ارشيف من :آراء وتحليلات
نكسة تيار المستقبل في البقاعين الغربي والأوسط

بثينة عليق
ما هي أسباب النكسة الانتخابية التي اصيب بها تيار المستقبل في البقاعين الأوسط والغربي وتحديدا في القرى السنية فيه؟
لماذا خسر التيار المجالس البلدية في قرى ومدن شكلت طوال السنوات الخمس الماضية خزانا بشريا ومعقلا سياسيا للحريرية؟
وهل ما جرى يؤسس لواقع سياسي مختلف في تلك المنطقة بسبب تغير مزاج الشارع السني في لبنان ام هو سوء ادارة للمعركة من قبل القيمين على تيار المستقبل؟
اسئلة كثيرة تطرح بعد صدور نتائج انتخابات البقاع وبيروت، ومؤشرات كثيرة لا بد من التوقف عندها. مؤشرات بدأت تلوح وتتضح منذ زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى دمشق، ولكن قبل ذكرها ومحاولة فهمها وتفسيرها، قليل من التاريخ ينفع لتظهير صورة اكثر وضوحاً.
تعتبر قرى وبلدات البقاعين الغربي والاوسط جزءا لا يتجزأ من البقاع اللبناني الذي لا يزال يدفع ثمن الخلل التاريخي بين المركز والاطراف. هذا الخلل المزمن الذي لم يُشف منه لبنان حتى الآن، ونلحظ ترجمته في الإهمال المستدام والحرمان المكرس في مختلف المدن والقرى البقاعية من دون استثناء.
إلا ان هذا الواقع لم يمنع أهالي تلك المنطقة بمن فيهم بطبيعة الحال اهالي البقاعين الغربي والاوسط من الانخراط في أبرز الاحداث التاريحية والمفصلية في تاريخ لبنان الحديث.
ففي العام 1958 شارك البقاعيون في الثورة وتجندوا ثوارا ضد كميل شمعون حاملين السلاح الى جانب كمال جنبلاط، وهذه الثورة كما هو معلوم انتهت بغلبة التيار الناصري الذي شكل سنة البقاع الغربي رافدا اساسيا له سرعان ما جيروه في دعم الثورة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية. كما لم يبخل اهالي تلك القرى والبلدات تجاه فلسطين، فقدموا عشرات الشهداء للثورة وكذلك الملاذ الآمن للفدائيين الفلسطينيين.
وخلال الوجود السوري في لبنان كان المزاج الشعبي امتدادا للجغرافيا، فكان البقاعان الغربي والاوسط متفهمين، ومتأقلمين مع الوجود السوري حتى عام 2005 حيث اصاب البقاعيين ما اصاب كل لبنان،
وسرعان ما انتظم الأهالي في الحملات التي عمت البلاد فشكلوا خزانا بشريا لمناسبات تيار المستقبل، وكانت منطقة البقاعين الاوسط والغربي المكمل لعكار في الحشد الشعبي والاستعداد الدائم للذهاب بعيداً في الخيارات الى ابعد مما يريد او يناسب تيار المستقبل نفسه.
وعلى الرغم من هذه الاجواء، إلا أن المنطقة احتضنت شخصيات ـ اتهمت بالقرب من سوريا وصنفت رموزا سورية في لبنان وتعرضت لاشرس الحملات من تيار المستقبل ـ حظيت بنسبة دعم شعبي لا يستهان به، فقد افرزت صناديق الانتخابات النيابية للعامين 2005 و2009 تأييدا سنيا للوزير عبد الرحيم مراد وصل الى حدود الـ32%من أصوات السنة في البقاع، لكن هذا التأييد لم يشكل قط تهديدا لزعامة المستقبل المطلقة داخل الطائفة السنية.
ولكن ما الذي حصل حتى صرنا نسمع داخل الأوساط المؤيدة للمستقبل كلاما عن أن كل ما قام به التيار تجاه المنطقة وأهلها لم يكن الا مراكمة للأخطاء؟ وأن تيار المستقبل لم يقدم للمنطقة شيئا يذكر على صعيد الانماء والخدمات؟ حتى خطوة تعيين الوزير محمد رحال من بلدة جب جنين قوبلت باعتراضات شعبية على الوزير نفسه وعلى الخطوة بشكل عام، وبات توزير شخصية بقاعية ليس مبادرة مغرية لأهالي المنطقة الذين خرج منهم عشرات الوزراء مثل سامي الخطيب وعبد الرحيم مراد وإيلي الفرزلي وأديب الفرزلي وغيرهم من الذين تولوا حقائب تفوق حقيبة البيئة اهمية ونفوذاً وتأثيراً.
اذاً عامل التوزير وعدم امكانية استثماره على المستوى الشعبي اضافة الى عدم مكافأة التيار للمنطقة مقابل خدماتها (ويسجل هنا غياب اي مشروع انمائي او خدماتي عن تلك المنطقة التي تزيد نسب البطالة بين شبابها كما هي حال مناطق الاطراف) ثم عملية حل الشركات الأمنية دون ايجاد بديل للشباب الذي انضوى في صفوفها، إضافة إلى اتهام القاعدة الشعبية للتيار لعدد كبير من كوادره ومسؤوليه في المنطقة بالفساد.
كل هذه العوامل أسست لسلوك انتخابي انتج ما يعتبره المراقبون نكسة حقيقية في الانتخابات البلدية التي حصلت في توقيت تخلى فيه تيار المستقبل عن عدة الشغل التي كان يوظفها في الانتخابات السابقة وأبرزها التجييش الطائفي والمال السياسي.
وهنا لا يمكن أن نتناسى أو نتجاهل الفطنة في مقاربة المعارضة السنية للاستحقاق والتي عملت بصمت وروية واستفادت من التجربة السابقة.
تيار المستقبل فوجىء بالنتيجة وهو أعلن بعد انتهاء المعركة أنه لم يكن معنيا إلا بجب جنين والقرعون وقب الياس وبر الياس، وهو فاز باثنتين وخسر اثنتين. هذا الاعتراف الجزئي والتبريري لا يلغي اهمية قرى وبلدات أصغر ولكن لها رمزيتها كحوش الحريمي والرفيد والروضة وكامد اللوز حيث لم يصمد مرشحو التيار امام منافسيهم من المعارضة السنية او من جمعية المشاريع الاسلامية كما هي حال الروضة.
ماذا عن الارقام؟ وهل تفسر القراءة الرقمية ما جرى؟
هذه السؤال حملناه الى مدير مركز بيروت للدراسات والأبحاث عبده سعد الذي عاد الى نتائج الانتخابات النيابية، فاعتبر ان تلك النتائج ما كانت لتشير بالمطلق وبأي شكل من الاشكال لما جرى في الانتخابات البلدية، ففي القرعون مثلا حصل تيار المستقبل عام 2009 على متوسط اصوات بلغ 1500 صوت مقابل 800 للائحة المنافسة. وفي المنصورة، كانت حصة المستقبل 590 صوتا مقابل 300، وفي جب جنين 1900 صوت للمستقبل مقابل 800، وفي كامد اللوز 1900 للمستقبل مقابل 500.
ويرى عبدو سعد في هذه الارقام دليلا على مدى فداحة النكسة التي اصابت تيار المستقبل في المنطقة وعلى حقيقة مفادها ان تيار المستقبل ليس متجذرا في البقاعين الاوسط والغربي، إضافة الى ان المعارضة السنية لا تزال حاضرة بقوة لا يستهان بها هناك.