ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: النهايات

كتب حسن نعيم
بدا المثقف العربي في أواسط القرن الماضي مناضلاً يحمل رؤى فكرية ـ سياسية طامحة الى تغيير العالم, وانتهى في أخرياته سفسطائياً فاشلاً "يبيع قوة عمله" بتعبير عباس بيضون, وراح ينادي بنهاية كل شيء حتى نهايته هو نفسه, فمن موت المثقف الى موت الشعر الى موت الايديولوجية الى نهاية القومية وغيرها من النهايات التي رافقت ظهور ما سمي بالنظام العالمي الجديد.
لقد انطلق المثقفون كالسهام من أكمام الطبقة الوسطى والمسحوقة في الأرياف وضواحي المدن, واصطبغ معظمهم باللون اليساري مستفيدين من فرصة التعليم المجاني أو شبه المجاني, التي أمنتها لهم السياسات الشمولية للدول العربية الجديدة. سافر بعضهم الى الخارج لإكمال تعليمهم العالي بمنح حزبية فيما اكتفى الآخرون، ومعظمهم من الطبقة المسحوقة، بالإجازة التعليمية أو بدار المعلمين.
لقد شهدوا إخفاق الأنظمة العربية على المستوى الخارجي في مواجهة العدو الصهيوني, كما في مواجهة الأزمات الداخلية المتفاقمة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والثقافية.
يضاف الى ذلك أن هذه القوة المتعلمة الصاعدة لم تجد الى الوظائف العامة الرئيسية التي ترتقي بها اقتصادياً واجتماعياً من سبيل, كما إنها لم تصل الى ممارسة الدور الذي كانت تأمل أن تلعبه داخل أحزابها وتياراتها في ظل هيمنة الأنتلجنسيا التي تتبادل الأدوار والمناصب، فأدركها جراء ذلك خيبة أمل مريرة فقدت معها الإيمان بكل شيء, ولمّا كانت النزعة النقدية التي نشأت وتربّت عليها كقوى تغيير قد اشتدت وتعملقت في نفسها حتى باتت جزءاً من ذاتها الفاعلة، عمدت الى قتل كل شيء شأن من يربي نفسه على القتل, فيقتل كل الناس ولا يبقى في النهاية إلاّه, ولكن بعد أن تكون شهوة القتل قد تمكنت منه فماذا تراه يقتل حينذاك؟
لقد بات المثقف اليساري مثقفاً نخبوياً مع نهاية القرن العشرين فأقصى نفسه عن قاعدته الجماهيرية بسبب تعلقه بمفهوم النخبة كتابةً وترجمةً وتواصلاً, ولما أيقظته رياح النظام العالمي الجديد وجد أن مطرباً ينجح في الوصول الى أحد برامج الفضائيات يؤثر في ثقافة الجماهير أكثر من ألف شاعر يكتب بكيميائيته البنيوية والتفكيكية.
لقد أدرك متأخرأ جداً أن ما أفنى عمره في تحصيله لم يعد مرغوباً فيه ولا مطلوباً منه الأمر الذي أشعره باغتراب داخلي ودفعه الى القول بالموت والنهايات.
الانتقاد/ العدد1318 ـ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
بدا المثقف العربي في أواسط القرن الماضي مناضلاً يحمل رؤى فكرية ـ سياسية طامحة الى تغيير العالم, وانتهى في أخرياته سفسطائياً فاشلاً "يبيع قوة عمله" بتعبير عباس بيضون, وراح ينادي بنهاية كل شيء حتى نهايته هو نفسه, فمن موت المثقف الى موت الشعر الى موت الايديولوجية الى نهاية القومية وغيرها من النهايات التي رافقت ظهور ما سمي بالنظام العالمي الجديد.
لقد انطلق المثقفون كالسهام من أكمام الطبقة الوسطى والمسحوقة في الأرياف وضواحي المدن, واصطبغ معظمهم باللون اليساري مستفيدين من فرصة التعليم المجاني أو شبه المجاني, التي أمنتها لهم السياسات الشمولية للدول العربية الجديدة. سافر بعضهم الى الخارج لإكمال تعليمهم العالي بمنح حزبية فيما اكتفى الآخرون، ومعظمهم من الطبقة المسحوقة، بالإجازة التعليمية أو بدار المعلمين.
لقد شهدوا إخفاق الأنظمة العربية على المستوى الخارجي في مواجهة العدو الصهيوني, كما في مواجهة الأزمات الداخلية المتفاقمة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والثقافية.
يضاف الى ذلك أن هذه القوة المتعلمة الصاعدة لم تجد الى الوظائف العامة الرئيسية التي ترتقي بها اقتصادياً واجتماعياً من سبيل, كما إنها لم تصل الى ممارسة الدور الذي كانت تأمل أن تلعبه داخل أحزابها وتياراتها في ظل هيمنة الأنتلجنسيا التي تتبادل الأدوار والمناصب، فأدركها جراء ذلك خيبة أمل مريرة فقدت معها الإيمان بكل شيء, ولمّا كانت النزعة النقدية التي نشأت وتربّت عليها كقوى تغيير قد اشتدت وتعملقت في نفسها حتى باتت جزءاً من ذاتها الفاعلة، عمدت الى قتل كل شيء شأن من يربي نفسه على القتل, فيقتل كل الناس ولا يبقى في النهاية إلاّه, ولكن بعد أن تكون شهوة القتل قد تمكنت منه فماذا تراه يقتل حينذاك؟
لقد بات المثقف اليساري مثقفاً نخبوياً مع نهاية القرن العشرين فأقصى نفسه عن قاعدته الجماهيرية بسبب تعلقه بمفهوم النخبة كتابةً وترجمةً وتواصلاً, ولما أيقظته رياح النظام العالمي الجديد وجد أن مطرباً ينجح في الوصول الى أحد برامج الفضائيات يؤثر في ثقافة الجماهير أكثر من ألف شاعر يكتب بكيميائيته البنيوية والتفكيكية.
لقد أدرك متأخرأ جداً أن ما أفنى عمره في تحصيله لم يعد مرغوباً فيه ولا مطلوباً منه الأمر الذي أشعره باغتراب داخلي ودفعه الى القول بالموت والنهايات.
الانتقاد/ العدد1318 ـ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008