ارشيف من :آراء وتحليلات

الحركة البريطانية والفرنسية: التوقيت والأهداف

الحركة البريطانية والفرنسية: التوقيت والأهداف
كتب مصطفى الحاج علي
زيارتان مهمتان في توقيتهما لمسؤولين أوروبيين بارزين: وزير الخارجية البريطاني ميليباند، ورئيس الوزراء الفرنسي فيون، لكل منها دلالاتها الخاصة والمشتركة، وكلاهما جاء في الوقت الذي ما زال الملف الأمني الخاص بتنظيم "فتح الاسلام" يلقي بثقله وكل أبعاده الأمنية والسياسية على الساحة الداخلية، وبتقاطع لافت مع هاتين الزيارتين.
الحركة البريطانية:
هذه الحركة آخذة في الاعتبار ما يلي:
أ ـ نتائج الانتخابات الأميركية، ودخول الولايات المتحدة في مرحلة انتقالية ما بين ولايتين، لا بد من أن تحدث فراغاً يجب ملئه حتى لا يغري بما هو مفاجئ، أو للاستفادة من الوقت للتأسيس لما هو آت.
ب ـ استباق استحقاقات مفصلية ومهمة في المنطقة أبرزها انتخابات الكنيست في الكيان الإسرائيلي، والانتخابات النيابية في لبنان، والانتخابات الرئاسية في فلسطين، وإيران ..الخ.
ج ـ انطلاق مسارات الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي من جهة، وسوريا والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى.
د ـ المرحلة التي بلغتها العلاقات الأوروبية ـ السورية، والتي تشهد منذ مدة تقدماً ملحوظاً وايجابياً على خلفيتين أساسيتين: الخلفية الأمنية، والخلفية المتصلة بالاتصالات السورية ـ الإسرائيلية، يضاف اليها الوضعية الجديدة التي أخذتها العلاقات اللبنانية ـ السورية منذ زيارة رئيس الجمهورية اليها.
هذا التوقيت للحركة البريطانية، يمنحها الدوافع التالية:
ـ فحص امكانية لعب دور لا سيما على صعيد التسوية في المنطقة بل، وأكثر من ذلك، العمل على جس نبض مبكر حول أفكار ومخططات معينة، وفي السياق الذي يؤسس للمرحلة المقبلة، بما هي مرحلة تسويات كما يشير الى ذلك العديد من المعطيات.
ـ ان إنجاز الهدف الآنف يستلزم، كما يدرك الأوروبيون عموماً، والبريطانيون تحديداً، معالجة العديد من المشاكل الموضوعية، منها ما يتصل بالساحة الإسرائيلية، وما يتصل بالساحة الفلسطينية، ومنها ما يتصل بالعلاقات السعودية ـ السورية، والمصرية ـ السورية، واللبنانية ـ السورية، لأنه بدون ترتيب هذه العلاقات، لا يمكن توفير المناخ العربي الرسمي الملائم لإدخال المنطقة عموماً في مناخ التسوية، إلا أن هذا بدوره دونه مشاكل متراكمة، وملفات حساسة، فهل ستكون المرحلة  الانتقالية تحديداً هي مرحلة معالجة هذه الملفات على النحو الذي يبطلها كقنابل متفجرة.
ـ ثمة بعد تطميني لا يمكن إغفاله في هذه الزيارات داخلياً، لا سيما في ما يتصل بفريق 14 آذار، الذي لا بد أنه يعيش في هذه المرحلة درجة عالية من القلق، فمناخ التسوية يقلق هذا الفريق حتى لا يتحول إلى مجرد فارق عملة، خصوصاً وهو يشاهد تطور العلاقات ايجابياً بين دمشق وأوروبا.
ـ الحركة الفرنسية:
البعد الاقتصادي للزيارة جلي، كما الأبعاد الأخرى من ثقافية وعسكرية، وهي تتصل بتمتين أواصر العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية، والحفاظ على إظهار الاهتمام الفرنسي في لبنان، وتأكيد هذا الاهتمام، وهذا الهدف يبدو مطلوباً بقوة في هذا التوقيت وذلك لإعادة بث الاطمئنان، بأن العلاقات الفرنسية لن تكون على حساب الاهتمام بلبنان، أو تراجع الاهتمام به، والاطمئنان معطوف على ضرورة طمأنة فريق 14 آذار تحديداً بأن العلاقات السورية ـ الفرنسية يجب أن لا ينظر إلى تطورها إيجاباً نظرة سلبية، بل يجب فهمها، كما هي، وبأنها ليست في عرض المصالح اللبنانية، وبالتالي، فثمة تشجيع ضمني للأطراف اللبنانية القلقة من تطور العلاقات الفرنسية ـ السورية على عدم وضعها العصي في دواليبها، وضرورة تفهم مستلزماتها وضروراتها  وأهدافها الاستراتيجية، لا سيما في ما يخص المصالح الأوروبية والغربية عموماً على مستوى المنطقة.
ـ فريق 14 آذار، أي قلق؟
إن أي مراقب سياسي، يستطيع أن يلحظ بسهولة حالة القلق المتنامي الذي يمر به فريق 14 آذار، وذلك للعديد من الاعتبارات أبرزها:
ـ إن زمن التغيير بالقوة قد ولّى، وأن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة ديبلوماسية وتفاوضية، وبالتالي مرحلة تسويات بامتياز، ونتيجة للانشغالات الكبرى للإدارة الاميركية الجديدة، وتبدل أولوياتها قد يكون الدور الأساس في المرحلة المقبلة للأوروبيين.
ـ الإدراك الأوروبي عموماً أن دمشق حاجة ماسة، إذا أرادت لسياساتها في المنطقة أن تشق طريقها، وأنها، بالتالي، لا يمكن لها القفز عن دور سوريا، وعن حاجاتها ومصالحها عموماً، وتحديداً في لبنان، خصوصاً بعدما ظهر تحوله إلى منطقة معادية أمنياً وسياسياً للنظام في سوريا.
ـ نجاح سوريا في الانتقال إلى موقع الهجوم على فريق 14 آذار ولو من المدخل الأمني المتصل بـ"فتح الاسلام"، وحيازة هذا الهجوم تغطية وموافقة أوروبية شاملة، وبغضّ نظر اميركي على الأقل، وهذا ما  اوقع فريق 14 آذار في حالة إرباك كبير.
ـ وعي فريق 14 آذار لواقعه الخاص، حيث يعاني من جملة عوامل ضعف أساسية:
أ ـ تضعضعه الذاتي والبنيوي بفعل تراكم فشله وهزائمه.
ب ـ خسارته لمجمل شعاراته المركزية، وعجزه عن استعادتها بالقوة نفسها.
ج ـ التناقضات الكبيرة التي وضع فيها بين شعاراته التعبوية، وضرورات السياسة العملية التي فرضت نفسها عليه.
د ـ حرجه إزاء بعض القوى السلفية التي رعاها. فهو لا يستطيع إعلان التضامن معها، ولا يستطيع إعلان التخلي عنها، ولا يستطيع منع العمليات الأمنية ضدها.
هـ ـ عدم قدرته على الخروج على اتفاق الدوحة، وعدم قدرته بالتالي الخروج على موجبات التهدئة ومستلزماتها.
و ـ انفضاح العديد من أكاذيبه ودوره التخريبي خصوصاً في ما يتصل  بالعلاقات الفرنسية ـ السورية.
ز ـ إن موقفه الحقيقي من تطور العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية هو موقف سلبي، لكنه يدرك أن وراء هذا التطور قرارا دوليا وإقليميا وحتى محليا كبيرا، ما يضعه في موقف حرج ومربك، يحاول دائماً البحث عن مخارج له.
خلاصة القول، إن هذا الفريق في وضع لا يحسد عليه، وهو يتوجس خيفة من الآتي، ويخشى أن يتحول إلى مجرد ورقة للتفاوض مقابل أثمان معينة، وفي هذا الإطار، لا يبدو أن الزيارات الأوروبية إلى لبنان ستحمل اليه التطمينات الكافية، وما يفاقم من قلقه هو إدراكه أن الانتخابات النيابية المقبلة لن تكون نزهة، بل أن كل التقديرات تذهب إلى أنه سيخسرها ولو نسبياً.
الانتقاد/ العدد1318 ـ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008
2008-11-25