ارشيف من :آراء وتحليلات
هل حقًا تراجع التيار في انتخابات جبل لبنان؟

ليلى نقولا الرحباني
كما كان متوقعًا، وقبل تبلور نتائج انتخابات جبل لبنان البلدية والاختيارية، انهالت التصريحات السياسية والتحليلات الصحفية التي تتحدث عن التيار الوطني الحر لقياس نسبة شعبيته وتزايدها أو تناقصها، وكأن الصحافة والساسة ومراكز الأبحاث والدراسات لا همّ لها سوى وضع "بارومتر" احصائي لقياس مؤشر صعود التيار او تراجعه في "كل لحظة"!. واللافت أن الصعود لا يؤخذ بعين الاعتبار ولا يشار اليه، إنما يقاس على كل حالة خسارة حتى لو كانت فردية للقول بتراجع "أكيد ومحتوم" لشعبية التيار!.
في البداية، إن الاحصاءات الدقيقة للخريطة الانتخابية في جبل لبنان لا تشير مطلقًا الى خسارة التيار الوطني أو تراجعه، ولا الى تدني نسب التصويت الشعبي له، بل على العكس، إن النتائج المحققة هي أكثر من ممتازة للتيار الوطني الحر وحلفائه.
وبغض النظر عن الاحصاءات العددية يمكن تسجيل عدد من الملاحظات على العملية الانتخابية برمتها وكذلك التعاطي الاعلامي مع نتائجها:
اولاً: تاريخيًا، لم تستطع الاحزاب السياسية أن تسجّل حضورًا لافتًا في الانتخابات البلدية إلا عند تقاطعها مع العائلات والفعاليات التقليدية، لذا يكون التيار الوطني الحر قد قدم نموذجًا جديدًا من التعاطي السياسي، فهو لم يتستر بستار العائلية، ولم يمارس مرشحوه "التقية السياسية" بإخفاء هويتهم السياسية كما فعلت بعض الأحزاب الأخرى، بل جاهر التيار بتحالفاته ولوائحه وخاض معارك للانتصار حيث يستطيع، وإثبات الوجود حيث يجب.
ثانيًا: ان الادعاء بأن هناك تراجعًا شعبيًا للتيار سجّلته الانتخابات البلدية قياسًا بالانتخابات النيابية عام 2009 هو ادعاء كاذب، كما ان القول بأنه يمكن احتساب القوة التجييرية الانتخابية النيابية من خلال هذه الانتخابات هو كلام فارغ، إذ كيف يمكن احتساب البلدات التي تواجهت فيها لوائح التيار، أو تلك التي كان في جميع لوائحها أعضاء من التيار الوطني الحر؟ ثم كيف يحتسب تصويت بعض العونيين للوائح تمّ تبنيها من قبل الخصوم بعد انكشاف غبار المعارك؟
ثالثًا: إذا سلمنا جدلا بأن هناك تراجعًا في نسب التصويت للتيار قياسًا على انتخابات 2005، ـ ويمكن أن يكون التيار قد خسر بعض الاصوات التي حصّلها عام 2005 لأسباب عدة بنيوية وسياسية مرتبطة باللحظة التاريخية التي تجري فيها الانتخابات ـ لكن في السياسة ما يتم التركيز عليه مخالف للمنطق الذي يقول إن ما خسره التيار بسبب خياراته السياسية وتفاهماته حصل بين 6 شباط 2006 وكانون الاول 2008 أي بين حدّي توقيع وثيقة التفاهم مع حزب الله وزيارة سوريا وبينهما حرب تموز وزيارة طهران، أما ما بعد ذلك، فمن بَقي على تأييده لخيارات التيار السياسية لا يمكن خسارته. لذا من المستحيل أن يكون هناك تراجع في شعبية التيار بين انتخابات 2009 وانتخابات 2010 بسبب الخيارات السياسية كما ادّعى بعض الصحفيين والسياسيين.
رابعًا: ادّعى أحد الكتّاب بأن "خسارة التيار جاءت نتيجة لعقده تفاهمات وتحالفات سياسية تناقض الطبيعة المسيحية " ثم ردد هذا القول عدد من سياسيي الموالاة، واللافت في هذا القول ما يُشار اليه حول "الطبيعة المسيحية" وكأن المسيحيين اللبنانيين من "طبيعة أخرى" استثنائية تختلف عن طبيعة اللبنانيين!... هل هم من طبيعة خاصة ترفض مقاومة المحتل وتؤيد العمالة له؟! أو أنهم من "نوع مختلف" يجب ان تراعى خصوصيته، بما يوحي ان الكاتب ـ وهو بالمناسبة غير مسيحي ـ يحاول أن يزايد على بعض الشوفينيين مدّعي الخصوصية والتفوق النوعي المسيحي، الذين استأثروا بالنظام اللبناني فترة طويلة وأدت سياساتهم الى كوارث ومآس، وهو بالحقيقة حاول المزايدة على هؤلاء وتبييض وجهه معهم، فمسّ بكرامة المسيحيين اللبنانيين ووطنيتهم وعنفوانهم وعزتهم...
خامساً: ان بعض الصحافة تحدثت عن تدني جمهور التيار وشعبيته في الانتخابات البلدية لتصل الى بيت القصيد بالنسبة لها لتقول إن خيار التيار الوطني الحر
بالتفاهم مع المقاومة هو الذي أدى الى هذه التراجع! ومما لا شك فيه، أن هؤلاء يحاولون الاستخفاف بعقل الجمهور اللبناني، إذ لم يُسجل في أي منطقة لبنانية او بلدة، أنه تمّ رفع شعار "استفتاء الناخبين على خيار المقاومة أو عدمه" أو حتى على وجود السلاح أو عدمه"، لتكون خسارة التيار فيها خسارة لخياراته الانفتاحية والتفاهمات التي عقدها. ثم إن التفاهم بين التيار والمقاومة تمّ عام 2006، بما يعني أن الاستفتاء على هذا الخيار ـ فيما لو صح القول ـ كان يجب أن يظهر في انتخابات 2009، لا أن ينتظر الناخبون الانتخابات البلدية لمحاسبة التيار على هذا الخيار، كما يدّعي مروّجو كذبة تراجع شعبية التيار.
وفي الختام، تثبت الارقام والوقائع على الأرض أن التيار الوطني الحر ما زال الحزب السياسي الأقوى في منطقة جبل لبنان، ومهما يكن من أمر هؤلاء مدّعي الانتصارات، يبقى ان النسبة التي نالها التيار وحده تفوق ما حصلوا عليه مجتمعين متحدين، ومتضامنين مع المال والسياسة والسلطة والمخابرات!.