ارشيف من :أخبار عالمية
الرئيس السوري بشار الأسد والعربية

برنامج وثائقي عرض تلفزيونيا ليل الخميس بتاريخ 5 ايار 2010.
عنوان الفيلم حوارات رئاسية والرئيس المعني بحلقة تلك الليلة هو الرئيس السوري بشار الاسد.
اما مضمون الوثائقي فمجموعة حوارات مع مقربين من الدائرة الضيقة للرئيس، الذين نادرا ما يطلون عبر وسائل اعلامية، ومن ابرزهم زوجة الرئيس السيدة اسماء الاسد، التي شغلت مساحة هامة في الفيلم. السيدة اسماء تطل من وقت لاخر في الفيلم لتتحدث عن صفات "الرئيس والزوج والصديق والاب"، وعن مهارة الاستماع للاخرين التي يتمتع بها الرئيس السوري وعن اخذه بآراء من يطلب مشورتهم.
في مشاهد اخرى يظهر الاسد يقود سيارته بمفرده الى جانبه زوجته محدثا الكاميرا عن شعوره بالامان في بلاده، وعن ان زجاج السيارة التي يقودها غير مصفح وعن الامن الذي لا تحققه الحراسة الشخصية بل الشعبية الجماهرية والثقة المتبادلة بين الرئيس وشعبه، بدورها السيدة اسماء تتدخل للاشارة الى المشاوير العائلية حيث يقود الرئيس بمفرده لمدة ثلاث ساعات، وينتهي المشوار والابتسامة لا تفارق وجهه على الرغم من المشاغبات التي قد يسببها الاطفال الثلاثة.
الفيلم يتضمن ايضا عرضا لصور فوتوغرافية للرئيس الاسد وهو يطفىء الشموع في عيد ميلاد احد ابنائه، واخرى حاملا طفلته في احضانه وصورة للرئيس يلتقط صورا (التصوير الفوتوغرافي هو احدى هوايات الرئيس).
احد أصدقاء الرئيس يتحدث عن هوايته في قيادة الدراجات الهوائية وعن الحياة البسيطة التي يعيشها، السياسة طبعا لها حصة حيث يورد الفيلم مقتطفات من مقابلات مع الاسد يؤكد فيها على اولويات النظام في سوريا: الامن اولا، الاقتصاد ثانيا، والاصلاح السياسي ثالثا، يضيف انه وجه نصيحة الى الاميركيين "بعدم اعتماد الوسائل العسكرية لمحاربة الارهاب، فالارهاب ينمو ويتطور في بيئة الحرب". اما الصراع العربي الاسرائيلي فلن يتمكن الغرب من المساهمة في حله الا من خلال "الاعتراف بقوى المقاومة من حماس الى حزب الله". اما العلاقة مع ايران فهي علاقة مع "دولة هامة جدا في الشرق الاوسط تشترك مع سوريا في المصالح وفي الحرص على الاستقرار في المنطقة، والحرص على تحصيل كامل الحقوق الوطنية لكلا الدولتين".
احد المختصين بشؤون الشرق الاوسط الصحفي البريطاني دايفيد ليش (يظهر من كلامه قربه من الرئيس الاسد) يعتبر ان الرئيس الاسد سينجح في اي انتخابات حرة قد تشهدها سوريا.
المعلق يختم الفيلم بمقولة ان الاسد اليوم امام تحدي التوفيق بين رغبته بالانفتاح على الغرب وتمسكه بخيار القومية العربية وبصلاته مع قوى المقاومة. كلام يترافق مع صور للرئيس وزوجته يدخلان دار الاوبرا السورية وسط اندهاش الحضور وتصفيقهم الحار وصيحات الترحيب.
نحن اذاً امام فيلم تتوافر فيه المعايير المهنية لصناعة وبناء صورة السياسي وهو في هذه الحالة الرئيس بشار الاسد. الامر مشروع ومستحسن، فالاعلام هو الوسيلة القادرة على التأثير وعلى خلق الانطباعات لدى الرأي العام. ويمتلئ العالم بمكاتب العلاقات العامة وبالخبراء المتمرسين لاداء هذا الدور. لكن المفاجأة تكمن في القناة التي بثت الفيلم. ليس التلفزيون الرسمي السوري من خصص ساعة من بثه لهذا الوثائقي، انما العربية!
نعم قناة العربية التي ناصبت العداء للنظام السوري وكانت جزءا اساسيا ومحوريا ضمن الجوقة الاعلامية التي استهدفت سوريا في السنوات الخمس الماضية، والتي لم توفر خصما للنظام السوري الا وفتحت هواءها له. من عبد الحليم خدام حتى اصغر معارض لبناني لسوريا. وقد وصل الامر الى حد تخصيص ست ساعات من بث العربية لسمير جعجع، المدان بجريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رشيد كرامي. وقد وُجهت الحوارات التي اجرتها الاعلامية جيزيل خوري مع جعجع باتجاه تبييض صفحته وصولا الى منحه مرتبة القديس.
كل ذلك ضمن سياق حملة اعلامية مبرمجة ومخططة لتشويه صورة النظام السوري بشكل عام وصورة الرئيس بشار الاسد بشكل خاص.
طبعا لا يمكن فصل خطوة فيلم الحوارت الرئاسية عن السياق السياسي للعلاقات السورية السعودية. كما لا يمكن التغاضي عن ازمة الاعلام العربي حيث تحولت وسائل الاعلام العربية الى ادوات في ايدي السلطات التي تملك في معظم الاحيان هذه الوسائل، وهذا ما تؤكده للانتقاد نت استاذة الاعلام في الجامعة اللبنانية د. مهى زراقط التي اعتبرت ان بثّ "العربية" لهذا الفيلم يؤكد أنه بات يمكن للمشاهد العربي أن يفهم سياسة دولته من خلال وسائل إعلامها التابعة لها. وتضيف "صحيح أن الأخبار السياسية تنقل المعلومات المعروفة عن اللقاءات والتفاهمات السورية ـ السعودية، لكن أن تبث "العربية" هذا الفيلم فهو أمر لا يخلو من الرغبة في توجيه رسائل أكثر إيجابية من السعودية باتجاه سوريا. كما ترى زراقط ان "لا جديد في هذا الأمر على الساحة العربية التي لطالما كانت وسائل إعلامها أداة في يد السلطة. ويمكن القول إن الأمر لم يعد مستغرباً على الساحة العالمية أيضاً، خصوصاً بعد الحروب الأميركية في المنطقة، ومبادرة الولايات المتحدة إلى تأسيس قناة تلفزيونية ومحطة إذاعية، ناطقتين باللغة العربية للتوجه إلى جمهور يكنّ لها العداء، وتحسين صورتها لديه. وهذا ما تفعله غير دولة في العالم ( فرنسا، روسيا، إيران، الصين)." وتؤكد زراقط ارتباط القضية ارتباطا وثيقا بملكية وسائل الإعلام. فمن يملك الوسيلة الإعلامية هو الذي يتحكم في سياستها. وفي العالم العربي الإعلام هو ملكية الدولة غالباً، أو قريب من أنظمتها الحاكمة في حال كان خاصاً.
"العربية" ليست استثناء في هذا الإطار، إلا في حجم دعايتها لنفسها كمؤسسة مهنية ذلك أن هذا الحجم من الدعاية لا يتوافق مع التسييس المكشوف الذي تمارسه، سواء في طريقة تقديمها للأخبار التي تعني السعودية، أو في برمجتها.
بثينة عليق