ارشيف من : 2005-2008

السيد فضل الله في خطبة الجمعة: الانتماء الماروني للرئيس لا يعني ألا يكون للآخرين دور في تحديد شخصيته

السيد فضل الله في خطبة الجمعة: الانتماء الماروني للرئيس لا يعني ألا يكون للآخرين دور في تحديد شخصيته

والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته على صعيد الوضع اللبناني:‏

"أن المشكلة التي تكمن في نسيج لبنان السياسي، هي أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تضغط على قراراته الحالية والمستقبلية, حتى أنها تتدخل في تحديد شخصية الرئيس اللبناني, لتفرض على اللبنانيين بعض الشروط السلبية في عملية اختياره بما يتفق مع مصالحها في الاستحقاق الرئاسي. ومن الطريف أن ثمة من لا يزال يتحدث عن الحرية والاستقلال ورفض الوصاية.‏

كما أن الاجتماعات الطائفية الداخلية قد تكون مجرد تغطية للايحاءات الدولية، في الوقت الذي يعرف الجميع أن الخط الطائفي، لا الوطني، هو الذي يحكم الواقع السياسي، في استحقاقاته الكبيرة والصغيرة, والقضية التي تفرض نفسها هنا، أن الانتماء المسيحي الماروني للرئيس لا يعني ألا يكون للبنانيين الآخرين دورا في تحديد شخصيته، في الوقت الذي سوف يخضعون لقيادته".‏

اضاف "إن المسؤول الأول في لبنان، كبقية المسؤولين في مواقع السلطة الاشتراعية أو التنفيذية، لا بد من أن يكون للوطن كله، بحيث يلتقي عليه المواطنون، لا طائفته الخاصة فحسب, لأن مسألة الانتماء الطائفي لأي مسؤول لا يعني أن طائفته هي التي تحكم الوطن, ليكون اختياره تابعا لطائفته، لا للوطن".‏

وتابع "إن سقوط الواقع السياسي والاقتصادي والأمني على مستوى الداخل وعلى مستوى انفعال الداخل بالخارج، كان، ولا يزال، نتيجة النظام الطائفي المتخلف, فلينطلق اللبنانيون إلى نظام المواطنة, فهو الذي يؤنسن النظام، ويؤنسن السياسة كلها".‏

وأضاف "في المشهد الأميركي, يتحدث بعض مسؤولي الإدارة عن ضرورة التحرك السياسي والأمني والاقتصادي لإبقاء الولايات المتحدة الأميركية في موقع قيادة العالم، بدلا من أن تكون دولة محدودة السلطة العالمية وراء البحار. ويؤكد ـ في خطابه للكونغرس ـ أن الانسحاب العسكري من العراق يحرم أميركا من ذلك الموقع القيادي".‏

وقال:"إننا نتساءل: من الذي أعطى الولايات المتحدة الأميركية الحق في فرض قيادتها على العالم، والضغط على قضاياه، والسيطرة على مجلس الأمن، وتهديد ـ من خلال التحالف مع بريطانيا وفرنسا من جديد ـ إيران إذا بقيت مصرة على مواصلة تخصيب اليورانيوم، حتى لأهداف سلمية؛ بهدف منع العالم العربي والإسلامي من امتلاك الخبرة العلمية النووية التي تجعله في حال اكتفاء ذاتي؟ إن الولايات المتحدة الأميركية تخطط لاستغلال موازين القوى التي تتحرك لمصلحتها, لتدعيم امبراطوريتها الكونية ودكتاتوريتها السياسية والاقتصادية، تحت ذريعة نشر الديمقراطية".‏

اضاف:"إننا ندعو الشعوب كلها، ولاسيما الشعوب المستضعفة، إلى إدراك ذلك، لترتب أوضاعها بما يحقق لها القوة والحرية والكرامة، من خلال اكتشاف مواقع القوة عندها، وتحريكها في اتجاه الموقع القوي الذي يكفل لها التوازن والاستقلال".‏

وتابع:"ومن جهة أخرى، يتحدث بوش عن خيبة أمله من القيادة العراقية، في حركة إعلامية، داخلية وخارجية، تؤكد أن السياسة الأميركية قد فشلت في احتلالها للعراق، وأن وجودها أدى إلى المزيد من الفوضى الأمنية، واستمرار المجازر الوحشية، وفقدان الخدمات الضرورية للشعب العراقي، فضلا عن الخسائر التي يتكبدها الاحتلال في جنوده وقواته. وإذا كان المسؤولون الأمريكيون يتحدثون عن فشل الحكومة العراقية في تحقيق أهدافها، فإن الجميع يعرفون أن الاحتلال نفسه يمارس الضغط على أي حكومة في إطار احتلاله، ويقوم بأكثر من لعبة مزدوجة في الواقع العراقي الداخلي، ولاسيما من خلال الإثارة الطائفية، أي بمحاولة ترمي إلى أن تضمن وحدة العراق وتحقيق الاستقرار له؛ لأن الاستقرار يعني انتفاء مبرر بقاء قوات الاحتلال في العراق".‏

"ومن جهة ثالثة، نلاحظ أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تحريك الصراع المتنوع في دول المنطقة، وهي إزاء السقوط المدوي لمشروع الشرق الأوسط الجديد، تخلت عما تسميه نشر الديموقراطية في العالم العربي، وأصبحت المسألة لديها هي كيف تقسم هذا العالم إلى محور اعتدال في مواجهة محور دول التطرف, وهي تقصد من الاعتدال التحالف مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، أو الانفتاح عليه، في مقابل الدول التي لا تزال ترفض ذلك الكيان, لتقترب هذه الدول "المعتدلة" من الدولة العبرية، معلنة استعدادها لحضور المؤتمر الذي دعا إليه بوش تحت عنوان السعي نحو السلام، ما قد يؤمن للكيان العبري الغطاء الواسع في تكريس إستراتيجيته في الاستيلاء على أرض فلسطين، وإبقاء مساحات محدودة فاقدة لشروط الحياة الطبيعية، مع غياب أي فرص واقعية لقيام الدولة الفلسطينية، في ظل التحالف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي".‏

اضاف:"وفي هذا الجو، نلتقي بحال الضعف العربي، ولاسيما سلطة الرئيس الفلسطيني الذي لم يستطع أن يحصل على أمن الضفة الغربية، سواء من جهة إيقاف الاجتياح والاعتقالات، أو إزالة حواجز الاحتلال. كما أن هذه السلطة قد تكون ضالعة في التخطيط مع الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية من أجل الضغط على الشعب الفلسطيني في غزة اقتصاديا, وذلك تحت عنوان الضغط على حركة حماس، في ظل استمرار الطائرات الإسرائيلية في استهداف المجاهدين تارة، والمدنيين أخرى، بحجة الدفاع عن الشعب اليهودي، من دون أي حديث عن مسألة الاحتلال للأرض التي تدفع المقاومة إلى الاستمرار في المواجهة؛ وذلك هو منطق الغرب في إعطاء العدو العذر في وحشيته، إضافة إلى الصمت الرسمي العربي الذي أدار ظهره للشعب الفلسطيني، فلم تحاول الدول العربية الدخول في توحيد هذا الشعب من جديد, لينطلق في حكومة وحدة وطنية؛ لأن أميركا وإسرائيل ترفضان عودة حركة حماس إلى مواقعها الرسمية في الساحة السياسية".‏

واوضح "إن مشكلة العالم العربي، بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، هي أن هناك أكثر من موقع نفوذ عربي يضغط على الحكومة الفلسطينية حتى تخضع للخطة الإسرائيلية ـ الأميركية في تحجيم القضية الفلسطينية, وذلك بهدف تكريس منطق الهزيمة العربية والسقوط السياسي للقمم ومؤتمرات وزراء الخارجية العرب، التي تصدر مقرراتها على طريقة المواضيع الإنشائية. وهذا ما يفرض على الشعوب العربية والإسلامية التنبه إلى المستقبل الهزيل الذي يعمل عليه حكامهم، والذي يراد له أن يكون مستقبل الأمة كلها.‏

وفي هذا السياق، فإننا، في ظل وجود الخطر على المسجد الأقصى من خلال الحفريات التي لا يزال الكيان الإسرائيلي يمارسها، نؤكد في هذه المرحلة من تاريخنا ضرورة استعادة ذكرى محاولة إحراق المسجد من قبل اليهود، للتدليل على الخطة القديمة-الجديدة في نطاق سعيه لإزالة كل المقدسات الإسلامية، وتهويد القدس بالكامل".‏

2007-08-24