ارشيف من :آراء وتحليلات

خلف القناع: لن ندير لكم خدنا هذه المرّة

خلف القناع: لن ندير لكم خدنا هذه المرّة

كتب مصطفى خازم
هي القدس، مهما تغربت عنها تعود إليها. تغنى بها الشعراء طويلاً، وكانت مصدر الإلهام.
قبلة المسلمين الأولى، وعروس العروبة والمدائن. "وقف الله"، و"عاصمة الأرض وعاصمة السماء".
بالأمس غادرنا آخر الشهداء فيها ولها.. أبو كامل الكرد، رجل مسن مقعد يعاني الأمراض المزمنة، وآخرها مرض "الصهيونية".
قرر العدو طرده من بيته والعائلة معه في تلك الليلة.. وفيما العرب يشربون أنخاب حوار الأديان مع ربيب "الهاغاناه" شيمون بيريز. كان أبو كامل يبيت في خيمة قررت العائلة نصبها أمام المنزل المصادر.
رجل حفرت الأيام تأريخ عمره والعذابات منذ احتلال فلسطين على جسده، والعرب هناك يسكرون بنشوة "حركة تصحيحية في الإسلام" على رواية أحد أبناء "الجاهلية الأولى".. ينظّر لما يقومون به ولم يرف له جفن على المرأة الواقفة تحت المطر تحمل مظلة.
يتشدقون في كل خطاب بـ"وامعتصماه".. وماذا فعلوا؟!
أيام قليلة مرت على طرد عائلة الكرد من منزلها في حي الشيخ جراح، لم يتحمل قلب أبو كامل الضعيف هول ما يجري، ففارق الحياة.
أظنه فكر وفكر، ثم قرر ان ينتفض على هذه الأمة البلهاء ويلزمها باتخاذ موقف، فجاهد بلسانه ما استطاع ليسقط عنه تكليفه، ولما تعب قلبه انهار، فمات دون ماله وعرضه.. فهو "الشهيد".
لم يجلس على كرسيّ وثير، بل على مقعد مدولب.
لم يشرب من خمر الأمم المتحدة وحوار أديانها، بل شرب من ماء القدس والنهر المقدس.
تركه الصهاينة يعاني سكرات الموت، ومنعوا وصول سيارة الإسعاف ساعات وساعات.. والعرب يغطون في نومهم.
أما تلك المرأة الصابرة فقد سكنت الخيمة بانتظار جيوش العرب، وهي تعرف أنها لن تأتي، فهم مشغولون بتناول العشاء مع بيريز، "المؤمن" بأن لا مكان لعربي واحد على أرض فلسطين، وأنه يجب ان تكسر عظامهم، ويحرقوا في بيت الأمم المتحدة في قانا.. الذي رفض ان يدفع كلفة إعادة إعماره حتى برغم القرارات الدولية.
تلك المرأة حضنت رفيق دربها وقررت رفع المظلة عليه، لأن الصهاينة قلعوا الخيمة من مكانها.. حتى الخيمة أزعجتهم!
من بوسطة عين الرمانة إلى صبرا وشاتيلا إلى حصار غزة، وبالأمس حي الشيخ جراح في القدس، "السكين" و"القاتل" واحد.
نصل السيوف العربية التي أُهديت إلى "مدمر" العراق وقاتل الأطفال غرز في ظهر أبو كامل الكرد، والنفط العربي الممدود الى جيوب "القتلة" في الإدارة الأميركية عاد بصواريخ على بيوتنا في لبنان، و"الغداء السري" على دمنا.
ما عادت رقبتنا طرية، ولا سكينه تنفع. ما عادت صبرا وشاتيلا مرتع أغنام بلا راعٍ، وقانا لن تدير لكم خدها مرة أخرى.
اقتلعنا جذور حقدهم من أرضنا، واليد التي ستمتد لن تتجاوز خط الحدود، لأنها ستُقطع.
لأهل حي الشيخ جراح ألف ألف تحية، وللعدو مفاجآت ليست كالكلمات.
الانتقاد/ العدد1318 ـ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008

2008-11-25