإسرائيلية لمجريات ومآلات المواجهة مع الفلسطينيين، وذلك بعد انحراف في فهم و/أو تفهيم البيئة التي تتحرك فيها المواجهة، حيث بات البعض الإسرائيلي يعتقد أن الآلة العسكرية الإسرائيلية قد استطاعت تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية!! بل إن تصريحات أطلقت مؤخرا حاولت إشاعة أن "إسرائيل" هي التي تقف وراء انخفاض عدد العمليات المؤثرة، وليس الإرادة الفلسطينية بحسب قراءة المرحلة وظروفها من قبل الفلسطينيين.‏

سبق عملية تل أبيب فترة مشبعة بالاعتداءات الإسرائيلية، سقط جراءها عدد كبير من الشهداء الفلسطينيين، في محاولة إسرائيلية لإعادة فرض الردع وكسر إرادة الفلسطينيين من خلال المس بالمدنيين دون تمييز. وقد صرحت عدة مصادر إسرائيلية أن الهدف هو فرض قواعد لعبة جديدة في أعقاب فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية وتشكيلها حكومة السلطة، تتمثل في الوصول إلى هدوء مطلق من قطاع غزة من دون أي تبادلية من جهة الإسرائيليين، برغم المزاعم أن عمليات القصف والغارات الإسرائيلية هي رد فعل على عمليات إطلاق صواريخ القسام، وهو ما يعيد بالذاكرة عدوان نيسان العام 1996، حيث كان المدنيون هم وقود الخطة الإسرائيلية لكسر إرادة المقاومة في لبنان.‏

لعملية تل أبيب بعد استراتيجي واضح، إذ إنها تمثل العملية الأولى بعد الانتخابات الفلسطينية وبعد تبين هوية الحكومة الإسرائيلية القادمة، إضافة إلى سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع ومواصلة التضييق والخناق في الضفة الغربية.. ما يعني أن تغيرات البيئة والساحة الداخلية الفلسطينية لن تثني الفلسطينيين عن مواصلة كفاحهم المسلح ضد "إسرائيل".. بل إن منطق الرد المؤلم مقابل الاعتداءات الإسرائيلية سيبقى مفعّلا في المواجهة.‏

تأثير عملية تل أبيب وانعكاساتها على الداخل الإسرائيلي يمكن استشرافه من خلال تعليقات جملة من المعلقين العسكريين في الإعلام الإسرائيلي، الذين عادة ما ينقلون القراءة العسكرية الإسرائيلية لمجرى التطورات في المواجهة مع الفلسطينيين.. وفي ذلك يمكن الإشارة إلى العينات التالية:‏

حنان غرينبرغ في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (18/04/2006) رأى أن الجيش الإسرائيلي مقيد بعدة قيود في المرحلة الحالية تحول دون رد كبير على العملية، ناهيك عن أن أي عمل لن يؤدي إلى إنهاء العمليات الفلسطينية. ويقول في ذلك: "الرغبة بعدم الانجرار إلى التصعيد في هذه الفترة من شأنه أن يقيّد الرد الإسرائيلي على عملية تل أبيب!!"، حيث إن "المشكلة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي والشاباك هي أنه كلما قُص العشب، أي كلما جرى قتل أو اعتقال قادة المخربين، فإنه مباشرة ينبت قادة ومتطرفون جدد".‏

زئيف شيف في صحيفة "هآرتس" (18/04/2006) رأى انطلاقا من تعليقه على عملية تل أبيب، أن "الكلام الإسرائيلي عن الانتصار الباهر على الإرهاب هو نكتة سيئة.. فـ"إسرائيل" مستمرة في الفشل.. والعقوبات على هذا العمل الخطير سخيفة.. ولا يبدو أن الصدى التي تخلقه المدفعية الإسرائيلية في ردها على إطلاق الصواريخ يؤثر في المُطلِقين.. والبرهان على ذلك هو انضمام منظمات أخرى إلى عمليات الإطلاق، وهناك مؤشرات كثيرة تشير إلى أن هذا الاتجاه سيشتد..".‏

أما عامير رابابورت في صحيفة "هآرتس" (18/04/2006)، فقد كان أكثر مباشرة من غيره من المعلقين، اذ قال إن "بعض الإجراءات الإسرائيلية تشكل سببا في عودة الإرهاب.. مسؤولون رفيعو المستوى في المؤسسة الأمنية كانوا مرتاحين لحقيقة أن عدد العمليات في العام الماضي قد تراجع.. وكان المفترض أن يكون واضحا أن الأمر يتعلق بمرحلة مؤقتة.. وإن الاعتقاد بأن الجدار العازل ومعلومات الشاباك الاستخبارية هي التي تحبط العمليات كان أمرا مبالغا فيه. أما المستوى السياسي فهو الآخر لم يحسن استغلال هذه الفرصة لإحداث انطلاقة في العملية السياسية مع "أبو مازن"، وعوضا عن ذلك فإن خطة فك الارتباط بعثت برسالة للفلسطينيين مفادها أن الطريق الأسلم لتحقيق الأهداف هو من خلال النضال لا المفاوضات..".‏

يحيى دبوق‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1158ـ 21 نيسان/ ابريل 2006‏

2006-10-30